“الغزّاويّون” في لبنان ومخيّمات الجنوب.. أجسادنا هنا وقلوبنا في غزة

حسين سعد –

أجسادهم في الشتات وقلوبهم في غزة، تلك هي حال الغزاويّين المنتشرين في أصقاع العالم، ومنهم المقيمون في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في جنوب لبنان، الأقرب جغرافيّاً إلى الساحل الفلسطينيّ، لا سيّما في مخيّم الرشيدية، أكبر مخيّمات المنطقة، الذي يقطنه أكثر من عشرين ألف لاجىء، غالبيتهم العظمى من مهجّري العام 1948، إضافة إلى أفراد تعود جذورهم إلى غزّة التي احتلّتها إسرائيل في حرب حزيران العام 1967، وكانت في حينه تحت الحكم المصريّ.

وقد هُجّر عشرات الآلاف منهم بشكل رئيس إلى الأردنّ ومصر، ثم جرى ترحيل الكثير منهم وتحديداً من الأردنّ إلى سوريّا، في أعقاب الأحداث الدامية بين القوّات المسلّحة الأردنّية ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة في أيلول العام 1970، الذي عرف بـ”أيلول الأسود”.

مخيّم الرشيدية، أكبر مخيّمات المنطقة، الذي يقطنه أكثر من عشرين ألف لاجىء، غالبيتهم العظمى من مهجّري العام 1948، إضافة إلى أفراد تعود جذورهم إلى غزّة التي احتلّتها إسرائيل في حرب حزيران العام 1967.

يتابع الفلسطينيّون في الرشيديّة، والغزّاويّون على وجه الخصوص، ما يجري من تطوّرات عسكريّة على أرض غزّة منذ السابع من تشرين الأول، لا سيّما مجريات العمليّة العسكريّة لحركة حماس في غلاف غزّة، وما تلاها بشكل متواصل من أعمال القتل الجماعيّ التي يمارسها العدوّ الإسرائيليّ بحقّ أطفال غزّة ونسائها وشيبها وشبابها.

ولا ينفكّ هؤلاء يبحثون في شبكات التواصل الاجتماعيّ وما تيسّر من إتّصالات هاتفيّة عبر الـ “واتس أبّ”، لمعرفة مصير آبائهم وأشقّائهم وكذلك أولاد أخوتهم وأخواتهم، الذين سلخوا عن أقاربهم بفعل إحتلال العام 1967، حيث وصلتهم أخبار عن استشهاد عدد من أقاربهم المباشرين في غزّة، الذين انضمّوا إلى آلاف الشهداء.

“أبو طعيمة” بين رحلة التهجير والشهادة

في منطقة “عيسان الجديدة” شرق خان يونس، استشهد همّام وعمران أبو طعيمة، ابنا شقيق الدكتور عبدالله أبو طعيمة المقيم في مخيّم اللّاجئين في الرشيديّة، والذي لم يرَ والديه، اللذين رحلا في وقت سابق، وأيضاً لم يرَ أشقاءه الأربعة وشقيقته، وهم رحلوا كذلك عن الدنيا تاركين أبناءً وأحفاداً في غزّة.

يروي أبو طعيمة البالغ 72 عاماً، المتخصّص في “الشريعة” لـ”مناطق نت” إنّه بقي في غزّة التي احتلّت في نكسة حزيران العام 1967 حوالي خمسة أشهر فقط، لينتقل بعدها إلى الأردن ويتابع فيه دراسة المرحلة الثانويّة بين الأعوام 1968 و1970.

الدكتور عبدالله أبو طعيمة

بعد أحداث العام 1970 بين الجيش الأردنيّ والفلسطينيّين، تمّ ترحيل أبو طعيمة إلى سوريّا ليحلّ في “مخيّم اليرموك” وبقي فيه سنة واحدة، ثم انتقل بعدها إلى لبنان، وتحديداً إلى مخيّم البصّ بجوار مدينة صور ولاحقاً إلى الرشيديّة القريب من المدينة.

يقول أبو طعيمة: “بعد سنوات، غادرتُ إلى السعوديّة لدراسة الشريعة، وبقيت فيها 24 عاماً، وحصلت على الدكتوراه. وفي العام 2004 عدت مجدّداً إلى مخيّم الرشيديّة، الذي أعيش فيه إلى جانب أحبّتي، بعيداً عن عائلتي الصغيرة، المؤلّفة من والدي وخمسة أشقّاء، رحلوا جميعهم ولم أرهم منذ أن غادرت غزّة، لكنّني بقيت على تواصل دائم معهم، كما أفعل الآن، أتواصل باستمرار مع ابنة شقيقتي وأولاد شقيقي، وأتابع صفحات “فيسبوك” التابعة لأبناء بلدتي الأمّ “عيسان الجديدة” والتي كان اسمها عيسان الصغيرة، إذ بدّل اسمها الرئيس الراحل ياسر عرفات لتمييزها عن عيسان الكبيرة”.

يضيف أبو طعيمة: “إنّ العدوان الإسرائيليّ أدّى إلى استشهاد العديد من الأقارب ومن “ربعنا” في المنطقة التي دُمّرت بيوتها ومبانيها”.

منازل مهدمة لأقارب الدكتور عبدالله أبو طعيمة في غزّة بعد تعرّضها للقصف

وينقل عن ابنة شقيقته المقيمة في غزّة ما قالته: “كلّ ساعة نتلو الشهادة لأننا ندنو أكثر فأكثر من الموت. في السابق كانوا يوجّهون إنذاراً بأنّهم سيقصفون هذه المنطقة أو تلك، أمّا حاليّاً فلا نعرف على من يأتي الدور”.

ويختم أبو طعيمة: “إنّ أجسادنا في لبنان، لكنّ قلوبنا وعواطفنا في غزّة التي تذود عن كرامة وشرف الأمّة العربيّة كلّها”.

روبية: ذهبت إلى غزّة ولم أجد أمي

عند وقوع عدوان العام 1967، التي احتلّ العدوّ الإسرائيليّ في خلاله غزّة والضفّة الغربيّة، كان عمر عيسى روبية، لا يتخطّى ستّة عشر عاماً، وكان في حينه مسافراً إلى السعوديّة للعمل في مجال البناء، بعدما ودّع والديه وأشقّاءه للمرّة الأخيرة. بقي روبية في السعوديّة حتّى العام 1976، ثمّ سافر إلى مصر ومنها إلى الأردنّ وسوريّا فلبنان، حيث التحق بجمعيّة الهلال الأحمر الفلسطينيّ، التي ما زال يعمل مسعفاً في صفوفها إلى الآن.

عمر أبو روبية

يقول روبية: “عملت في جمعيّة الهلال الأحمر في منطقة العرقوب في جنوب لبنان، التي كانت تنتشر فيها مواقع ومراكز منظّمة التحرير الفلسطينيّة، وكان مركز الجمعيّة في بلدة الكفير (حاصبيّا)، وكنّا ننقل جثامين الشهداء والجرحى، الذي يسقطون بفعل الإعتداءات الاسرائيليّة على قرى العرقوب، كفرشوبا وشبعا وسواهما، إلى مستشفى مرجعيون الحكوميّ وإلى مستشفيات صيدا وبيروت، لا سيّما مستشفى الجامعة الأميركيّة”.

ويتابع عمر روبية: “قبل أكثر من خمس سنوات، تمكّنت من الدخول إلى غزّة وتحديداً إلى خان يونس، لكنّني لم أجد أمّي، إذ رحلت إلى بارئها قبل وصولي بفترة وجيزة. وجدت خان يونس بعد أكثر من خمسين عاماً على مغادرتها بحلّة جميلة ورائعة، واجتمعت هناك مجدّداً بمن تبقّى من أفراد العائلة وأولادهم وأحفادهم، لا سيّما شقيقي رمضان وشقيقتي فوزيّة التي توفّيت بعد نحو سنة من زيارتي”.

ويشير روبية “أبو ربيع” إلى “أنّ أحد أبناء شقيقي طه روبية، الذي ينتمي إلى حركة فتح، قد استشهد في العدوان الأخير والمستمرّ على غزة”. مضيفاً: “إنّ رجاءنا كبير بالعودة إلى بلادنا بفضل دماء شهدائنا”.

كلّنا مشدودون إلى غزة

يؤكّد عضو اللجنة الشعبيّة في الرشيديّة، الناشط ابراهيم أبو الذهب “أنّ أبناء المخيّمات في كلّ الشتات مشدودون إلى ما يحصل في غزّة الحبيبة، من إبادة لشعبها وبيوتها ومؤسّساتها”.

عضو اللجنة الشّعبيّة في مخيم الرشيديّة ابراهيم أبو الدهب

ويضيف: “إنّ أبناء غزّة المتواجدين في مخيّمات لبنان، لم يهدأ لهم بال منذ بداية الحرب على غزّة، مثلنا تماماً، فالأخبار الواردة تفيد يوميّاً عن استشهاد أقارب للغزّاويّين هنا، ومن ضمنهم أقرباء أبناء غزّة المقيمين في مخيّم الرشيديّة منذ ما قبل مطلع السبعينيّات، أيّ منذ احتلال غزّة والضفّة الغربيّة في حزيران العام 1967”.

“مناطق نت”

Leave A Reply