تدنّى انتاجه السنويّ دون النصف.. تبغ الجنوب يتحدّى البقاء

حسين سعد –

لم يدنُ إنتاج موسم التبغ للعام الجاري 2023، من عتبة الأربعين بالمئة من سابقه، الذي كان يسلّمه المزارعون إلى إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانيّة (الريجي) في السنوات الثلاثين الماضية، باستثناء العام الماضي، إذ بلغ أدنى مستوياته، بحيث لم يتجاوز مليوناً ومائتي كيلوغرام، من أصل أكثر من خمسة ملايين، كان ينتجها مزارعو الجنوب وحدهم، فيما كان ينتج الشمال والبقاع نحو ثلاثة ملايين كيلوغرام من التبغ والتنباك.

مردّ تراجع زراعة التبغ التي دخلت إلى لبنان، في عهد الأمير فخر الدين المعنيّ الثاني، قبل حوالي خمس مائة عام، يعود إلى ضعف الحوافز، التي باتت تقدّمها في السنوات الأخيرة وزارة الماليّة اللبنانيّة، عبر إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانيّة، التي أنشئت في العام 1935، والارتفاع المتزايد في تكاليف الإنتاج، وبالتالي عدم مواءمة أسعار الاستلام مع هذه الكلفة، التي تعاظمت وبالدولار الأميركي، في حين انخفض سعر الكيلوغرام الواحد من 8 و9 دولارات قبل العام 2019، ليصبح حالياً بعد تحسينه عن السنة الماضية، ستة دولارات للكيلوغرام الوسطي.

زراعة التبغ في قرى الجنوب

كانت هذه الزراعة غير المرويّة، تمتدّ على مساحة ما لا يقل عن خمسين ألف دونم، القسم الأكبر منها في قضاء بنت جبيل، يستفيد منها بشكل مباشر نحو 16 ألف عائلة، وهي تختلف عن الزراعات الأخرى (الحمضيّات، اللوزيّات والخضار)، الخاضعة للعرض والطلب، وبيعها بحسب سعر السوق، لأنّ مزارعي التبغ يبيعون إنتاجهم إلى إدارة حصر التبغ فقط، ووزارة الماليّة هي الطرف الذي يحدّد سعر شراء الكيلوغرام الواحد من المزارعين، وبحسب نوعيّته وتصنيفه إلى ثلاثة أبواب.

كان الانتاج السنوي الذي حافظ على حجمه منذ عقود، حوالي 5.4 ملايين كيلوغرامات، وتتوزّع زراعته في أراضي 192 بلدة وقرية جنوبيّة، في صدارتها عيترون ورميش وعيتا الشعب وعدشيت وميس الجبل وصدّيقين وزبقين وياطر ودبل ومارون الراس والضهيرة ويارين وغيرها.

تسريع تسلّم التبغ

فرضت الاعتداءات الإسرائيليّة على البلدات والقرى الحدوديّة مع فلسطين المحتلّة، تقديم الريجي، موعد تسلّم المحاصيل من المزارعين في الجنوب، وغالبيتهم من القرى المتاخمة للحدود، ما استوجب نقل لجان الاستلام إلى مراكز بعيدة عن جبهة العمليّات، والتكفّل بدفع بدلات النقل لهؤلاء، وسط عدم رضى معظمهم على الأسعار التي منحتها الريجي للمزارعين، كونها لا تتناسب مع المدفوعات من جهة، وتراجع الإنتاج جرّاء العوامل الطبيعيّة، ما يكبّد بعضهم خسائر تفوق المحصول.

فرضت الاعتداءات الإسرائيليّة على البلدات والقرى الحدوديّة مع فلسطين المحتلّة، تقديم الريجي، موعد تسلّم المحاصيل من المزارعين في الجنوب، وغالبيتهم من القرى المتاخمة للحدود، ما استوجب نقل لجان الاستلام إلى مراكز بعيدة عن جبهة العمليّات، والتكفّل بدفع بدلات النقل لهؤلاء

ويشدّد المزارعون، على أنّ استمرار تدنّي الأسعار المعطاة إلى المزارعين، من جانب الريجي، سيؤدّي حتماً إلى هلاك زراعة التبغ في الجنوب، وتحديداً المناطق التي تفتقد إلى وفرة في المياه، وتشريد آلاف العائلات من فرص عملهم، التي يتوارثها الأبناء والأحفاد عن الآباء والأجداد.

إنتاج يعادل الكلفة

يقول مختار بلدة زبقين رائف بزيع، الذي يشتغل في زراعة التبغ لـ”مناطق نت”: “إنّ الأسعار هذا العام، هي أسعار غير عادلة إطلاقاً، وكان يفترض على الريجي ومن خلفها وزارة المال، وضع الأكلاف العالية التي يتحمّلها المزارع بعين الإعتبار”. مؤكّداً أنّ الأسعار للموسم الحالي، “ستدفع الكثير من المزارعين، إلى ترك هذه الزراعة المتوارثة والضاربة في الأرض”. مشدداً على “ضرورة إنقاذ زراعة التبغ، من خلال زيادة أسعار الإنتاج، وعدم ترك المزارعين إلى مصيرهم، والعمل على تشجيعهم وتثبيتهم في أراضيهم، التي تسمّمها إسرائيل بقنابلها الفسفورية”.

ويضيف بزيع: “من الطبيعي انكفاء زراعة التبغ في ظل تدنّي الأسعار، التي لم نكن نتوقّعها، وكنا نأمل في أن تكون سبعة دولارات للكيلوغرام المسلَّم كحدّ أدنى”.

المختار رائف بزيع

ويشرح بزيع أنّ كلفة إنتاج الدونم الواحد المزروع تبغاً، “الذي يجب ألّا يتجاوز سقف تسليم إنتاجه مئة كيلوغرام، فإذا زاد عن ذلك يبيعه إلى مزارع آخر، يكون إنتاج أرضه أقل وفرة، لأنّ عليه تسليم كمّيّة محدّدة لا تقلّ عن المئة كيلوغرام للدونم الواحد”.

ويتابع: “لقد أعددنا دراسة حول كلفة كلّ دونم (البالغ ألف متر مربّع). تقارب هذه الكلفة، السعر الذي يتقاضاه المزارع وهي موزعة على النحو الآتي: ضمان أرض 50 دولاراً، حراثة أرض 60 دولاراً، سماد للتربة وسماد ورقيّ 120 دولاراً، أدوية مبيد حشريّ وفطريّ 30 دولاراً، مياه للرّيّ 40 دولاراً، مصاريف نقل وزراعة 35 دولاراً، قطاف وشك (شكاك) 120 دولاراً، خيطان 6 دولارات، شتول 50 دولاراً وتوضيب 20 دولاراً”..

النقابة: أسعارنا الأفضل في العالم

يشدّد نقيب مزارعي التبغ والتنباك في لبنان حسن فقيه على “أهمّيّة أن تبقى زراعة التبغ وفي الجنوب تحديداً، زراعة بيتيّة عائليّة، يعود مردودها بشكل مباشر إلى أصحاب الرخص”.

ويقول فقيه لـ”مناطق نت”: “إنّ التراجع الحاصل في زراعة التبغ منذ العام 2019 ارتبط بالأزمة الاقتصاديّة الشاملة في لبنان، مضيفاً: “إنّ النقابة وبناءً على مشاورات مع مؤسّسة الريجي، بشخص رئيسها ناصيف سقلاوي، توصّلت إلى السعر الحالي، وهو ستّة دولارات كسعر وسطيّ، بعدما كان في العام الماضي خمسة دولارات ونصف الدولار”، لافتاً إلى أن “الزراعة ما تزال مدعومة من الدولة، وأسعارها من أفضل الأسعار في العالم”.

ويتابع فقيه: “سنبقى نعمل ونسعى إلى عودة الأسعار إلى ما كانت عليه قبل العام 2019، والعمل على تثبيت المزارعين في قراهم”.

عملية تصفيف التبغ وتجفيفه قبل البدء بعمليات التسليم

بيان “مزارعي التبغ في الجنوب”

وأعلن “مزارعو التبغ قي الجنوب”، وهو تجمّع غير منضوٍ في نقابة مزارعي التبغ والتنباك في لبنان، أنّ مفاجأة الريجي غير السارة، كانت احتسابها سعر الكيلوغرام الواحد بين 5 و 6 دولارات. وهذا المبلغ بالكاد يكفي الحراثة والأسمدة والمياه والمحروقات والأدوية التي أصبحت كلّها تسعّر بالدولار الأميركي بعدما ارتفعت بشكل كبير عن السنة الماضية. إنّ العدالة تقتضي أن تدفع الشركة تسعة دولارات على أقلّ تقدير، كما كان سعر الكيلوغرام قبل العام 2019.

أعلن “مزارعو التبغ قي الجنوب”، أنّ مفاجأة الريجي غير السارة، كانت احتسابها سعر الكيلوغرام الواحد بين 5 و 6 دولارات، وهذا المبلغ بالكاد يكفي الحراثة والأسمدة والمياه والمحروقات والأدوية التي أصبحت كلّها تسعّر بالدولار الأميركي.

التسليم جماعات في أماكن آمنة

ويلفت مدير التبغ الورق ومسؤول عمليّات الشراء في الريجي المهندس عبد المولى المولى، إلى “أنّ الريجي عمدت إلى نقل عدد من مراكز التسليم، إلى أماكن أكثر أمناً، نتيجة الاعتداءات الإسرائيليّة، ومنها مراكز عيترون ورميش وميس الجبل”. متوقّعاً “أن يبلغ إنتاج هذه السنة في الجنوب حوالي مليونين ومائتي ألف كيلوغرام، متقدّماً عن الموسم الماضي بمليون كيلوغرام، وفي البقاع 900 ألف كيلوغرام، والشمال مليون و300 ألف كيلوغرام”.

ويعيد المولى تحسّن الإنتاج هذه السنة عن السنة التي سبقتها، “إلى أنّ الريجي بدأت تدفع بدل التبغ بالدولار، بأسعار جّيدة نسبيّاً، وهذا من الأسباب التي جعلت الناس تعود إلى الزراعة مرّة أخرى”.

ويقول في حديث إلى “مناطق نت”: “اعتمدت الريجي هذه السنة، وبالتشارك مع مزارعي التبغ، أسساً لا تلتفت إلى أيّ خسارة ستنتج، منها تسلّم المحصول بموعد أقل بشهر عن السنة الماضية، كما أنها اعتمدت السنة عدم طلب الحضور الشخصيّ للمزارع، وإمكان تمثيل المزارع لأكثر من شخص يتّفقون في ما بينهم لتخفيف الاعباء. وكذلك تحويل الأموال بطريقة سريعة إلى المزارع، لا تتعدّى ثلاثة أيام عبر شركات تحويل الأموال”.

ويشير المولى إلى “أنّ بعض الأصناف الممتازة وصل تسعيرها إلى ستّة دولارات وسبعين سنتاً، وبلغ الحدّ الأدنى خمسة دولارات ونصف الدولار، ويحق بالمقابل للمزارع في أن يستمرّ بالمطالبة بزيادة الأسعار”.

سقلاوي والمولى أثناء جولة لهم على إحدى لجان تسلّم التبغ

الريجي: “التبغ زراعة حيويّة للريف”

بحسب توصيف الريجي: “تحتلّ زراعة التبغ مكانةً حيويّةً في قطاع الاقتصاد الزراعيّ وتسهم في خلق فرص العمل في مجال الزراعة والتصنيع والتجارة. يؤمّن هذا القطاع عشرات آلاف الوظائف، ولكنّه عانى تاريخيًّا من ضعف الاستثمار والدعم. وغالبًا ما ترتبط هذه الوظائف بالمناطق الأكثر فقرًا في لبنان.

إلى جانب تأمين فرص العمل، “فإن زراعة التبغ تقود إلى تصنيع السجائر اللبنانيّة، التي بدورها تدعم الاقتصاد. وتدوم زراعة التبغ على مدار تسعة أشهر من السنة ما يوفّر فرص عمل لعدد كبير من الأفراد، وتساعد في تخفيف البطالة في الأرياف. كما أنّها تُفيد هذه الزراعة القرى بالطرق الآتية: الحدُّ من حركة النزوح من الريف إلى المدينة، وتشجع المزارعين على الاستمرار في نمطهم الحياتيّ، وخلق هويّة الانتماء المحلّيّة والوطنيّة. إلى تمكين الروابط العائليّة نتيجةً لطبيعة هذا العمل الذي يقتضي المشاركة الجماعيّة”.

مناطق نت

Leave A Reply