«كورونا»: أجهزة التنفس انقطعت والفحوصات الايجابية بين الأعلى عالمياً

مستشفيات تصارع… وأخرى تبتزّ      –     راجانا حمية – الأخبار

هي المرة الأولى منذ انتشار فيروس كورونا في البلاد التي يصل فيها عداد الوفيات إلى هذا المستوى من «التصعيد». طوال الفترة السابقة التي كانت تشهد ارتفاعاً واضحاً في أعداد المصابين بالفيروس، لم تكن الوفيات تخرج عن نطاق «العشرين». أمس، خرج هذا العداد هو الآخر عن السيطرة، مع تسجيل 32 ضحية في فترة لا تتعدى الأربع والعشرين ساعة.

هذا الخروج عن الحدود المسموح بها طال أيضاً حالات الاستشفاء التي تسجّل هي الأخرى أرقاماً جديدة لم تكن في حسبان القطاع الصحي، الواقف على شفير الهاوية. وفي هذا الإطار، سجل تقرير وزارة الصحة، أمس، 1597 حالة استشفاء من بينها 618 حالة في العناية المركزة و176 حالة مع تنفس اصطناعي.

مؤشران يرفعان منسوب الخطر، اليوم، ويزيدان اليقين بسير السيناريو اللبناني نحو الأسوأ. ومن المؤشرات الإضافية أيضاً التفشي المجتمعي الواسع، إذ سجلت أمس 4557 إصابة، رفعت العدد الإجمالي إلى 82 ألفاً و89 حالة «نشطة»، ونسبة إيجابية الفحوص التي «انتعشت» هي الأخرى. فبعد فترة من الاستقرار عند نسبة 14%، استرجعت نسبة الفحوص الإيجابية (النسبة لكل مئة فحص) زخمها مع تسجيلها 16,7%، وهي نسبة عالية الخطورة، وبين الأعلى في العالم.

سجلت الحالات التي تتطلب استشفاء أرقاماً لم تكن في حسبان القطاع الصحي

وليس بعيداً عن واقع الأرقام المتشائمة، لا تبدو الأخبار عن القطاع الصحي أفضل حالاً مع وصول معظم المستشفيات التي التزمت بعلاج مرضى كورونا إلى قدرتها الاستيعابية القصوى. وما يثير الخوف أكثر هو استنفاد بعض المستلزمات الطبية أيضاً، في ظل ازدياد إصابات «كورونا» وشح تلك المستلزمات بسبب التأخر في بتّ ملفات الاستيراد في مصرف لبنان. وفي هذا السياق، أعلنت رئيسة تجمع نقابة مستوردي المعدات والأدوات الطبية، سلمى عاصي، أمس، «انقطاع» أجهزة التنفس في السوق بسبب الإقبال الكثيف على شرائها، وهو ما يُحدث أثراً سلبياً «على مرضى كورونا الذين من الممكن أن يبقوا من دون أجهزة بسبب ذلك». وإذ أكدت عاصي أن «نحو 500 ماكينة أوكسيجين ستصل إلى لبنان نهاية الأسبوع الحالي»، تمنّت «على الجهات المعنية الإسراع في تخليص المعاملات في المطار والمرفأ». وكرّرت التحذير من «وجود بعض الأجهزة المصنّعة للأوكسيجين غير الصالحة للاستخدام».

وعلى خط اللقاح، استغرب رئيس «اللقاء الأكاديمي الصحي»، الدكتور إسماعيل سكرية، اعتماد الحكومة مصدراً واحداً لتأمين اللقاح، انطلاقاً من أن هذا الأمر «أتاح للمصنعين التحكم في الشروط كافة (…) ما يضع اللبنانيين أمام مجزرة كورونية». وطالب «بفتح باب استيراد اللقاحات أمام مؤسسات خاصة، وبالتعاون مع وزارة الصحة ولجنتها العلمية، لإنقاذ ما أمكن من الأرواح التي لا ذنب لها إلا أنها محكومة بدولة فاشلة، كما الكشف عن تفاصيل مقامرة اللقاح المتعثرة».

مستشفيات تصارع… وأخرى تبتزّ

في «المعركة الكبرى» مع «كورونا»، مستشفيات لا توفّر فسحة فارغة في المواجهة، وأخرى لا تزال تمارس الابتزاز، محوّلة التهديد الوبائي الى «فرصة» لتحصيل متأخرات مستحقاتها على الدولة

الحركة لا تهدأ داخل موقف مستشفى السان جورج في منطقة الحدث. بين غرفة إجراء فحوص الـPCR التي استحدثت أخيراً في الباحة الخارجية للمستشفى، وغرفة نتائج تلك الفحوص، يتوزع المئات. يذرعون الفسحة، التي استحالت «ميني مستشفى»، ذهاباً وإياباً في انتظار دورٍ لهم في طابورٍ لا ينتهي. منذ خُصّص المستشفى لمرضى فيروس «كورونا»، لم تعد الباحة تفرغ من الناس. هؤلاء ليسوا زوّاراً يعودون مرضى، بل مصابون بالفيروس أو يعانون من عوارضه. لا وقت للذروة هنا. كل الأوقات باتت ذروة، خصوصاً في الفترة الأخيرة. «الجنون بدأ تقريباً منتصف الشهر الماضي ولا يزال مستمراً إلى الآن»، يقول مدير المستشفى الدكتور حسن عليق. يقدّر أعداد من يحضرون يومياً إلى المستشفى لإجراء فحوص الـPCR بنحو «800 شخص، وفي بعض الأحيان أكثر». أما «المقيمون» في غرف الاستشفاء والعناية الفائقة، فلم تعد الأسرّة الثمانون كافية لاستيعابهم، ما اضطر الإدارة الى توزيع المرضى على غرف الطوارئ التي يقبع فيها اليوم 8 مرضى، ويتجاوزون أحياناً الـ13، وبعضهم ممن يحتاجون الى عناية فائقة. وإلى هؤلاء، هناك يومياً نحو 30 مريضاً يدخلون ويخرجون إلى قسم الطوارئ. الزيادة الهائلة في الأعداد دفعت الإدارة أخيراً الى تحويل الكافيتريا إلى غرفة «تتسع لثمانية أسرّة لمرضى كورونا»، إذ «ننوي استثمار كل زاوية فارغة لاستيعاب الأعداد المتزايدة».

التغييرات طالت أيضاً عمل الطواقم الطبية والتمريضية؛ فُرز هؤلاء بين طواقم المستشفى وطواقم «الباحة». يدرك هؤلاء استثنائية المعركة التي يخوضونها في مواجهة الفيروس، إلا أن الخوف هو ما سيحمله استمرارها «خصوصاً أن الفرق الطبية استنزفت»، تقول إحدى العاملات في القسم المستحدث لفحوص الـPCR.

حوّل مستشفى سان جورج موقف السيارات والكافيتيريا الى «غرف» لمرضى «كورونا»

قرارات إدارة المستشفى تسير بوتيرة متسارعة، إلا أن الأعداد الهائلة للمصابين تسبق هذه القرارات بأشواط. لذلك، «الوضع كئيب وسيّئ». يكفي أن تتفرج في الباحة وعند مدخل باب الطوارئ على المرضى الذين يحتاجون الى أسرّة، فيما «نحن عاجزون».

ليس العجز حكراً على مستشفى السان جورج. كل المستشفيات التي أفرغت أسرّتها لمرضى «كورونا» تعاني الشعور نفسه. شعور ألا تجد الإدارة سريراً فارغاً أو قارورة أوكسيجين لإنقاذ حياة مريض. اليوم، في ظل الانفلاش المتسارع للفيروس، أصبح هذا الشعور عاماً. وصارت هذه المشاهد يومية في المستشفيات التي اتخذت على عاتقها مواجهة الفيروس، من مستشفى بيروت الحكومي إلى السان جورج إلى «النبطية الحكومي» إلى غيرها. وفي المقابل، ثمة مستشفيات قرّرت، عن سابق تصور وتصميم، عدم المشاركة في هذه المعركة، ما جعلها غير متكافئة. هناك، من جهة، مستشفيات استنزفت بسبب التهافت الكبير من المرضى في مقابل نقص المستلزمات الطبية والمعدات وإرهاق العاملين فيها، ومن جهة أخرى مستشفيات لطالما أكلت «البيضة والتقشيرة» من السقوف المالية، وتربط مشاركتها في المواجهة بتحصيل ما تسمّيه مستحقاتها.

اليوم، استحالت كل الفسحات في المستشفيات التي تعالج مرضى «كورونا» غرفاً مؤقتة، قد تصبح مع استمرار تدفق المصابين دائمة، ومع توقع بلوغ أعداد المصابين ذروات جديدة، ستبدأ في اليومين المقبلين مع تكشّف تداعيات «حفلات رأس السنة»، ومن بعدها تداعيات «حفلات التموين» التي شهدها اليومان الماضيان.

Leave A Reply