في ظل العجز المالي تبحث وزارة التربية عن تمويل المانحين بسبب ملف النازحين من الطلاب السوريين واليونيسف تعدد عمليات الدعم التي قدمتها

يكرر وزير التربية اللبناني عباس حلبي التطمينات بانطلاق العام الدراسي في المدارس الرسمية وببذل الجهد الكافي لتأمين التمويل من أجل استقرار العملية التربوية وتحقيق استمرارية التعليم الرسمي. وتراهن أوساط وزارة التربية على نجاح الجهود في الحصول على التمويل من مصدرين داخلي وخارجي من خلال الجهات المانحة بالتعاون مع منظمة اليونيسف. فالحكومة قررت في جلستها الأخيرة رصد خمسة آلاف مليار ليرة لبنانية وتأمين الحوافز وبدلات الإنتاجية للمعلمين، ولكن حتى الساعة لم تصل تلك الأموال إلى حسابات وزارة التربية، وفي غياب تلك الأموال سيكون هناك صعوبة في بدء عام دراسي مستقر، كما تنبه أوساط تربوية إلى أن “التمويل الخارجي دونه عوائق، لأن الدول المانحة تعتبر أن لبنان لا ينطبق عليه تصنيف من يحتاج إلى تمويل، فهو ليس دولة مفلسة، وإنما دولة منهوبة، بالتالي فإن الدول المانحة تلتزم فقط تمويل العملية التعليمية للطلاب السوريين في دوام ما بعد الظهر. في ظل إصرار حكومي على عدم دمج دوام الطلاب اللبنانيين مع السوريين، وهناك موقف معلن “لن يكون هناك تعليم للطلاب للسوريين النازحين في حال عدم استقرار تعليم الطلاب اللبنانيين”.

أما فيما يتعلق بمطالب المعلمين في الدوام المسائي لناحية تقاضي أجورهم بالدولار على ضوء التحويلات التي تصل الدولة من المانحين، تأتي الإجابة “لا يمكن أن تدفع وزارة التربية لأساتذة الدوام المسائي بدلاً للساعة أعلى من تلك التي يتقاضاها الأستاذ في الدوام الصباحي للطلاب اللبنانيين، لأنه عندها لن يبقى لدينا أستاذ في التعليم الصباحي، والكل سيطالب بالتعاقد لتعليم السوريين”.

دعم اليونيسف

مايا عتيق الناطقة باسم اليونيسف قالت لـ”اندبندنت عربية” إن المنظمة خلال العام الدراسي 2022-2023 أنفقت أكثر من 70 مليون دولار أميركي نقداً لدعم التعليم بشكل عام والمدارس الرسمية بشكل خاص، وعدّدت بعض عمليات هذا الدعم:

– تحويل الأموال بالدولار الأميركي مباشرة الى 1074 مدرسة رسمية لتغطية جميع الطلاب اللبنانيين وغير اللبنانيين الملتحقين بالمدارس الرسمية وفقاً لاتفاقية معقودة مع وزارة التربية.

– دفع رواتب 12500 من الأساتذة المستعان بهم والموظفين الإداريين اللبنانيين مباشرة بالدولار الأميركي.

– دفع بدل الإنتاجية، بالدولار الأميركي، مباشرة إلى 15,000 من المدرسين المستعان بهم والموظفين الإداريين اللبنانيين.

– تحويل المساعدات النقدية بالدولار الأميركي مباشرة الى أكثر من 70,000 طفل لدعم بقائهم في المدارس وحضورهم المنتظم.

– تمويل المدرسة الصيفية خلال عام 2023، استفاد منها نحو 160,000 طفل معظمهم من اللبنانيين (بنسبة 70 في المئة).

– تأهيل 26 مدرسة، تنتهي الأعمال فيها قبل بداية العام الدراسي الجديد. وانطلقت في إعادة تأهيل 94 مدرسة رسمية إضافيّة، بينما يجري تقييم احتياجات الطاقة في 850 مدرسة رسمية في إطار الجهود المبذولة لزيادة تزويد القطاع التعليمي بالطاقة الشمسية.

– البدء ببناء أربع مدارس رسمية جديدة سوف تزود بأنظمة الطاقة الشمسية.

– الدعم بتمويل الامتحانات الرسمية من خلال تأمين المستلزمات الأساسية وحوافز المعلمين.

وتؤكد الناطقة باسم اليونيسف أن المنظمة “لم تدع أبداً إلى دمج طلاب دوام بعد الظهر مع طلّاب الدوام الصباحي. إن الحكومة اللبنانية هي المسؤولة في نهاية المطاف عن تنظيم التعليم العام الرسمي في البلاد. اليونيسف تدعو حصراً إلى حصول جميع الأطفال، بغض النظر عن جنسيتهم، على التعليم الجيد والشامل في لبنان”.

ودعت عتيق الحكومة اللبنانية إلى “إيلاء الأولوية لتعبئة موارد ميزانية التعليم، لضمان فتح المدارس الرسمية أمام جميع الأطفال. إذ لا يمكن أن يحلّ دعم اليونيسف المستمرّ للأطفال مكان استثمار الحكومة اللبنانية في التعليم، بل هو مكمّل لدور الحكومة فقط”.

التعليم ليس للجميع

يعيش الأهالي خوفاً كبيراً على مستقبل أبنائهم العلمي والمهني بسبب “دولرة” القطاع على غرار مختلف النشاطات الاقتصادية، كما ينظر هؤلاء بريبة إلى المعلومات المتداولة عن مضاعفة رسوم التسجيل في التعليم الرسمي. وعلى رغم عدم صدور قرار رسمي عن الإدارة المركزية للجامعة ووزارة التربية بانتظار انتهاء العطلة الصيفية، تشير المعلومات إلى مضاعفة الرسوم لتواكب صعود الدولار الأميركي، وتصبح بالملايين.

“التعليم أصبح للأغنياء”. أحد الآباء لا يخفي حيرته وعجزه عن تسجيل أولاده الثلاثة في المدارس. ففي حال مضاعفة الرسوم، سيكون تحت عبء كبير، لأن الأمور لا تتوقف على التسجيل فهناك الكتب والقرطاسية وبدلات النقل والملابس وغيرها من النفقات.

تروي إحدى الأمهات التي تنتمي إلى القطاع العام قصتها بحسرة مع “دولرة” الأقساط، وتقول “ابنتي من التلميذات المجتهدات والمتفوقات، وهذا العام أصبحت في صف الشهادة الثانوية في إحدى المدارس الخاصة. في السابق، لم يكن موظف الدولة يشعر بالفرق، لأنه كان يحظى بدخل مقبول. منذ ثلاثة أعوام، استهلك تعليم الأبناء المدخرات، أما اليوم فقد صرفنا كل ما لدينا، كما أصبح قسط المدرسة بالدولار، وهو يفوق دخلنا السنوي بنحو الضعف”. وتضيف “نعيش حالة من الحيرة بين نقلها إلى مدرسة أخرى وتحمل خطر خسارتها للعام الدراسي، أو تركها في مكانها والوقوع تحت عبء الديون”.

في الأعوام السابقة، شكلت المدارس الخاصة شبه المجانية متنفساً للأهالي الباحثين عن عام دراسي مستقر، واجتذبت أبناء موظفي القطاع العام، والعسكر، وأصحاب المداخيل المحدودة. أما راهناً، فتلك المدارس تريد الأقساط بالدولار من أجل تأمين الاستمرارية، وتغطية النفقات التشغيلية، والزيادة على أجور المعلمين والموظفين كما يؤكد مديروها.

ماذا عن المعلمين وإدارات المدارس الرسمية؟

لا يقتصر الخطر على التمويل، فهناك هجرة بأعداد كبيرة من المعلمين إلى الخارج، أو تركوا قطاع التعليم بسبب الأجور الزهيدة. أحد مديري المدارس يطالب وزير التربية بعدم الإعلان عن بداية العام الدراسي قبل تأمين الأموال المطلوبة أي الخمسة آلاف مليار ليرة لبنانية التي لا تكفي إلا لتأمين نفقات شهرين، وفي أحسن الأحوال ثلاثة أشهر، كما يشكو من أن “صناديق المدارس خالية، وهناك حاجة لقرارات حكومية تفتح باب التعاقد”، ليخلص إلى أن “الأمور ما زالت ضبابية وبدء العام الدراسي غير مضمون”.

الحراك التربوي المستقل

تحصل كل تلك الأمور في ظل انشقاق نقابي تربوي على غرار المشهد النقابي العام في البلاد الذي اخترقته السياسة منذ الحرب الأهلية اللبنانية، وما بعدها. يؤكد عصمت ضو ممثل رابطة التعليم الثانوي أن “الهدف من أي حراك نقابي هو تحسين الأوضاع الوظيفية، ورفع الأجور بما يتناسب مع التضخم الحاصل، وانخفاض القيمة الشرائية للعملة الوطنية”. ويضيف “في العام الماضي أعطى الحراك النقابي الأولوية للحفاظ على التعليم الرسمي وطلاب المدرسة الرسمية، كما أجرينا الامتحانات الرسمية وأصدرنا النتائج، وذلك على حساب الأوضاع المعيشية للأستاذ الرسمي”.

يعلق ضو على الانشقاقات في الجسم النقابي الآخذة في التوسع وتراجع الثقة بروابط التعليم. ويقول “نحن نعترف بوجع الأساتذة المعترضين على العودة، ولكن الرابطة ارتضت بما قدمته الوزارة لأن الأولوية كانت استمرارية المدرسة الرسمية، وفي حال انكفاء الطلاب عن التسجيل في المدارس الرسمية لن يستمر الأساتذة في العمل”.

ويعتقد عصمت ضو أن من عقبات استعادة الموقع الوظيفي لأستاذ الثانوي المشكلات الناجمة عن الفراغ الدستوري وعدم انتظام المؤسسات. وبالتالي، يصطدم أي تحرك بعدم القدرة على تحصيل الحقوق، لافتاً إلى أن “العمل النقابي يحتاج إلى روية ودبلوماسية في التعاطي، والتفكير والتخطيط في كيفية الوصول إلى الهدف من وراء أي تحرك”.

يتمسك ضو أن التقديمات للأساتذة من مسؤولية الدولة اللبنانية لا الدول الأجنبية المانحة، “قام الوزير بمساعيه لدعم موازنة وزارة التربية، وحصل على مبلغ 55 مليون دولار من الحكومة، ستوزع على ثلاث دفعات لتأمين انطلاق العام الدراسي، ولكن تبقى الأمور الإيجابية رهن تنفيذ تلك الخطوات على أرض الواقع، وتحديد النسبة الممنوحة للأساتذة من أجل انطلاق العام الدراسي انطلاقة صحيحة”.

الخوف على المستقبل

منذ عام 2019 يعيش التعليم في لبنان حالة من الاضطراب، والتعليم الرسمي على وجه الخصوص، بسبب الانهيار المالي والاقتصادي. ويبرز الخوف على مستقبل هذا التعليم الذي يحتضن أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة، ويزدهر في مناطق الأطراف. ويعبر عصمت ضو عن مخاوف جدية تحيط بمستقبل التعليم الرسمي، بسبب الهجرة الكبيرة للكفاءات التعليمية التي أثبتت جدارتها من خلال النتائج المتفوقة في الشهادة الرسمية. ويضيف ضو “لم نصل إلى خط اللاعودة، ولكن في حال استمرار التعاطي السلبي مع قطاع التعليم سنصل إلى مرحلة الخطر والوقوع في المحظور”، متحدثاً عن بعض معالم السلبية “من خلال الإصرار على عدم فتح التعاقد من جديد، وتثبيت الأساتذة الناجحين في دورات مجلس الخدمة المدنية في 2008، و2016، وتدريبهم في كلية التربية لرفد الثانويات الرسمية بالكفاءات لسد النقص لديها”.

بشير مصطفى – اندبندنت

Leave A Reply