ضريبة ولكن…!

من نافلة القول إنّ أي دولة لا تقوم من موارد ذاتية. والضريبة عادة تُشكّل حجر الزاوية في مالية الدولة العامة، وهي مصدر دخل وازن لا يمكن إغفاله. وفي عدد من دول الغرب، إن لم يكن معظمها، تتجاوز الضريبة المباشرة حدود الـ40 في المئة من رواتب الموظفين الرسميِّين وغير الرسميِّين. وهناك نوعان من الضريبة: المباشرة وغير المباشرة، وعادةً ما تتقدّم الواحدة على الأخرى لناحية نسبتها. لكن في لبنان تتبارى الضريبة المباشرة وغير المباشرة على بلوغ النجومية في سباقها إلى جيوب المكلّفين.

ثمة مَن كان يرى في لبنان جنة ضريبية تُشجّع على الاستثمارات، لكنّ شيئاً من ذلك لم يتحقق في أي حقبة من الحقبات، وأنّ الرساميل التي استقطبها هذا النهج المتساهل سرعان ما «هشلت» مع بدايات كل أزمة. وعلى رغم من كل الخراب الذي حلّ بلبنان منذ نشوب الحرب في العام 1975، فإنّ أحداً لم يُقارب موضوع الضريبة التصاعدية، فتساوى ذوو المداخيل المتدنّية مع أصحاب المداخيل والريوع العالية، ما عكس انعدام التوازن بين الفئات الاجتماعية.

والضريبة في بلدان العالم لا تنفصل عن الواقع المالي، الاقتصادي والاجتماعي. فمقابل الضريبة المرتفعة التي يؤدّيها المكلّف الفرنسي، يحصل على سلّة من الضمانات تبدأ بالضمان الصحي الشامل، الضمان الاجتماعي بما فيه ضمان الشيخوخة، ومعاش البطالة لأي فرد انقطع عن العمل نتيجة صرفه منه أو لسبب طارئ. أمّا في لبنان، فإنّ الضرائب تُفرَض بطريقة غير مدروسة لئلّا نقول عشوائية، وهي غير مرتبطة بخطة إجتماعية تتغذى من عائدات هذه الضرائب. لقد زيدت الرسوم على الكهرباء ولم تتحسّن إلّا بمقدار، وتضاعفت رسوم المياه وليس في الحنفيات قطرة ماء واحدة. على أنّ إقرار النظام التقاعدي، والتغطية الصحية الشاملة التي تحتاج لإصلاح جذري، يبدأ بتوحيد الصناديق الضامنة وتقديم الخدمة اللائقة، ولا تُبقي المرضى غير المقتدرين على أبواب المستشفيات.

نقول هذا الكلام لا رفضاً لضريبة، أو رفعاً لرسوم خدمة، بل للإضاءة على ضرورة ربط الضريبة والرسوم في آنٍ ببرنامج اجتماعي، خدماتي، يُطاوِل المكلّف اللبناني الذي يفتقر إلى كل أنواع الحمايات التي ترسخه في أرضه وتُبدِّد مخاوفه، وتدفع به إلى الهجرة. فالحكومة التي تعهّدت بالإصلاح، وتثبيت النهج المؤسساتي في الدولة، مدعوّة إلى وضع تصوّر شامل مع آليّته التنفيذية لبناء دولة المواطن والمواطنة، وأن يكون هذا التصوّر شاملاً لكل القطاعات ويوازي بين البشر والحجر ويُقدّم الأول على الثاني، لأنّ الإنسان اللبناني هو الهدف والأولوية، وما عدا ذلك فمِن باب لزوم ما لا يلزم. ومن هنا، فأي انتقاد للضرائب التي تُفرَض غِبّ الطلب يجب أن ينطلق من الحرص على صَوغ الهوية الاجتماعية – الاقتصادية للبنان، التي لا تزال طَي الغَيب. الدولة الدولة هي التي تكون في خدمة إنسانها، والبقية تفاصيل.

جوزف القصيفي – الجمهورية

Leave A Reply