كهرباء لبنان.. “مغارة علي بابا”!

“مغارة علي بابا”، ربما التوصيف الأدق لما يجري في لبنان، ولأركان هذه الدولة المنهوبة.

ففي بلد يدفع المواطن فيه فاتورتي كهرباء، ويقضي معظم وقته تحت رحمة العتمة.

وفي بلد، يرفع مسؤولوه شعار “التدقيق الجنائي”، تغرق مؤسساته بوحل الفساد والإفساد، وعلى عينك يا تاجر!

مؤسسة “كهرباء لبنان”، هناك، حيث “الداخل مفقود والخارج مولود”، لا أحد يعرف كيف تتم الصفقات، ولا كيف توزع ساعات التغذية الكهربائية على المناطق، وبناء على أية معايير. المعروف الوحيد بالنسبة للبنانيين، انهم يُنهبون كل يوم بكل ما أوتيت الدولة من وسائل.

لا قطع حساب في الصناديق المالية منذ العام 2012، وهذا ما يشير إلى كارثة حقيقية تتعلق بالشفافية المالية في المؤسسة، أين تذهب الأموال وكيف ومتى..؟ لا أحد يدري كيف تتبخر!

وفي مجرى “سيلان” الأموال، مبنى المؤسسة غير المرمم، رغم حجز 17 مليون دولار في مجلس الإنماء والإعمار بهدف الترميم. علماً أن كلفة الترميم أقل من هذا المبلغ بكثير، ولكن لا حياة لمن تنادي!

ومنذ فترة قصيرة، تعرض مخزن في معمل الذوق الحراري لعملية سرقة، أوقف على إثرها 4 من موظفي المعمل، ولم ترد أي تفاصيل إضافية حول مصيرهم، والجهة التي تدعمهم لتنفيذ عمليات السرقة، بحسب معلومات موقع “الجريدة”.

وبناء لقرار النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، تم ختم شركة مقدمي الخدمات لكهرباء لبنان “KVA” بالشمع الاحمر وذلك بسبب التلاعب بالعدادات، وتحدثت المعلومات عن توقيف مدير الشركة ومدير الجباية”.

ولاحقاً، أصدر إبراهيم قراراً قضى بفض أختام الشمع الأحمر، ولم يعلم أحد بناءً على أي اعتبار تم ازالة الشمع الأحمر!

تحرك خجول يترك أثراً في “لا وعي” المواطنين، الغائبين أصلاً عن المحاسبة والمساءلة، فالأمر متروك لضمائر السياسيين، التي لم تهزها أزمة اقتصادية جعلت أكثر من نصف سكان لبنان تحت خط الفقر، ولا انفجار زلزل البلد في أعقابه، فبالتالي لن تهزه “شرقطة” الكهرباء، ولا عدادات يتم التلاعب فيها.

لا يمكن التغاضي عن أن ملف التلاعب بالعدادات ليس بالجديد، بل إن عهده منذ تسليم الملف إلى شركات لم تقدم خدمة واحدة تجعل من وجودها ضرورة.

كما أن قضية التلاعب في العدادات ليست محصورة بمنطقة معنية أو شركة واحدة، فهل سيحصل تحرك تجاه التلاعب في العدادات الذي كشف عنه في منطقة جبيل أسوة لما حصل في البقاع؟ وينسحب الأمر على كل لبنان؟

لا يمكن التغاضي عن عدم تركيب العدادات والتي يصل عددها إلى 450 ألف عداد موزعين على مختلف المناطق اللبنانية، والضغط على المواطن الذي لا يصل راتبه لـ 100$ شهرياً، لدفع 80$ عند تركيب العداد فقط، مما يعني “يلي ما بدو يجوز بنتو بيغلّي مهرها”.

وإلى جانب ملف العدادات، حري بالقضاء البحث عن ملف “طباعة الفواتير”، وهو ما يعتبر فضيحة حقيقية بكل المقاييس، حيث كشفت مصادر موقع “الجريدة”، ان عملية طباعة الفواتير تتم بطريقة غير شرعية، فبعد أن كانت تطبع عبر “roll” كبيرة داخل المؤسسة، أصبحت تطبع عبر ورقة A4 تقسم إلى عدد من الفواتير، التي تسلم فارغة للجابي، ويترك هو لضميره بتعبئة الفاتورة!

عملية الغش والتلاعب هذه رفعت صرخات المواطنين، الذين أقدم بعضهم على تقديم شكاوى قضائية، ضد المتلاعبين، خصوصاً أن معظم الفواتير “الضخمة” كانت لمن يستخدمون الطاقة الشمسية، وبالتالي يعتبر استهلاكهم لكهرباء الدولة منخفضاً جداً، وهذا ما لم ينعكس على الفواتير!

كما دفع هذا التلاعب البعض الآخر، إلى فك العدادات ووقف الاشتراك بكهرباء الدولة.

لم يقف الأمر هنا…

وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، خرج عن صمته، معلناً التزام وزارة الطاقة والمياه تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء في لبنان بأسرع وقت ممكن، ومشدداً على ضرورة المضي بالإصلاحات المطلوبة لتحديد مكامن الهدر في مؤسسة كهرباء لبنان، ومحاسبة المسؤولين، لكن الآراء انقسمت حول موقف الوزير.

البعض اعتبر موقفه ليس سوى تعمية للحقيقة، في محاولة مستهلكة لتمييع الوقائع ومنع الموظفين المعنيين من كشف الحقائق.

والبعض الآخر اعتبر أن ما قام به الوزير يعتبر رفع غطاء علني عن كل المتورطين في ملف الفساد المتعلق بكهرباء لبنان.

وفي سياق “المصائب” التي يجنيها اللبنانيون من ملف الكهرباء، كان وصول الباخرة المحملة بالفيول إلى المياه اللبنانية، بعد أن وافقت على استقدامها هيئة الشراء العام، لينشب الصراع بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الطاقة وليد فياض، بعد رد ميقاتي الباخرة ورفضه الاستفادة منها.

في الظاهر، وليس دفاعاً عن أحد، ولكن رد الفعل الطبيعي للمواطنين سيكون مهاجمة ميقاتي لأنه السبب في “حرمانهم” من الكهرباء. ولكن في الواقع، وبحسب المعلومات، فإن مخازن كهرباء لبنان تحتوي على كمية من كبيرة من الفيول الكافي لتشغيل المعامل من دون الحاجة للباخرة العائمة في البحر.

وفي التفاصيل، فإن كمية الفيول المتوافرة، هي متبقية من فيول العراق، والتي تم توفيرها من خلال:

– انخفاض استهلاك الطاقة الكهربائية التابعة للدولة لدى المواطنين بسبب تركيب نظام الطاقة الشمسية.

– استبدال الكهرباء نظام الطاقة الشمسية في العديد من المؤسسات والإدارات العامة، مما ساهم في تخفيف استهلاك الفيول.

– إلغاء العديد من المواطنين اشتراكهم في كهرباء الدولة بسبب ارتفاع كلفة الاستهلاك بعد تعديل التسعيرة.

وهذا ما يطرح سؤالاً: من المستفيد من هذه الباخرة؟ ولِمَ استقدمت طالما يعرف القاصي والداني في مغارة كهرباء لبنان بوجود الفيول العراقي؟

ويذكر، أن كل يوم تأخير للباخرة في البحر من دون تفريغ الحمولة، يتوجّب على الدولة اللبنانية دفع بدل تأخير “بينالتي” قيمته 25 ألف دولار.

هذا السيناريو مستمر منذ العام 2010، حيث يتم استقدام البواخر قبل فتح الاعتمادات، ليدفع “البينالتي” بسبب الانتظار، ومن بعدها يتقاسمون جنبتها.

علاوة على ذلك، كشفت معلومات موقع “الجريدة”، أن شركتي تقديم خدمات، في معملي الجية والزهراني، يتقاضون بدل أتعابهم رغم أنهما متوقفتان عن العمل منذ عامين.

ولا ينفصل عن هذه النقطة، الاستنسابية في التغذية الكهربائية، حيث يستفيد أصحاب الأوتيلات والمنتجعات السياحية والمعالم التي تخص سياسيين، من تغذية مرتفعة بالكهرباء، مقارنة بالأحياء الشعبية والسكنية، بالإضافة إلى علامات استفهام توضع حول وجود العدادات، أصلاً، لدى هذه الجهات، أم أنها عملية علنية لسرقة الكهرباء.

بين الهدر والسرقة و”التشبيح”، تتأرجح مؤسسة كهرباء لبنان، التي تمخضت صفقات وسمسرات فأنجبت عتمة شاملة وفاتورتي كهرباء، ونصف عجز المال العام.

ولكن.. كما تكونوا يولّى عليكم!

خلود شحادة

Leave A Reply