ردّ فريق برّي على المعارضين: ماذا جنوا من معاكسة الحوار؟

لا يفوت شخصية بخبرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن ثمة في المحافل السياسية من بدأ يتصرف من موقع تسجيل انتصار عليه لكونه أحبط مسعاه المعلن لأخذ جميع الأفرقاء المعنيين الى طاولة حوار كان هو من المبكرين في الدعوة إليها. وفي الموازاة لا ينكر أعضاء من الفريق السياسي والإعلامي المرابط في عين التينة أن الرئيس بري يختزن شعوراً بـ”المرارة والخيبة”، ليس بفعل واقعة أن هناك من وجد فرصته لكي يتباهى بأنه هو من بدّد جهود بري وعطّل مبادرته الحوارية التي قدمها الى الرأي العام على نحو مدروس بعناية في مهرجان الإمام الصدر في 31 آب المنصرم.

فعند الرئيس بري، وفق المصدر في فريقه، إن مبادرته طُرحت بالأصل لتبقى وتستمر، لذا فهو يقيم على قدر من الاطمئنان الى أنها ما انفكت حيّة قادرة على التكيّف والتفاعل في انتظار لحظة أخذها الى دائرة التنفيذ في ميقات معيّن حتى وإن فرضت التطورات تأخرها لبعض الوقت. لذا فإن مصدر “الخيبة والمرارة” عنده، هو من مكان آخر أبعد، ينطلق من حسابات مختلفة، إذ لم يكن الرئيس بري حسب المصدر عينه، في وارد ملء الفراغ وتزجية الوقت أو حشر الآخرين، عندما قرر إطلاق مبادرته المحددة آلياتها وزمانها، فهو كان يسعى جدياً الى مخرج يفضي الى طيّ صفحة الشغور الرئاسي المفتوح منذ نحو 11 شهراً واستطراداً تلافي ما يتصل به من مخاطر وتحاشي ما ينتج عنه من احتمالات سلبية.

وبمعنى آخر، يضيف المصدر نفسه، كانت مبادرة بري بمثابة باب الفرج الموصد بإحكام أمام الجميع وهم يعاينون بالعين المجردة انحلال الدولة وتفككها يوماً تلو آخر، ويعانون في الوقت عينه من عجز وقصور عن أي فعل حاسم يمكن أن يبادروا إليه فيجنحون نحو “نهج” المكايدة وتسجيل النقاط كل فريق على الفريق الآخر.

وعندما بادر بري الى تظهير مبادرته بنسختها الاخيرة، وفق المصدر ذاته، إنما كان يبادر الى عملية “ربط زمني” محكم وجلي بين طرحين متناقضين يرفع كل فريق لواء واحد منهما. فهو حدّد زمن الحوار بسبعة أيام أي جعل له سقفاً زمنياً محدوداً، يُفترض أن يدخل جميع المدعوون إليه بعد انقضائه، وبصرف النظر عن نتائجه، مباشرة ومن دون أي فاصل زمني الى جلسات الانتخاب المفتوحة في مجلس النواب التي يتعيّن أن تنتهي بظهور الدخان الأبيض وفق التعبير الذي توسّله الرئيس بري نفسه تشبّهاً منه بجلسات انتخاب البابوات في الفاتيكان.

وقد كان بالإمكان أن لا يظل الحوار منعقداً طوال الأيام السبعة فهو قد ينتهي قبل ذلك بكثير أو بقليل، ليتم الانتقال بعدها الى القاعة العامة في مجلس النواب حيث تدور صندوقة الاقتراع مباشرة. فالمهم هو بلوغ تلك الجلسات التي هي بالاصل مطلب حصري رفعه الفريق المعارض على رؤوس الرماح منذ البداية.

ويقول المصدر نفسه: ليظل كل طرف متمسكاً باسم المرشح الذي يراه جديراً بأن يجلس الى كرسي الرئاسة الأولى في قصر بعبدا، وقد يكون ممكناً في الحوار حصول معجزة ويتم الاتفاق على اسم مرشح توافق أو على اسمين أو أكثر.

وفي المحصلة يؤكد المصدر نفسه أن الحوار فعل حضاري ما عُرض على سياسي عاقل يريد مصلحة وطنه وشعبه ويبادر الى رفضه أو التعامل معه بسلبية، اللهم إلا إذا كان متيقناً سلفاً من سقوط خياراته وتهافت رهاناته وأنه سيخرج من مولد الحوار والانتخابات من دون أي نتيجة أو ثمرة. والرئيس بري وفريقه باتوا على شبه يقين من كل حسابات الرافضين هذه المبادرة ويصمّون آذانهم عنها ويضيعون الفرصة الذهبية السانحة ليثبتوا صدق كلامهم في صندوقة الاقتراع في المجلس حيث يمكنهم هناك فقط أن يثبتوا أنهم يملكون الأكثرية التي تؤمّن فوز مرشحهم المعلن أو المضمر.

ويستطرد المصدر عينه “نحن نحب أن نذكّر الذين بذلوا جهوداً استثنائية لكي يرذلوا الدعوة الى الحوار وينعتونها باللامجدية أحياناً وباللادستورية أحياناً أخرى، بأنهم شاركوا في كل الحوارات والمشاورات للإتيان برئيس والتي بدأت عملياً منذ عام 1988 وصارت لازمة للمشهد السياسي الى حد اليوم. فهم مثالاً شاركوا في حوار الطائف من دون أن يجلسوا على طاولته، وشاركوا أيضاً في حوار الدوحة. ثم ألم يكن انتخاب الرئيس العماد ميشال عون في عام 2016 هو نتيجة لمخاض حواري طويل ونتيجة تفاهمات عدة أبرزها تفاهم معراب حيث كانوا هم في صدارة المشهد. المشكلة مع هؤلاء المشككين أن الحوار يصير مشروعاً ومبرراً إذا وجدوا فيه مصلحة لهم ويصير مكروهاً ومشيطناً إن لم تسر الرياح وفق ما تشتهيه مصالحهم وحساباتهم”.

ويضيف المصدر نفسه: “إن هؤلاء يروّجون أخيراً لخسارة مدوّية لحقت بالرئيس بري بفعل إحباط مبادرته، ولكن سؤالنا الملح لهم: ما الذي كسبوه هم من وضعهم للعصيّ في دواليب الحوار؟ ونريد هذه المرة أن نكون صريحين الى أقصى الحدود وليعذرونا على صراحتنا. فعلى المستوى المسيحي، نرى أن ثمة معادلة ترسّخت فيه تحاكي الى حد بعيد معادلة كانت ارتسمت عشية انفتاح باب الصراع المسلح في تلك البقعة في المرحلة التي سبقت حوار اتفاق الطائف بين الجيش بقيادة العماد عون و”القوات اللبنانية” بقيادة سمير جعجع. والآن ثمة صراع بين الفريقين لكنه صراع سياسي”. ويخلص المصدر الى تكرار الاستنتاج الذي ورد على لسان الرئيس بري وقال فيه “ثمة من يعتقد أن الكنيسة القريبة لا تحقق نعمة الشفاء ونحن نضيف الى هذا قولاً آخر للسيد المسيح وهو: اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لايدرون ما يفعلون، لأن الكيدية أعمت أبصارهم وأفئدتهم”.

 ابراهيم بيرم – النهار

Leave A Reply