هل تفتح «المعلومات» مغارة الفساد في التربية؟

في جديد ملف الرشاوى في وزارة التربية، قرار ظنّي أصدره، أخيراً، قاضي التحقيق في بيروت، أسعد بيرم، يتضمن اتهامات لموظفين ومعقّبي معاملات وسماسرة بتلقي مبالغ مالية طائلة تصل إلى 5 آلاف دولار من طلاب عراقيين، مقابل تسريع الإنجاز لمعاملات رسمية وتصديق شهادات وتعديلها، وارتكاب جرم الإثراء غير المشروع. وأحال القاضي بيرم جميع المدعى عليهم إلى القاضي المنفرد الجزائي في بيروت لمحاكمتهم، وهم: أمية ع.، عبد المولى ش. د.، عماد ش. د.، سحر ج.، نادين م.، زينب ن.، ناريمان ح.، عبير و.، خضر ح.، محمد ع.، علي ن.، إيليا ي.، أنيس ن.، سميح ح.، نزيه ش.، محمد د.، وسام ق.، محمد م.، إبراهيم ب.، زهراء ع.، علي هـ.، حسين م.، حسين ز.، وطارق أ.وتتواصل التحقيقات والتوقيفات في الملف، إذ إنّ الفساد المستشري في الوزارة أبعد من تزوير شهادات الطلاب العراقيين، وهي بنيوية تبدأ من مصلحة التعليم الخاص ولا تنتهي بدائرة الامتحانات الرسمية.

فثمة تناقض واضح، مثلاً، بين ما يصرّح به المدير العام للتربية بالتكليف رئيس مصلحة التعليم الخاص، عماد الأشقر، في ما يخصّ أقساط المدارس الخاصة، وبين الإجراءات الفعلية التي تقوم بها المصلحة والوزارة لمحاسبة المدارس المخالفة. فكل تأكيدات الأشقر بأن القوانين تمنع المدارس من زيادة أقساطها وفرض أقساط بـ«الفرش» دولار، لا تغيّر شيئاً في سلوك «الكارتيل» الذي يرهق كاهل الأهالي بأقساط خيالية، لأنّ الوزارة لا تقوى على أكثر من إعفاء مدير مدرسة خاصّة من مهمّاته، فتعيّن المدرسة مديراً آخر، ولأنّ من يكشفون على المدارس موظفون مرتشون يغطّون مخالفات مدارس تعمل بموافقات استثنائية.

هكذا، يحدث التفلّت غير المسبوق بالأقساط نتيجة غياب الرقابة والتفتيش والسماح للمدارس المخالفة بالعمل.

وفي مصلحة التعليم الخاص بالذات موظفة مُدِّد لها بعد تقاعدها، ترتب مع السائق أ. ش. (يكشف على المدارس) والمتعاقد و.غ. طباعة الترخيص، ويُحوّل الملف إلى المدير العام فالوزير من دون أن يمرّ، كما يقتضي، بموظف في الطبقة العاشرة للتدقيق فيه.

وفي الثانويات الرسمية، تغيب الرقابة على توزيع أنصبة الأساتذة في الملاك والتزام مديري الثانويات ودارسي الملفات بها، إضافة إلى الفوضى في تدقيق الموازنات والصرف وغياب الرقابة على الحضور، وذلك كلّه بغض نظر – ومباركة أحياناً – من مديرية التعليم الثانوي.

والحال ليس أفضل في التعليم الابتدائي، حيث تحوّلت المنطقة التربوية من مراقب على المدارس إلى منظّم لتوزيع المغانم في تعليم السوريين بعد الظهر. إذ تعمّ حالة من الفوضى وتسجيل أسماء وهمية وتعيين «المحاسيب»، ناهيك عن الهدر. فعلى سبيل المثال، استحصلت بعض المدارس على عرض لشراء مازوت بأسعار تقلّ بمئة دولار عن السعر الذي تدفعه، إلّا أنّ رئيس المنطقة التربوية في بيروت أصرّ على الاستمرار في التعامل مع المورد الذي يطلب سعراً أعلى. وفي إحدى الحالات، جرى «التصرّف» بمساعدات تضمّنت عبوات مياه بدل توزيعها.

الامتحانات الرسمية تحوّلت أيضاً إلى «مورد رزق» يدرّ على بعض الموظفين تعويضات خيالية بالدولار من الدول المانحة. إذ إنّ هناك سائقين وعمّالاً ومتعاقدين يبصمون ولا يعملون، وبعضهم لا يبصم أساساً، ويتقاضون تعويضات تراوح بين 1500 دولار للسائق و14 ألف دولار لبعض الموظفين، إضافة إلى المستحقّات التي يتقاضونها من الموازنة الرسمية للامتحانات. وتضاف إليها التعويضات التي تتقاضاها لجنة تحديد أوضاع ذوي الصعوبات التربوية والاحتياجات التربوية الخاصّة والنفسية والأمراض المستعصية. إذ إنّ هناك شكوكاً حول تصنيف الطلّاب، وإجراء الامتحانات لهم في مراكز محدّدة ومعروفة.

وفي تعويضات لجنة معادلات ما قبل التعليم الجامعي، يجري تنفيع «المحاسيب» عبر التلاعب بعدد الجلسات، علماً أن اللجنة المؤلفة لمعاونة أمينة السر في تحضير الملفّات هي غير اللجنة التي تعادل الشهادات.

كذلك تُحوّل أموال إلى جهاز الإرشاد والتوجيه، وهو أساساً جهاز غير شرعي يضم 600 أستاذ يفترض أنّ مدارسهم وثانوياتهم تحتاج إليهم، ويجري استبدالهم بمتعاقدين بالساعة يكلّفون الخزينة العامة مرتين، عدا الحوافز التي أصبحت الآن من المال العام. ورغم كل محاولات النفي، فإن دمج النازحين السوريين في الدوام الصباحي بات أمراً واقعاً، وبلا أي رقابة على صرف الأموال كما حدث سابقاً ولا زال يحدث ببرنامج التعليم الشامل.

الرابط بين ما يحدث في مديريات الوزارة هو التنفيع المالي، فهل يتوسّع فرع المعلومات في تحقيقاته لتطال كل المديريات ويلاحق المخالفين بصرف النظر عن انتماءاتهم، ومن منطلق أن هذا الموضوع يهدّد الأمن التربوي والاجتماعي للمواطن اللبناني؟

فاتن الحاج – الأخبار

Leave A Reply