في الذكرى ال47 لرحيلها: أجاثا كريستي الروائية الأكثر مبيعا في كل العصور

مولود بن زادي – القدس العربي

تحلُّ هذه الأيام الذكرى الـ47 لرحيل الكاتبة الإنكليزية أجاثا كريستي التي ما برحت رواياتها إلى يومنا هذا تثير أنظار القراء في كل أنحاء الدنيا. ومع مرور ما يناهز نصف قرن على رحيلها يوم 12 يناير/كانون الثّاني 1976، ما زالت أجاثا كريستي تعتلي قائمة الكُتَّاب الأكثر مبيعا في العالم، وكيف لا ومبيعات مؤلفاتها تعدّت سقف ملياري نسخة. تألقُ هذه الكاتبة يجسّده أيضا اعتلاؤها قائمة المؤلِّفين الأكثر ترجمة في العالم حيث تُرجمت أعمالها إلى أكثر من 103 لغات في العالم.

تأثّرت بالرواية البوليسية الفرنسية

ولدت أجاثا ماري كلاريسا ميلر كريستي ـ وهو اسمها الكامل – في توركوي في جنوب غرب إنكلترا في 15 سبتمبر/أيلول 1890. ونشأت في عائلة ميسورة الحال، من أب أمريكي وأم بريطانية، وتلقت دراستها في بيتها. لم تسكن أجاثا كريستي منزل والديها إلاَّ سنوات قليلة من عمرها، لكنه ظلّ يسكنها إلى آخر لحظة في حياتها. نلمس أثر هذا البيت العميق في حياة الكاتبة بشكل جليّ ونحن نفحص سيرتها الذاتية، حيث عبرت عن تعلقها بهذا البيت الذي أشارت إليه باسم «أشفورد» على الرغم من كل المشاكل المادية والعراقيل التي واجهتها هي وأسرتها فيه. تقول عنه في كتابها بعنوان «أجاثا كريستي ـ سيرة ذاتية» «لقد منحني هذا البيت كنزا من الذكريات. ومنحني أيضا الكثير من المتاعب والقلق والتكاليف والصعوبات – لكن بالتأكيد مقابل كل شيء تحبّه، يوجد ثمن ما لا بد أن تدفعه.» وثمن رحيل أجاثا كريستي عن توركوي كان حنينا جارفا نحو دار والديها ومهد صباها. كانت أجاثا كريستي تبلغ الخامسة أو السادسة من عمرها حينما سافرت رفقة عائلتها إلى فرنسا، بعد تأجير منزل الأسرة لظروف مادية. وفي فرنسا، مكثت أجاثا كريستي في العديد من الفنادق في جبال البيريني وباريس وبروتاني. وقد ساهمت هذه الأسفار والاكتشافات والتواصل مع العالم الخارجي في بلورة فكرها وبناء شخصيتها. التأثير الفرنسي بارز في كتابات أجاثا كريستي، وهو ما أكدته الكاتبة البريطانية لورا تومسون في كتابها عن كريستي بعنوان «أجاثا كريستي حياة غامضة» حيث أشارت إلى أنّ بعض مؤلفات أجاثا كريستي «فرنسي للغاية» مؤكدة أنَّ «أجاثا كريستي تأثرت دائما بكتاب الجريمة الفرنسيين، على وجه الخصوص جاستون ليرو، مؤلف لغز الغرفة الصفراء وشبح الأوبرا».

عشقت المواقع الأثرية العربية

اللافت للانتباه في سيرة أجاثا كريستي اهتمامها الكبير بعلم الآثار، منذ حداثة سنها وإلى آخر لحظة في عمرها، وهو ما نلمسه في أكثر من مكان في سيرتها الذاتية حيث تقول، «كنت دائما منجذبة شيئا ما نحو علم الآثار وإن كنتُ لا أعرف عنه شيئا. ففي صباح اليوم التالي، هرعت إلى مكتب رحلات كوك، فألغيت تذاكر سفري إلى الهند الغربية، وحصلت بدلا من ذلك على تذاكر لرحلة قطار الشرق السريع في اتجاه إسطنبول؛ ومن إسطنبول إلى دمشق؛ ومن دمشق إلى بغداد عبر الصحراء. كنتُ آنذاك أشعر بإثارة لا توصف». ومما لا شك فيه أنّها استمدت اهتمامها بعلم الآثار من والدتها التي كانت دوما مولعة بزيارة المدن الأثرية، وهي من كانت تحثّ ابنتها على زيارة المواقع التاريخية منذ السنوات الأولى من عمرها. تقول أجاثا كريستي في سيرتها الذاتية، «حاولت والدتي إقناعي بالذهاب إلى الأقصر وأسوان لمشاهدة أمجاد مصر القديمة». وهكذا أعجبت أجاثا كريستي بالآثار العربية إعجاب والدتها بها، وكان لهذه الآثار وقع عظيم في نفسها. تقول عن ذلك، «الأقصر، الكرنك، ومحاسن مصر، كانت ستغمرني بتأثيرها الرائع بعد حوالي عشرين عاما». اهتمامها بعلم الآثار قادها إلى العديد من المواقع الأثرية في العالم، بما في ذلك وطننا العربي. وفي إحدى هذه الرحلات التي قادتها إلى موقع تنقيب في أور في بلاد ما بين النهرين القديمة، العراق حاليا في عام 1930، التقت أجاثا كريستي بزوجها الثاني ماكس مالوان. وقد كلل زواجها الثاني هذا بالنجاح حيث عاشت الكاتبة في سعادة وهناء رفقة هذا الرجل حتى وفاتها عام 1976. ومما عُرف عن أجاثا كريستي أنّها لم تدخِّن أو تشرب في حياتها، وأنَّ زهرتها المفضّلة كانت زنبقة الوادي.

مسرحية مصيدة الفئران

كتبت كريستي في مشوارها الأدبي اللامع 66 رواية بوليسية و15 مجموعة قصصية. من أبرز أعمالها وأشهرها عالميا مسرحية «مصيدة الفئران» التي صدرت في بداية الأمر في شكل مسرحية إذاعية بعنوان «ثلاثة فئران عمياء» وكُتبت بناء على طلب من هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، لأجل كوين ماري. قامت كريستي بتوسيع «ثلاثة فئران عمياء» وإثرائها فتحولت من مسرحية إذاعية مدتها عشرين دقيقة إلى مسرحية طويلة مثيرة، مع إدخال شخصيات إضافية ونسج حبكة مشوّقة. فتغير بعد ذلك عنوان المسرحية ليصبح العنوان المعروف حاليا وهو «مصيدة الفئران.» واليوم تُعدّ هذه المسرحية أعرق عرض مسرحي في العالم بلا منازع. فقد تم إطلاقه في السادس من أكتوبر/تشرين الأوّل 1952 في المسرح الملكي في مدينة نوتنغهام، وبعدها جال مدنا أخرى كمانشستر وليفربول قبل الافتتاح في مسرح السفراء في لندن يوم الثلاثاء 25 نوفمبر/تشرين الثّاني، ليستقر بعد ذلك في العاصمة البريطانية إلى يومنا هذا. تدور أحداث المسرحية حول جريمة قتل فظيعة في لندن. وبعد انتشار أخبار الجريمة في أرجاء المدينة، وجدت مجموعة مكونة من سبعة غرباء أنفسهم في دار ضيافة ريفية نائية وقد تساقطت الثلوج. وبعد وصول رقيب شرطة، يكتشف الضيوف أنَّ القاتل أحد الأشخاص الجالسين بينهم، وهو ما يثير القلق والرعب في نفوسهم. وفي هذه الجلسة، يكشف الأشخاص المشبوهين واحد تلو الآخر عن ماضيه القذر. فمن هو يا ترى القاتل؟ ومن سيكون ضحيته المقبلة؟ وهل باستطاعة المشاهد فك اللغز ومعرفة القاتل قبل كشفه؟ تعرض مسرحية مصيدة الفئران اليوم في أحد أرقى المسارح في قلب العاصمة البريطانية. مسرح سانت مارتن لا يُعدّ مجرد مسرح من المسارح الفاخرة التي تزخر بها المدينة حسب، بل أحد رموز عاصمة الضباب وأحد أهم معالمها التي تعدت شهرتها حدود المملكة المتحدة، تماما مثل ساعة بيغ بن، أو متحف الشموع أو قصر باكنغهام.

الروائية الأكثر مبيعا

في يوم 12 يناير 1976، رحلت أجاثا كريستي عن عمر يناهز 85 سنة. كانت الأضواء في يوم رحيلها خافتة في كامل مسارح وسط العاصمة البريطانية لندن. وقد نصّ الإعلان على أنّ وفاتها كانت طبيعية. لكن في شهر إبريل/نيسان 2009، كشفت صحيفة «الغارديان» البريطانية لأول مرة أنها كانت تعاني من مرض الزهايمر. خبر معاناة أجاثا كريستي من داء الزهايمر لم يصدر اعتمادا على تقارير طبية أو شهادات أفراد مقربين منها وإنما اعتمادا على تقنية حديثة تتمثل في تحليل متعمق لرواياتها. فقد «درس الأكاديميون في جامعة تورنتو مجموعة مختارة من روايات كريستي المكتوبة بين سن 28 و82، مع إحصاء عدد الكلمات المختلفة والأسماء غير المحددة والعبارات المستخدمة في كل منها، فاستخلص هؤلاء الباحثون أنّ حجم المفردات قد انخفض بشكل حاد مع اقترابها من نهاية حياتها، بنسبة 15 إلى 30%، بينما زاد تكرار العبارات واستخدام الكلمات غير المحددة (شيء، أو أي شيء) في رواياتها بشكل ملحوظ.

وهكذا بعد مرور 46 سنة على وفاتها، تبقى أجاثا كريستي في قمة الهرم الأدبي العالمي، حيث أدرج اسمها في كتاب غينيس للأرقام القياسية على أنها الروائية الأكثر مبيعا في كل العصور. نجاح أجاثا كريستي العالمي يجسده الإقبال المتواصل على مؤلفاتها حيث تجاوزت المبيعات ملياري نسخة في وقت يشير فيه بعض المراجع إلى إمكانية ارتفاع الرقم إلى 4 مليارات نسخة! وهي بذلك الكاتبة الوحيدة في العالم التي تضاهي أرقام مبيعاتها وليم شكسبير، رائد الأدب الإنكليزي الحديث وأعظم مسرحيّ في كلّ العصور.

Follow Us: 

Leave A Reply