وحيدةٌ في النفق*

مهدي زلزلي

 

تدخل سيارتي النفق، فتزيد ظلمته من حدة كآبتي. تطغى الكآبة على كل ما عداها، حتى مصابيح النفق مطفأة، لعل ثمة من قرر إعفائي من قراءة العبارات البذيئة التي تغطي جدرانه، ولم يعفني من سماعها زوجي الذي تذكر بعد سنوات من الهناءة أنني لا أليق به وأنني أستحق الضرب! وتشتد الكآبة على وقع “ما تخبئه الأبراج” ولن تخبئ إلا السوء ما دامت مقترنة بهذا الصوت الناشز لمذيعة مغناج، ويرن الهاتف ولا أشعر بالرغبة في الإجابة على موظف المحكمة الذي تابع إجراءات طلاقي فظن أنه بكلماته المتلعثمة قادر على اقتناص طريدة جديدة، كلامه الغزلي أكثر رداءة وسخافة من تغزل ملكات الجمال بالسلام العالمي، وسعيه خائب كسعيهن إلى تحقيقه! وتتقلص أعصاب معدتي، أفكر في كون الخيانة جريمة إلا إذا كانت للوطن فهي رأي آخر ووجهة نظر. ويفاجئني صديق زوجي وزوج صديقتي في المطبخ متخففاً من معظم ثيابه ليسألني عما إذا كان أكثر رشاقة من صديقه، وحين أجرح أصابعي يظن مني افتتاناً به كزليخة وصاحباتها فيحضرة يوسف (ع)، وأحتقره وتحتقرني صديقتي، ولا تعود تستطيع إخفاء كرهها لي ولم أفعل شيئاً!

وتصطدم مطالب الناس المعيشية الملحة بجدار المصالح السياسية، والتحالفات الانتخابية، والتباينات الطائفية، لتسقط بالتصويت فيما الساسة يتحدثون عن “العيش المشترك” الذي رفع أخيرا وبعد خدمة طويلة إلى مرتبة “العيش الواحد”، وولدي الذي بلغ سن الرشد حديثاً يخجل بأمه المطلقة، ويحاذر استضافة رفاقه في المنزل أثناء وجودي، وأشعر بالدوار، ويهينني رب العمل فقط لكوني أول من صادفه بعد نقاش مرير مع زوجته، ويطردني بعد أن تجرأت ورفضت إهانته، ويتحلق الناس حول الشاشات لمتابعة “ستار أكاديمي” و”باب الحارة”، ويكرر المحسن الكبير أمامي عزمه على إيصال المساعدات إلى منزلي تحسسا بوضعي المادي الصعب ولا تصل، ولن تصل أبداً ما دمت لم أجبه إلى طلبه، وطلبه ليس إلا نزوة لا ينفيها تأكيده المستمر أنه “في مقام والدي”، وأشعر برغبة حارقة في البكاء ولا أبكي، تليها رغبة جارفة في الانتحار…

ولن أنتحر…

مؤمنة أنا…

أن ثمة ضوءا سيلوح في نهاية النفق…

*من مجموعة “وجه رجل وحيد” القصصية-للقاص اللبناني مهدي زلزلي

Leave A Reply