الوفاء بالمواثيق والعهود ـ بقلم الأستاذ عدنان ح. أبو خليل

للمجتمع السليم قواعد وأسس يقوم عليها في كل الظروف وفي كافة المراحل وهي بمثابة عقود اجتماعية يتم من خلاله وعبرها تنظم العلاقات العامة بين أفراد المجتمع الواحد، والذي من شأنه لو طبقت بنوده ومدرجاته، كفيلة بأن ترفع من شأن المجتمع برمته وتصلح من شوائبه وتضعه على السكة الصحيحة في طريقه نحو التقدم والتطور والازدهار. أما أذا أهملها أفراد المجتمع وتجاهلوها؛ يتداعى البنيان الاجتماعي ويعم الخراب وتدب الفوضى.

واحدة من هذه القواعد هو في ترسيخ مبدأ: “الوفاء بالعهود والمواثيق ” مهما كانت سطحية وبسيطة وغير معقدة. ليس فقط لأن الوفاء منهج إيماني صريح يؤكد مبدأ الصدق والثقة بين الناس وبغيابه ستمد الخيانة برأسها وسيعم الغش والغدر وستنتشر العداوات بين الناس، بل لأنه أيضاء” يشكل مقياس الوزن الحضاري للقيم التي يتمسك بها أفراد المجتمع، بما تمثله وتعكسه هذه القواعد من مبادئ ومعاني فكرية وإنسانية ودينية.

لذلك نرى كيف أن الحاجة تقتضي إلى تطوير وتحديث التشريعات والقوانين لتواكب مقتضيات ومتطلبات العصر. ومن ضمنها على سبيل المثال لا الحصر المبدأ القائل بأن ” العقد شريعة المتعاقدين”. هذا المبدأ الجوهري يمثل حجر الزاوية الأساسي لإرساء وإنتظام التعامل فيما بين أفراد المجتمع الواحد، بحيث أنه يثبت ويحدد حجم الحقوق والواجبات المنوط والملزمة على كل طرف من الأطراف، إستنادا” إلى بنود النصوص المبرمة ضمن ثناية صفحات تلك الإتفاقيات وحيثيات تلك المعاهدات.

وبما أن الوفاء بالعهود والمواثيق لا تصبح ملزمة إلا إذا كان مبرمة، فأن ضرورة إبرامها بحسب القوانين والنصوص المرعية هو شرط مسبق لضمان وحفظ حقوق كافة الأطراف منعا” لأي إلتباس أو نزاع قد ينشب مستقبلا” نتيجة سوء فهم وقلة إدراك وعدم إنتباه (بقصد أو عن غير قصد مضمر).

وللأسف الشديد، في حال عدم وجود ثقة قاطعة بين الفرقاء المعنيين سلفا”، يقع الكثيرون في “شرك” الإتفاقية الشفوية “الغير مبرمة” رسميا” بحسب الأصول القانونية، كون أن طبيعة تلك الاتفاقيات الشفوية في غالب الأحيان لا تلاحظ “الشياطين الكامنة وراء التفاصيل “، إذا ما استجدت نتيجة ظروف طارئة وغير متوقعة (إذا أحسننا الظن) أو بسبب دوافع مضمرة سابقا” من أحد الأطراف الإتفاقية الشفوية (إذا أسائنا الظن).

في ظل الواقع الاجتماعي الذي يتحسس فيه المواطن بضعف الرادع الوجداني والوازع الديني والأخلاقي لدى البعض وكأننا في أجواء حرب غير معلنة، فأن إتخاذ كل الإجراءات القانونية من خلال تثبيت الإتفاقية بحسب الشروط المرتبطة بالإتفاقيات بين الأفرقاء عبر مكاتب المحاماة أو كاتب العدل هو إجراء احترازي ضروري وضمانة لحقوق الفرقاء المعنيين جميعا”.

في مذكراتها سألت أنديرا غاندي والدها الزعيم جواهر لال نهرا: 

ماذا يحدث في الحرب؟

رد والدها ينهار الاقتصاد

قالت: وماذا بعد إنهيار الاقتصاد؟

أجابها والدها ينهار الأخلاق

قالت: وماذا يحدث أيضا” لو إنهارت الأخلاق؟

رد عليها بمنتهى الحكمة:

وما الذي يبقى في بلد إنهارت أخلاقه؟

يستطيع الإنسان أن يتعايش في أي مجتمع فيه بعض من النقص الغذائي والاقتصادي والترفيهي، إلا إذا ما إنعدمت الأخلاق، والسبب هو أنه عندئذ يسود” اللئام السفلة” وتذهب الأعراف والقوانين والخير، ويتحول كل شيء إلى غابة، ويهذا الوضع تصبح الحياة الكريمة شبه مستحيلة!

Comments are closed.