مستشفيات “تتفرعن” على مرضاها وممرضيها.. الفواتير بالدولار والرواتب بالليرة

لم يتقاسم الممرضات والممرضون يوماً أرباح المستشفيات، فالأخيرة تتنعم بأرباحها منفردة، في حين تتقاسم مع ممرضيها الأزمات. وكيف لمستشفيات تشكو هجرة كوادرها التمريضية أن ترفض تعديل أجورهم المقومة بالليرة اللبنانية رغم تقاضيها فواتيرها من المرضى بالدولار الأميركي الفريش؟ وكيف للمستشفيات أن تخاطر بحياة مرضاها بالضغط على ممرضيها جسدياً ونفسياً؟

رواتب زهيدة

أكثر من 30 في المئة من الكوادر التمريضية هجروا لبنان منذ عام 2019 وحتى اليوم. الغالبية الساحقة من المهاجرين هم من ذوي الخبرات الطويلة في مجال التمريض. هاجر اكتر من 3300 ممرضة وممرض بالمقارنة مع نحو 9000 ممرض يسددون اشتراكاتهم للنقابة.

لم يهاجر الممرضون طمعاً برواتب عالية بل بحثاُ عن رواتب تؤمن معيشتهم بعد أن عجزوا في تأمينها في المستشفيات اللبنانية الخاصة منها والحكومية. حتى أولئك المستمرون بالعمل في المستشفيات راهناً فليس لسبب، سوى ظروف عائلية او اجتماعية تحول دون هجرتهم، وهو حال العشرات منهم وربما المئات.

وكيف يمكن تأمين معيشة شهر كامل وتكلفة مواصلات براتب لا يتجاوز 230 دولاراً فقط على ما تقول إحدى الممرضات في مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك حيث يتقاضى العاملون في أقسام الاشعة فيه 165 دولاراً فقط وهو ما لا يكفي لسداد تكلفة النقل.

ومن المستشفيات من يسدد رواتب كوادره التمريضية بالليرة ايضاً على الرغم من دولرة الفواتير على المرضى، حتى أن منهم من يرفض إدخال مريض قبل فرض مبلغ محدد بالدولار كدفعة على الحساب قبل تقديم اي علاج.

ويتقاضى الممرضون والممرضات في المستشفى اللبناني الفرنسي في زحلة 100 دولار و9 مليون ليرة لبنانية فقط، علماً ان غالبية افراد الكادر التمريضي يأتون من مناطق بعيدة عن زحلة وكذلك الأمر في مستشفى دار الامل في بعلبك. أما مستشفى المقاصد في بيروت فتبلغ رواتب ممرضيها 200 دولار و8 مليون ليرة حتى أكبر المستشفيات وأضخمها فواتيراً على المرضى وأكثرها ارتفاعاً بالتعرفات الطبية والاستشفائية كمستشفى كليمنصو الجامعي في بيروت فلا تزيد رواتب الممرضين فيها عن 400 دولار فقط.

مهما اختلفت الرواتب بين المستشفيات تبقى جميعها دون مستوى تأمين معيشة الممرضات والممرضين على ما تقول نقيبة الممرضات والممرضين الدكتورة ريما ساسين. وتقول ساسين في حديثها إلى “المدن” لم نطلب المستحيل من المستشفيات فقط طلبنا تحسين الرواتب بما يتناسب ومستوى المعيشة وذلك بعد أن لمسنا تحسنا بوضع المستشفيات من خلال دولرة فواتيرها.

بين النقابة والمستشفيات

وتوضح ساسين أن النقابة لم تطلب تصحيحاً نهائياً بل تصحيحاً مرحلياً للأجور، وقد استندت إلى سلسلة الرتب والرواتب قبل الازمة حين كان متوسط الرواتب 1000 دولار (مليون و500 الف ليرة حينها) وطالبت بسداد نصف الراتب بالدولار الفريش اي 500 دولار والباقي بالليرة اللبنانية اي 500 دولار بالليرة. وما كان من المستشفيات سوى أن رفضت مطلب النقابة متجاهلة عجز الممرضات والممرضين عن تأمين معيشتهم.

يعترف نقيب المستشفيات سليمان هارون بأن رواتب واجور العاملين بالمستشفيات خصوصاً الكادر التمريضي متدنية “لكن المستشفيات تعاني من صعوبات مالية” على ما يقول هارون في حديثه إلى “المدن” مشيراً إلى أن المستشفيات لم ترفض رفع الاجور بل اعلنت عجزها عن تلبية طلب نقابة الممرضات والممرضين بتطبيق سلم الاجور الذي وضعته.

ويقول هارون رداً على مسألة دولرة فواتير المستشفيات بحق المرضى في مقابل رفضها رفع اجور العاملين لديها “إن الفواتير التي تسددها المستشفيات مدولرة ايضاَ بمعنى أن تكلفة النفقات كذلك ارتفعت”.

وهو أمر صحيح لكن ألا تعتبر المستشفيات رواتب العاملين لديها من ضمن نفقاتها التشغيلية أو ليس للمرضين حقوق بتأمين معيشتهم؟

هجرة ذوي الخبرة

ولا تقتصر الممارسات المجحفة بحق الممرضات والممرضين على تدني رواتبهم فحسب بل بفرض ساعات عمل طويلة عليهم تفوق كل المعايير الدولية. وتوضح ساسين بأن ساعات العمل بالمستشفيات الخاصة تبلغ تقريبا 42 ساعة اسبوعياً اما بالحكومية نحو 35 ساعة اسبوعياً لكن المعايير العالمية تفرض على الممرض عدم تجاوز 35 ساعة عمل اسبوعياً، لأن العمل 42 ساعة له تداعيات على المرضى وعلى صحة العاملين خاصة في الوقت الحالي في ظل النقص الحاصل بالكوادر التمريضية.

وتلفت ساسين إلى أن النقص بالكوادر التمريضية رفع مستوى الضغوط على الممرضات والممرضين إذ يستلم الممرض حالياً عدداً من المرضى يفوق ما هو مسموح به عالمياً ويصل عدد المرضى المسؤول عنهم الممرض الواحد الى 10 و15 مريضاً علما ان المعايير العالمية تحدد 6 الى 7 مرضى لكل ممرض.

من هنا تستمر نقابة الممرضات والممرضين في عقد اجتماعات للبحث في خطوات تصعيدية بوجه المستشفيات وممارسة ضغوط في سبيل تحصيل حقوق الكوادر التمريضية. وتقول ساسين “لا يمكننا ان نستمر بهذا النزف بالكوادر التمريضية”.

أزمة نزف الكوادر التمريضية وهجرة ذوي الخبرات منهم تلمسها المستشفيات من خلال تدني مستوى العناية لديها. فالخريجون الجدد لا خبرات لديهم لتحمل مسؤوليات مهنية تستلزم الخبرات الطويلة. وهو ما يقر به هارون بقوله ن الأزمة اليوم باتت أزمة خبرات وليس فقط هجرة ورواتب، فالخريجون عاجزون عن سد فراغ المهاجرين من الممرضين.

من هنا تتضح صورة الحلقة المفرغة التي يدور فيها القطاع الاستشفائي. فالمستشفيات تصر على ان وضعها صعب ولا يحتمل زيادة اجور في مقابل رواتب عاجزة عن تأمين معيشة الممرضين والهجرة مستمرة والمرضى كما العادة يبقون هم الضحية.

عزة الحاج حسن – المدن

Leave A Reply