السياحة الأوروبية تتجاوز نقطة الضعف .. ورهان على دول الخليج

في الوقت الراهن تخيم أجواء من التفاؤل على القطاع السياحي الأوروبي، وسط توقعات بأن الاتجاه العام للسياحة الأوروبية العام الجاري سيكون واعدا.

تأتي تلك التوقعات رغم الضغوط الاقتصادية العالمية مثل ارتفاع معدلات التضخم والحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار المحروقات نتيجة الحرب، والركود الاقتصادي الذي يلوح في الأفق، والأزمة البنكية في الولايات المتحدة وما تثيره من مخاوف بشأن انعكاساتها السلبية على الاقتصاد الأمريكي.

وتشير أحدث البيانات الرسمية إلى تعافي 75 في المائة من القطاع السياحي الأوروبي العام الماضي من الأضرار التي لحقت به نتيجة جائحة كورونا، ومن المتوقع أن يستمر هذا التعافي السياحي في العام الحالي أيضا، وإن كان بوتيرة أبطأ، والمرجح أن تصل معدلات السياحة في أوروبا إلى مستويات ما قبل الوباء بحلول عام 2025.

ولا شك أن أحد أبرز مؤشرات الانتعاش السياحي الأوروبي، تتمثل في تحول اهتمام شركات السياحة من استقطاب الوافدين القادمين من “المسافات القصيرة” إلى الوافدين القادمين من “المسافات الطويلة”، بما يعنيه ذلك من عودة السائحين من منطقة آسيا والمحيط الهادئ الذين غابوا عن أوروبا لسنوات نتيجة وباء كورونا وبدرجة أقل بسبب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.

ويفسر الخبراء انتعاش القطاع السياحي في أوروبا منذ النصف الثاني من عام 2022، إلى الطلب الدولي القوي الذي ظل مكبوتا لقرابة العامين ونصف، فبينما زادت معدلات الادخار الدولي خلال فترة الوباء، لم يكن في قدرة المسافرين زيارة أوروبا نتيجة إغلاق المطارات والقيود التي فرضتها الدول الأوروبية على استقبال السائحين خلال فترة الوباء.

ومع رفع تلك القيود بدأت الأفواج السياحية تتدفق بقوة على القارة الأوروبية التي تمثل واحدة من وجهات الجذب السياحي التقليدي، وتكشف البيانات بشكل واضح أن وجهات الجنوب الأوروبي المطل على البحر المتوسط مثل اليونان والبرتغال ولكسمبورج كانت أسرع انتعاشا مقارنة بالشمال الأوروبي، بينما كانت أوروبا الشرقية ضمن الوجهات الأبطأ في التعافي بسبب الحرب في أوكرانيا وتراجع أعداد السائحين الروس.

من جانبه، قال لـ”الاقتصادية” إس. دميان نائب الرئيس التنفيذي لشركة العالم الأوروبي للعطلات: “عالميا كان السفر لمسافات طويلة نقطة الضعف الرئيسة في الانتعاش السياحي لمرحلة ما بعد كورونا، بسبب ارتفاع التكاليف المرتبطة بالسفر إلى الخارج”.

وأضاف: “رغم أن إعادة فتح بلدان آسيا والمحيط الهادئ والسماح لمواطنيها بالسفر إلى الخارج كان بطيئا نسبيا، يمكننا القول إن بيانات الحجز تشهد ارتفاعا منذ منتصف العام الماضي خاصة مناطق جنوب غرب المحيط الهادئ وجنوب آسيا”.

والأخبار الجيدة لشركات السياحة الأوروبية بدأت تبرز في ديسمبر من العام الماضي، وذلك مع تراجع الصين عن سياسة صفر كوفيد التي تم إلغاؤها أخيرا، ويتوقع الخبراء عودة تدريجية للمسافرين الصينيين إلى أوروبا بدءا من الربع الثاني من هذا العام، لكن الأمر قد يتطلب بعض الوقت، نظرا لأن الخدمات اللوجستية بشأن استعادة مسارات الرحلات الجوية لإعادة ربط الصين ببقية العالم قد يتطلب بعض الوقت، كما أن معظم المسافرين الصينيين في حاجة إلى تأشيرة للسفر، وقد يحتاج كثير منهم تجديد جوزات سفرهم.

لكن حتى يبدأ تدفق السائحين الصينيين على القارة الأوروبية، فإن الولايات المتحدة ستقود تعافي السفر لمسافات طويلة إلى أوروبا، خاصة في ظل غياب قيود السفر الأمريكية، وقوة الدولار في مواجهة العملة الأوروبية الموحدة اليورو، وتشير بيانات لجنة السفر الأوروبية إلى أن عدد الوافدين من الولايات المتحدة إلى أوروبا كان منخفضا العام الماضي بنسبة 25 مقارنة بعام 2019، والمتوقع أن تظل تلك النسبة منخفضة أيضا هذا العام، ولكن لن تتجاوز 16 في المائة بأي حال من الأحوال.

وتراهن شركات السياحة الأوروبية على دور مميز للسياحة الخليجية لإنعاش القطاع السياحي الأوروبي في عام 2023 والأعوام المقبلة.

في هذا السياق، ذكر لـ”الاقتصادية” ماثيو مايسن الباحث في هيئة السفر الأوروبية، أنه “في عام 2019 بلغ عدد السياح الخليجيين الزائرين لأوروبا 5.5 مليون سائح، وكان ذلك يمثل زيادة بنسبة 6 في المائة عن العام السابق، لكن خلال فترة جائحة كورونا تراجعت أعداد السياحة الخليجية إلى أوروبا وبدأت في استعادة زخمها مرة أخرى في الربع الثالث من العام الماضي، وبالنسبة للمملكة المتحدة فإن عدد السائحين الخليجيين الذين زاروا بريطانيا وفقا للأرقام الرسمية بلغ 1.2 مليون سائح عام 2019 بمعدل زيادة 5 في المائة عن عام 2018.

واستدرك قائلا: “التقديرات المتاحة تشير إلى أن أعداد السائحين من منطقة الخليج إلى أوروبا ستتفوق هذا العام على أعدادهم في عام 2019، ويتوقع أن تستقبل أوروبا ستة ملايين سائح من بلدان مجلس التعاون الخليجي من بينهم ثلاثة ملايين تقريبا من السعودية، يليهم الوافدون من الإمارات وسيكون العدد نحو 1.8 مليون سائح”.

ويرجع مايسن الزيادة في أعداد السائحين من بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى أوروبا إلى سهولة الحصول على التأشيرات السياحية، وتمتع السائح الخليجي بقدرة مالية مرتفعة.

وتابع أن “المواطنين الخليجيين يسهمون في صناعة السياحة الأوروبية من خلال الاستثمار في الأعمال المتعلقة بالسياحة، سواء عن طريق شراء الفنادق أو المنتجعات وغيرها من العقارات ذات الصلة بالسياحة في أوروبا، كما أن هناك اهتمام خاص من القطاع السياحي الأوروبي وشركات السياحة بتوفير مناخ أعلى من الرفاهية للسائح الخليجي في ظل مستويات الدخل المرتفعة في بلدان مجلس التعاون الخليجي”.

وأشار إلى أن السياحة الخليجية خاصة للشباب تحظى باهتمام أوروبي، وذلك لتفضيل الشباب الخليجي السفر خارج مواسم الذروة السياحية، ما يساعد في تعزيز السياحة خلال فترات التباطؤ، وهذا يعد أمرا إيجابيا للوجهات الأوروبية التي تشهد انخفاضا في السياحة خلال موسم الذروة “.

وربما يكون الجنوب الأوروبي المطل على البحر المتوسط -الأكثر اعتمادا على السياحة مقارنة ببعض أقطار القارة الأوروبية الأخرى- الفائز الأكبر في صراع الجاذبية السياحية بين أقطار القارة.

وهنا أوضحت لـ”الاقتصادية” الدكتورة نعومي جيسون أستاذة الاقتصاد الأوروبي في جامعة لندن، أن “التكامل الاقتصادي الأوروبي بين دول الجنوب ودول الشمال عزز التوسع الحادث في صناعة السياحة لدى دول الجنوب، خاصة مع تحرر جزء كبير من قطاع السياحة في تلك الدول من قبضة الاحتكار الذي مارسته الدولة أعواما، وتلك التغييرات التنظيمية سمحت بتوسع غير مسبوق في صناعة السياحة في البلدان الأوروبية المطلة على المتوسط، خاصة مع تدفق السائحين إلى وجهات السياحة تلك كان بأسعار منخفضة من خلال انتشار شركات الطيران منخفضة التكلفة”.

وأشارت إلى أن صناعة السياحة توسعت في تلك المجموعة من البلدان لتشكل جزءا كبيرا من صادرات جنوب أوروبا ومحركا رئيسا للنمو وإيجاد فرص العمل، وتمثل حاليا ما بين 15-20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في جنوب أوروبا.

وذكرت أن ربع القوى العاملة اليونانية يعمل في السياحة، وخمس البرتغاليين يعملون في مشاريع تعتمد على السياحة في تحقيق إيراداتها، وفي إيطاليا وإسبانيا يعمل نحو 15 في المائة من القوى العاملة في شركات ذات صلة بالسياحة.

لكن أجواء التفاؤل بزيادة أعداد السائحين إلى القارة الأوروبية، لا تزال تترافق مع قلق عدد كبير من الخبراء بأن القطاع السياحي الأوروبي لم يتعاف بعد بشكل كامل من الآثار السلبية لجائحة كورونا، ولا يزال في حاجة إلى دعم مالي مستمر للمساعدة في التعافي، خاصة في ظل نقص العاملين والاضطرابات التي يقوم بها موظفي مراقبة الحركة الجوية والمطارات، يضاف إلى ذلك مشكلات ازدحام المطارات الأوروبية رغم تراجعها في الأشهر الأخيرة.

 

Follow Us: 

Leave A Reply