الإثنين, مايو 20
Banner

القمّة الروحيّة دعوة مطروحة للنقاش فهل تنجح؟

الدعوة التي أُطلقت أخيراً لانعقاد قمة روحية إسلامية – مسيحية في القريب العاجل والتي يبدو الطريق إليها محفوفاً بالعقبات، مهمة بارزة ندب نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب نفسه لبلوغها وتحقيقها مع بكركي تحت عنوان أن انعقادها بات “ضرورة وطنية لجبه التحديات”.

ولكن على رغم بلاغة هذه الدعوة فإن أمر انعقادها لا يبدو محسوماً أو متوافقاً عليه لحد الآن مع أن أوساطاً إعلامية على صلة وثقى برئاسة المجلس الشيعي بدت حاسمة ومتفائلة إذ أعربت عن ثقتها بأن انعقاد القمة الروحية لم يعد بعيداً وربما سيكون قبل عيد الميلاد وإلا ففي مطلع السنة الجديدة على أبعد تقدير، لافتة الى أن الأمر كله بات مرهوناً بالقدرة على إنجاز الترتيبات المتعلقة بها.

فكرة القمة الروحية ليست وليدة الساعة إذ إن المعلوم أنها أثيرت في الأوساط الروحية والسياسية قبل نحو سنة وكان من الدعاة الى عقدها شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز الشيخ سامي أبو المنى. وقد قطع لهذه الغاية شوطاً متقدماً في الاتصالات الرامية لتأمين انعقادها لكن الاحتدام السياسي آنذاك حال دون بلوغ هذا الهدف فاعتُبر الأمر في حكم الخيار المؤجل وليس الملغى.

وقبل فترة قصيرة حمل الشيخ الخطيب لواء هذه الدعوة الى بكركي مجدداً وانطلق للتوّ في رحلة لبلوغ هذه الغاية.

وحسب مصادر عليمة ثمة أمران يدفعان بالشيخ الخطيب الى تنكب هذه المهمة. الأول ذاتي مردّه أن الخطيب، بعد أن ورث تلقائياً مهام رئاسة المجلس الشيعي وصلاحياته بعد وفاة رئيسه الشيخ عبد الأمير قبلان، كان عليه أن يثبت حضوره ويظهر قدراته على الإمساك بإدارة المجلس في وسط طائفي- سياسي ليس للمستقلين فيه أو الخارجين عن إرادة الثنائي الشيعي القابض بقوة على زمام الأمور في الطائفة، مساحات تحرك واسعة، خصوصاً أن ثمة تيارات متنازعة داخل المؤسسة على غرار كل المؤسسات الملية اللبنانية. ومنذ توليه صلاحيات رئاسة المجلس بحكم أنظمة وأحكام “استمرارية العمل في المرفق العام” مضى الشيخ الخطيب قدماً في رحلة الإثبات والمواجهة تلك، فكانت له تحركات وجولات ومحطات مشهودة في مناطق الشمال والجبل والبقاع والجنوب حيث أطلق من منابر عدة هناك خطاباً موضوعياً انفتاحياً هادئاً فيه الكثير من مفاصل خطاب الإمام موسى الصدر فكان له أصداء.

وبعدها عكف الخطيب على تشكيل فريق عمل استشاري خاص به ضم نخبة من أساتذة الجامعات والإعلاميين وعلماء الدين وحقوقيين تحت شعار إعادة بعث الروح في جسد المجلس وإظهاره كمؤسسة لكل الطائفة من جهة وأنها مؤسسة جديرة بالتواصل والتحاور مع كل المكوّنات الطائفية والمذهبية في البلاد.

أما المهمة الثانية التي تصدّى لها فكانت أن يحتفظ لنفسه بخط استقلالي دائم لا يبدو فيه متناقضاً مع الثنائي ولا يظهر في المقابل أنه يأتمر بأمرهما وأنه يعمل وفق مشيئتهما. وبناءً على ذلك وبعد جولاته المناطقية تلك أتت زيارته الأخيرة اللافتة لبكركي على رأس وفد من المجلس واجتماعه مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.

لهذه الزيارة في وقتها أهمية استثنائية فهي أتت بعد سجال إعلامي حول “الصينية” التي دعا إليها البطريرك الراعي لتعود أموالها في ذاك الأحد لدعم النازحين من البلدات الحدودية الجنوبية بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليها خصوصاً أن أوساطاً شبابية شيعية اعترضت عليها لأسباب شتى.

وفي كل الأحوال نُقل عن سيد بكركي ارتياحه للزيارة وتقديره لخطوة الزائرين وما حملوه معهم من آراء وتوجهات، فيما كان اهتمام الوفد الضيف مركزاً على أمر أساسي وهو أن فكرة الدعوة الى عقد القمة الروحية التي حملها الشيخ الخطيب معه وجدت مقبولية عند البطريرك الراعي بل وتجاوباً معها. ولاحقاً تحدثت أوساط الوفد عن “تفاهم على كل المواقف الداخلية والخارجية” بين الراعي والخطيب.

وعلى رغم أن أوساطاً مسيحية بيّنت لاحقاً أن ثمة استعجالاً في غير محله لتسويغ فكرة القمة الروحية ما أوحى بعدم رضاها عن عدم تشجعها على المضيّ في هذ الفكرة أكدت أوساط المجلس في مطلع الأسبوع الجاري أن نائب رئيس المجلس مصمّم على المضيّ قدماً في تهيئة المناخات اللازمة لعقد القمة في أسرع وقت.

في هذا الإطار كشفت المصادر أن الشيخ الخطيب يعتزم خلال الأسبوع الحالي زيارة كل من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وشيخ عقل الدروز الشيخ أبو المنى للتشاور في الترتيبات المتعلقة بانعقاد القمة، على أن يستكمل جولة لقاءاته بزيارات موعودة لسائر المرجعيات المسيحية.

واللافت أن المصادر عينها تسهب في الحديث عن ضرورات المضيّ قدماً في إنفاذ مبادرة المجلس الشيعي الرامية الى عقد القمة. وأبرز هذه الضرورات تحصين الوضع الداخلي ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية الظالمة على غزة بشراً وحجراً وتداعياتها وامتداداتها وخصوصاً على الحدود اللبنانية، فضلاً عن معالجة الاستحقاقات اللبنانية الداهمة ومنها ملء الشغور الحاصل في الرئاسة الأولى وسواها من المراكز والمؤسسات الأخرى.

ومن البديهي أن الدعوة الى عقد قمة روحية في المرحلة الحاضرة المثقلة بالتناقضات والحافلة بالانقسامات حيال العديد من الملفات الرئيسية مبادرة بالغة الأهمية، ولكن بالتأكيد ثمة عقبة أو خشية تتملك الكثيرين وخصوصاً المندفعين لرؤية هذه القمة تلتئم، وهي تتمثل في ما إن كان هناك ضمانات من شأنها أن تقي القمة الموعودة شبهة أنها قمة تريدها المرجعية الشيعية الدينية بغية إيجاد غطاء أو إضفاء شرعية على الحرب المضبوطة التي فتحها “حزب الله” على الحدود الجنوبية وهي حرب لها من يرفضها أو يجاهر بمعارضته لها أو يتوجّس منها في الداخل اللبناني حتى وإن كانت تقر بالمظلومية اللاحقة بالشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وتدعو الى نصرته.

 ابراهيم بيرم – النهار

Leave A Reply