بكركي: الإنقاذ.. الداخل: شلل.. والخارج منكفئ.. والروس: الّفوا الحكومة

جاء في صحيفة الجمهورية : مع التفشيل المتعمّد لكل المبادرات والوساطات في فكّ شيفرة التعطيل الحكومي، وجلب المتصارعين على جبنة الحكومة الى بيت طاعة البلد وحده، ومع إمعان الشّركاء في تأليف هذه الحكومة، وعن سابق تصوّر وتصميم، في سدّ كلّ ابواب ونوافذ الحلول والمخارج، وفي الحفر المتبادل بمناجل سياسيّة وشخصيّة وكيديّة عميقاً في ما بينهم.. ومع ما ادّى اليه ذلك من انحدار واهتراء رهيب في حال البلد، يصبح السؤال مشروعاً: هل ثمّة من يقبض، أو قبض، او هو موعود في أن يقبض ثمن خراب لبنان؟ وما هو هذا الثمن؟ ولمصلحة مَن هذا الخراب؟

هذه الاسئلة تضعها الأكثرية السّاحقة من اللبنانيين المسحوقين والمكتوين بنار الأزمة، برسم الشركاء في ورشة هدم الهيكل اللبناني. وكلّها تنطوي على إدانة صريحة لجميع المعطلين، ولاتهاماتهم المتبادلة وتقاذفهم المسؤولية في ما بينهم وبين التابعين لهم ومن يدور في فلكهم، ولتبريراتهم التي تُطلق بكل فجاجة من هنا وهناك، ويستغبون فيها المواطن اللبناني بحجج تخديرية مجمّلة بمفردات تعكس الحرص الفارغ على لبنان واللبنانيين؛ فكلّ هؤلاء الشركاء بجريمتهم المتمادية بحق البلد وأهله، صاروا في نظر اكثرية الناس متهمين حتى النخاع، ولا تنطبق عليهم القاعدة القانونية التي تقول بأنّ كل متّهم بريء الى أن تثبت إدانته، بل هم متّهمون لا بل مدانون حتى تثبت براءتهم وليس العكس.

لا يصدّق المواطن اللبناني هذا المستوى الذي انحدر اليه من يفترض أنّهم في موقع المسؤولية والقرار، وسوق لبنان في الاتّجاه خارج نطاق المرارات والآلام التي تمزّقه وتوشك أن تنال منه وتجعله أثراً ممحياً. ولا يصدّق أنّ هناك من يحرم لبنان نعمة الحياة والإنفراج، ويطيح به من اجل وزير بالزايد هنا ووزير بالناقص هناك. والأسوأ من ذلك، أنّه لا يصدّق أنّه صار يتيم القادة الحكماء الذين يعطون للوطن وشعبه، وصار مبتلياً بمن يأخذ من الوطن ويبتزّه، في سبيل تعزيز رصيده وتحصين زعامته!

على هذه الصّورة المقيتة، يثبتُ المشهد الداخلي، وليس في أفقه ما يبشّر بتحرّكه خارج هذا الإنسداد، ذلك أنّ كل ما يحيط بملف تأليف الحكومة يؤكّد انّ الافتراق العميق بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري يُطفئ كل أنوار الحلول، ويشكّل المانع الأساس لوجود أو نجاح أية قوة دفع محلية او خارجية لتحريكه، وينذر في الوقت نفسه بفتح المزيد من التوترات، وخصوصاً، الوقائع المتسارعة بين اطراف الصدام السياسي والحكومي، باتت تعزز المخاوف من بروز تطوّرات تتجاوز البُعد السياسي والشخصي للأزمة الى البُعد الطائفي، وسط محاولات واضحة من هذه الاطراف للتظّلل بالطائفة ومحاولة الاحتماء تحت خيمتها. وهو ما يطرح السؤال: الى اين من هنا؟ وماذا يُراد من خلف هذا التوجّه؟

لا كلام!

وإذا كانت الساعات الماضية قد شهدت حركة متواضعة قام بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في اتجاه بكركي، لعلّها تكسر الحواجز الفاصلة بين «شركاء التعطيل»، وتحرّك المياه الراكدة على حلبة التأليف، إلّا أنّها تبقى حركة بلا أي بركة، طالما أنّها لم تُرفَد باستعداد رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف للتجاوب مع أي مسعى، بل هي حركة تبقى محكومة بالفشل المسبق والحتمي، في ظلّ القطيعة القائمة بين عون والحريري وقرارهما بقطع لغة الكلام والحوار المباشر بينهما. وهنا ينبري السؤال: كيف يمكن لحل أو لمخرج أن يتبلور مع قيادات ثبت أنّها عاجزة عن إنتاج حلول؟ وكيف يمكن لحل ان يتبلور طالما أنّ أحداً لا يتكلّم مع أحد، وطالما أنّ أحداً يرفض التنازل ولو بحدود دنيا، عن شروط ومطالب يعتبرها مُنزَلة ومقدّسة؟ وكيف يمكن لحل او مخرج أن يتبلور اذا كان الحوار يتمّ بلغة الذم والشتيمة على المنابر والشاشات وعبر «محلّلين» يدورون في فلك هذا الرئيس أو ذاك؟

محاولة للحلحلة؟!

وبحسب معلومات لـ»الجمهورية» من مصادر موثوقة، فإنّ حركة الاتصالات الداخلية الخجولة، والتي تولّى بعضاً منها اللواء عباس ابراهيم، تتواكب مع اجواء تشيّعها بعض المستويات السياسية، عن جهود وصفتها بالجدّية، تجري لبلورة حلحلة قريبة. من دون ان تغوص فيها او تحدّد الاطراف التي تقوم بها، لكنها تأمل في ان يتصاعد الدخان الابيض في الملف الحكومي في وقت قريب.

إنكفاء خارجي!

ولعلّ اللافت للانتباه في هذا السياق، هو ما كشفته المصادر الموثوقة عن تحرّك بعيد عن الاضواء في اتجاه الخارج، سعت من خلاله جهات سياسية رفيعة المستوى الى جذب الفرنسيين وغيرهم الى تحرّك ضاغط في اتجاه لبنان، لكسر حالة الإنسداد في الأفق الحكومي. الّا أنّ هذه الحركة، والكلام للمصادر الموثوقة، لم تحقق الغاية المرجوة منها، ليس لأنّ الخارج المعني بمبادرات الحلول في لبنان يرفض الاستجابة لجهود الحل، بل لأنّ ثمة قراراً لدى بعض القادة في لبنان بقطع كلّ الطرق المؤدية الى الحلول، وإحباط المبادرة الفرنسية.

وكشفت المصادر الموثوقة، عيّنة مما تبلّغته الجهات السياسية الرفيعة المستوى من ديبلوماسيين في العاصمة الفرنسية، وفي لبنان، كما يلي:

اولاً، ليس صحيحاً على الإطلاق ما يُقال عن انّ تعطيل تأليف الحكومة في لبنان، هو جراء عامل خارجي. وكل القيادات في لبنان على علم يقيني بذلك، وخصوصاً انّهم تلقّوا على مدى الاشهر الماضية تأكيدات من الاميركيين والفرنسيين وكل دول الاتحاد الاوروبي، بأنّ المجتمع الدولي يؤكّد على استقرار لبنان، ويشجع اللبنانيين على تشكيل حكومة تحفظ هذا الاستقرار وتباشر في عملية الإصلاح والإنقاذ. وبالتالي، ذريعة العامل الخارجي المعطّل مختلقة لبنانياً ولا وجود لها.

ثانياً، انّ مقاربة القادة السياسيين المعنيّين بملف تأليف الحكومة في لبنان، تبعث على الريبة، وخصوصاً انّها تتحدّى إرادة المجتمع الدولي الذي يرغب في أن يرى حكومة تُشكّل سريعاً في لبنان، لحاجته الماسة اليها، وخصوصاً مع اقتراب ازمته الاقتصادية والمالية من أن تصبح ميؤوساً منها.

ثالثاً، لقد سبق لباريس، أن أعدّت من موقع علاقاتها التاريخية مع لبنان، مبادرة تجاهه منذ شهر آب الماضي، لكن القادة اللبنانيين احبطوها. والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون راهن على ايجابيات لبنانية ترافق مبادرته الاخيرة تجاه لبنان (الشهر الماضي)، لكنّه أصيب بخيبة أمل من وعود فاقدة للصدقية تلقّاها من بعض القادة في لبنان. وتبعاً لذلك، فإنّه ليس في الأجندة الفرنسيّة حالياً ما يمكن أن يقدّم في اتجاه لبنان خارج سياق ما تقدّم في السابق. فالمبادرة الفرنسية ما زالت قائمة، وعلى القادة في لبنان ان يلتزموا بها إن كانوا صادقين تجاه بلدهم.

تلفت المصادر الموثوقة في هذا السياق، الى ما تبلّغته من مستويات ديبلوماسية في العاصمة الفرنسية ، وفيه انّ حال شبه الانكفاء لباريس عن لبنان في هذه المرحلة، مردّه الى استياء بالغ من الواقع الاشتباكي القائم بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، والذي أحبط المسعى الاخير الذي قرّره الرئيس ماكرون اواخر الشهر الماضي للتعجيل في تشكيل حكومة في لبنان. وبالتالي، فإنّ الدور الفرنسي في هذه المرحلة لا يعدو اكثر من إسداء النصح للأطراف اللبنانيين بالتجاوب مع جهود الحل، وهو ما تتولاه السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، وآخرها مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل قبل يومين.

رابعاً، إنّ أخطر ما يرد من الخارج، هو التوصيفات البالغة الخطورة للوضع في لبنان، التي ينبّه اليها كبار مسؤولي المؤسسات المالية الدولية. وفيها «تنديد» بلامبالاة المسؤولين في لبنان للمخاطر، حيث نُقل عن مسؤول كبير في البنك الدولي قوله، لقد سبق لوفد ان زار لبنان قبل فترة قصيرة جداً من انفجار الأزمة الاقتصادية وابلغ مسؤولين سياسيين، وقادة في القطاعات المالية والاقتصادية بأنّ لبنان على شفير السقوط، والمطلوب ان تعجّلوا لتعالجوا، لأنكم ان استمررتم على هذا النحو، فستصلون الى وقت ستأتون الينا راكعين وزاحفين لنساعدكم، وساعتئذ قد لا تحصلون على ما تريدونه. ومع الأسف تمّ تجاهل تحذيراتنا ووقع لبنان في المحظور.

اضاف: «واليوم، نجدّد القول بأنّ التعجيل في تشكيل حكومة امر في غاية الإلحاح، تتخذ إجراءات فوريّة في ترشيد إنفاق الدولة، وتضع خطة اقتصادية موضوعية وواقعية للتفاوض على اساسها مع صندوق النقد الدولي. فلبنان من دون مساعدة صندوق النقد لا يمكن له ان يستمر. وطبعاً هذا يفترض بالدرجة الاولى تشكيل حكومة تباشر بالإصلاحات وبإجراءات لوقف الهدر، وتقوم ببناء مظلة حماية اجتماعية شديدة الإلحاح للطبقة الأشد فقراً من اللبنانيين، وبحسب الإحصاءات، فإنّ هذه الطبقة باتت تشكّل غالبية الشعب اللبناني».

لسنا في الحضيض

وفي سياق متصل، أبلغ مصدر مالي رسمي مسؤول الى «الجمهورية» قوله: «اذا ما استمر الحال على ما هو عليه فلن يكون هناك سقف للانهيار، كما لن يكون هناك سقف لارتفاع الدولار الذي قد يبلغ ارقاماً لا اقول فلكية، لا بل ارقام خيالية. وها هو بالامس قد بدأ يطرق باب الـ10 الاف ليرة».

وأضاف: «حتى الآن ورغم كل ما هو حاصل لم نبلغ بعد الحضيض، والشرط الاساس لعدم ارتطامنا بالارض هو تشكيل حكومة، فكل يوم يمضي من دون تشكيل الحكومة تصبح امكانيات العلاج اضعف واصعب واكثر تعقيداً».

وانتقد المصدر المسؤول حكومة تصريف الاعمال ووصفها بمجموعة من الفاشلين، تخلّت عن مسؤولياتها بالكامل ولا همّ لها سوى ان تطلب المال من مصرف لبنان، من دون ان تدرك الوضع الحرج الذي بلغه الاحتياط الالزامي والاستراتيجي فيه.

ورداً على سؤال قال: «اذا ما تشكّلت حكومة، فبالتأكيد فإنّ الامور تنحى في اتجاه افضل، ولكن في حال استمر الحال على ما هو عليه، وفي حال استمر الدعم بالشكل الذي هو عليه ايضاً، فبالتأكيد سنصل الى مرحلة نسقط فيها نهائياً».

وأخطر ما قاله المصدر المسؤول، انّ الاحتياط الموجود من العملات الاجنبية في مصرف لبنان في دائرة الخطر الشديد، وانّ ذوبانه كما هو حاصل في عملية الدعم الجارية حالياً، لن يفصل بيننا وبين السقوط النهائي في الحضيض اشهرًا كما يُقال، بل فقط اسابيع قليلة جداً لا أكثر.

تقرير سوداوي

الى ذلك، اعدّ خبراء اقتصاديون تقريراً حول الوضع في لبنان، وُصف بالسوداوي، تضمن مقاربة مخيفة لمستقبل الوضع:

– لا بدّ من ترشيد عملية الدعم، لأنّ عدم ذلك سيؤدي الى الإطاحة باحتياط المصرف المركزي.

– انّ أقصى الطموح في هذه الفترة، هو التفتيش عن سبل تؤمّن للمواطن اللبناني ما بين 60 الى 70 دولاراً في الشهر، وحتى الآن لا يوجد سبيل لذلك.

– انّ عدم وجود حكومة، وعدم وجود اي توافق، معناهما انّ البلد سيذهب الى فوضى رهيبة، «الناس ستهجم على بعضها البعض». فمن دون حكومة جديدة، فلا سقف للدولار، كما لا سقف للغلاء، والأسوأ، هو انّ الانهيار سيكون بلا قعر، ومعنى ذلك انّ لبنان يصبح في «سابع جهنّم».. وهذا بالتأكيد فوق طاقة المواطن اللبناني على تحمّله.

– ثمة خطر كبير واقعي بأن يصبح كل الموظفين في الشارع والدولة غير قادرة على تأمين رواتبهم. والامر هنا ليس محصوراً بالموظفين الاداريين بل بالموظفين الآخرين في القطاعات الامنية والعسكرية. ان حصل هذا الامر لا سمح الله، فمعنى ذلك انّ لبنان اصبح في الحضيض، لا تنفع معه لا مؤتمرات ترقيعية، ولا حتى مؤتمرات تأسيسية، لانّه لن يبقى شيء، وستسود شريعة الغاب.. فهل يدرك ذلك معطّلو تأليف الحكومة؟

بكركي

الى ذلك، يُنتظر ان تشكّل بكركي اليوم، مقصداً لتحرّك شعبي، دعماً لمواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ولمطالبته التي اطلقها الى الحياد وعقد مؤتمر دولي لدعم لبنان.

وفيما تنادت جهات سياسية واخرى من المجتمع المدني، لتلبية الدعوة الى المشاركة في هذا الحشد، رُسمت علامات استفهام حول موقف «التيار الوطني الحر» من هذا الحشد، وثمة من ادرجه في خانة المعترض على هذا الامر.

وفي السياق، قالت مصادر كنسية لـ»الجمهورية»: انّ التأييد الشعبي الذي يجري التعبير عنه، ليس موجّهاً ضدّ أحد، انما هو تأييد لمواقف البطريرك.

ولفتت المصادر، الى انّ البطريرك الراعي، عندما يطلب الدعم الخارجي، هو لا يطلب هذا الدعم ضدّ أحد في الداخل، وانما هو يطلبه من أجل كل لبنان، لأنّ الثقة بالداخل اصبحت ضعيفة، واسباب الخلافات اصبحت كبيرة جداً، وبعد الفراغات المتكرّرة والعجز الشامل الذي يدفع البلد واللبنانيون أثماناً غالية نتيجتهما، كان لا بدّ للبطريرك الراعي ان يكون لديه مسار وطني وسياسي على مستوى المخاطر الكبرى التي تهدّد الكيان.

وقالت المصادر: «انّ لبنان، لطالما كان محايداً، وكل خطابات القسم لرؤساء الجمهورية، وكل البيانات الوزارية للحكومات، كانت تشدّد دائماً على عدم الانحياز، ونحن لا نخترع شيئاً جديداً، انما نريد ان نردّ لبنان الى لبنان، والى هويته الاساسية».

اما بالنسبة الى المؤتمر الدولي، فتقول المصادر، انّه لا بدّ من تشخيص المرض السياسي حتى نعمل على ايجاد العلاجات له، ولو كانت هناك امكانية لكي يُعقد مؤتمر وطني في لبنان لوقف الانهيار وإنقاذ لبنان، لما كان البطريرك فكّر بموضوع المؤتمر الدولي، ولكن نحن اليوم بحاجة ماسّة لمساعدة اصدقاء لبنان، كون لبنان عضواً مؤسساً في الامم المتحدة وجامعة الدول العربية.

وحول موقف التيار، استغربت المصادر تصوير الامر وكأنّ هناك مشكلة بين بكركي و»التيار الوطني الحر»، معتبرة انّهم ( اي التيار) ينبغي ان يكونوا اول من يؤيّد تحرّك البطريرك ومواقفه. ثم متى كانوا بعيدين عن توجّهات بكركي وتطلعاتها. هل هم ضدّ حياد لبنان، وهل هم ضدّ إنقاذ لبنان، نحن نتفهم تحالفاتهم ولكن ليس على حساب سلامة لبنان.

الراعي

الى ذلك، نُقل عن البطريرك الراعي امس قوله، في معرض تأكيد دعوته الى الحياد والمؤتمر الدولي: «إنّ كل الحلول والمساعي المحلية استنفدت دون أن تؤدي إلى النتيجة المرجوة منها، والأزمة اللبنانية بلغت من التعقيد ما باتت معه الأطراف المعنية نفسها غير مهيأة للتلاقي والحوار لابتكار الحلول. لذلك كان لا بدّ من التوجّه إلى المجتمع الدولي، وهذا أمر مشروع، فلبنان عضو مؤسس في الأمم المتحدة».

وسأل الراعي «إذا كان يُراد لبلدنا أن يلعب دور ملتقى الحضارات والحوار، فكيف له أن يقوم بذلك إذا لم يكن محايداً بل منحازاً لفريق ضدّ آخر».

وقد نقل النائب فريد الخازن عن البطريرك الراعي تأييده لـ»ثلاثيّة ذهبيّة لن يتراجع عنها، وهي الطائف، الدستور والميثاق الوطني»، وذكّر بأنّ «البطريرك يعتبر انّ لبنان لم يخرج تاريخياً من الأزمات الّا بمساعدة ومؤازرة دولية في اكثر من مرحلة».

وقال إنّ «الحضور في بكركي ( اليوم) سيكون شعبياً بإمتياز وليس سياسياً، تعبيراً عن الثقة الشعبيّة الواسعة، من مختلف الطوائف، بشخص البطريرك. فصرح بكركي مفتوح للجميع وهو سيبقى الملجأ الآمن للبنانيين».

الى ذلك، وفي الوقت الذي لم يُكشف فيه بعد عن كلمة الجموع ومن سيلقيها، تكتمت مصادر الصرح البطريركي على مضمون كلمة البطريرك الراعي التي سيلقيها في لقاء ما بعد ظهر اليوم. وقالت مصادر مطلعة بأنّ البطريرك الراعي قد لا يجاري حجم الغضب الشعبي الذي سيعبّر عنه الحشد في بكركي اليوم الى النهاية التي يريد ان يسمعها كثر. وخصوصاً انّ هذا الغضب كان نتيجة متوقعة للرفض العارم لبعض المواقف التي تجمعت في الايام القليلة الماضية. فبعد المواقف التي اطلقها قادة في «التيار الوطني الحر»، ولا سيما ما نُقل عن وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية السابق بيار رفول، زادت من اجواء الرفض على الساحة المسيحية. وهو الذي اعتبر انّ لبنان جزء لا يتجزأ من محور المقاومة، وان معادلة الجيش والشعب والمقاومة ما زالت عنواناً للنضال.

وهي مواقف استفزت كثراً، بالرغم من توضيح رفول لما قاله، معتبراً انّها كانت مواقف خاصة يتحمّل مسؤوليتها شخصياً، وهي لا تتصل بتوجّهات التيار العامة، وخصوصاً انّها اعقبت ما جاء على لسان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي استشهد بمواقف للرئيس السوري بشار الاسد حول حمايته للمسيحيين ودورهم في لبنان. وما بينهما كان موقف الامين العام لـ»حزب الله»، حسن نصرالله، الذي فُسّر بأنّه كان رداً على مواقف الراعي، رغم انّ تركيزه كان على رفض الوصول الى الدعوة الى الفصل السابع.

الروس على الخط

في سياق متصل، برز امس الحضور الروسي اللافت على الخط الداخلي، عبر زيارة قام بها السفير الروسي في لبنان الكسندر روداكوف، الى «بيت الوسط»، حيث التقى الرئيس المكلّف سعد الحريري. وفي بيان مقتضب حول اللقاء، انّ البحث تناول مجمل الأوضاع العامة والعقبات التي تعترض تشكيل الحكومة الجديدة.

في الوقت نفسه، اجرى مساعد وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف امس اتصالاً هاتفياً برئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية. وفي بيان للخارجية الروسية، انّ «التطورات السياسية على الساحة اللبنانية كانت مدار بحث خلال الاتصال».، كما تمّ البحث في كيفية معالجة الازمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، مع التشديد على ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة مهمّة إنقاذية جديدة برئاسة سعد الحريري. واكّد الجانب الروسي على موقف موسكو الثابت والداعم لاستقلال لبنان وسيادته ووحدة اراضيه، وكذلك تمّ بحث إمكانية مساعدة روسيا الاتحادية للبنان في محاربة انتشار وباء كورونا.

تحرّك لجمعية المودعين

نفّذت جمعية المودعين تحرّكاً مركزياً في رياض الصلح أمام السرايا الحكومية، تحت عنوان: «لن ندفع الثمن… أموالنا عند المصارف وبدنا نسترجعها»، بمشاركة مجموعات ناشطة في قضية استرداد حقوق المودعين من المصارف، وانطلق التحرك بمسيرة من ساحة رياض الصلح باتجاه مصرف لبنان، وسط إجراءات أمنية مشدّدة.

وتحدث بيار فرنسيس بإسم المودعين، فاعتبر أنّ «مسؤولية القضاء في ملف المودعين أساسية وحاسمة»، وقال: «لن نتوقف الّا عندما تتوقف المجزرة المالية التي تُرتكب بحق لبنان وشعبه، ولا خلاص إلّا بإعتماد الشمولية في الحل، عبر وضع خطة واضحة وباعتماد سياسة الأبواب المفتوحة من قِبل كل الدوائر والوزارات، وباعتماد مبدأ الشفافية تفعيلاً للمراقبة وتمهيداً لمحاسبة كل المرتكبين».

أضاف: «ها نحن اليوم نرفع الصوت ونؤكّد أننا نملك أرجلا عنكبوتية تمكننا من التمّسك بسقوف حقوقنا، مهما طالت الأزمة، فنحن أصحاب حق، وحقوقنا المسلوبة سنستردها من اللصوص مهما كان الثمن».

Leave A Reply