الامتحانات في لبنان: الانهيار يفرض شروطه

“التعليم في حالة موت سريري” هذه العبارة على قساوتها، إلا أنها تختصر أزمة هذا القطاع في لبنان بحسب رئيسة رابطة التعليم الثانوي ملوك محرز، فالتعليم أصبح مرآة عاكسة لجبل الانهيارات التي تعيشها البلاد، والتي لم تعُد تصلح معها الحلول الترقيعية، وإنما باتت بحاجة إلى حلول جذرية لإصلاح القطاع التربوي، وحفظ كرامة الأستاذ، وتكريس الحق بالتعليم لكل الناس، ورفع جودة التعليم بعد ثلاث سنوات من التعليق الجزئي للمناهج التعليمية.

فلكلور الشهادة الرسمية

وتأتي الشهادة الرسمية هذا العام، وقد شارفت الأزمة المالية والاقتصادية على بلوغ قاع الانهيار، فقد تكرر مشهد دخول الطلاب إلى صفوفهم على ضوء “الهاتف الخليوي” في أكثر من مركز، ليعكس حجم المعاناة التي بلغتها الأسرة التربوية في البلاد. ويعود السبب في ذلك إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مراكز تقديم الامتحانات، لأن فترة التقنين في لبنان تتجاوز 22 ساعة في اليوم، وكان لا بدّ من اللجوء إلى مولدات الاشتراك الخاصة لإضاءة المدارس، في وقت لم يلتزم بعضها بهذا الالتزام.

وفرض هذا الأمر نفسه على امتحانات الشهادة المتوسطة (البريفيه) في يومها الأول حيث تأخر بدء الامتحانات في بعض المراكز، وحاول البعض الآخر تأمين التيار بصورة ذاتية. وبين هذا وذاك، عاش بعض الطلاب توتراً فوق الضغوط الناتجة من الامتحانات بحد ذاتها، وأبدى بعض الطلاب ارتياحهم وشكروا مراقبي الامتحانات على تعاونهم، “كانت الرقابة متساهلة معنا إلى حد كبير”، وأبدوا تفاؤلهم بالنجاح نظراً لسهولة الأسئلة، فضلاً عن اعتماد نظام المواد الاختيارية، وقال أحد الطلاب، “لا يرسب إلا صاحب المستوى الضعيف جداً”.

وبعد امتحانات الشهادة المتوسطة التي تنتهي اليوم الاثنين 27 يونيو (حزيران)، تنطلق امتحانات الشهادة الثانوية، الأربعاء.

معلوم أن هناك استياء كبيراً في صفوف الأساتذة الذين قاطع معظمهم مراقبة الامتحانات، كما سيمتنع آخرون عن المشاركة في تصحيح الامتحانات على الرغم من الوعود التي أطلقها وزير التربية عباس الحلبي، الذي وعد بتأمين حوافز وتقديمات للمراقبين والمصححين بالدولار.

التعليم ليس بخير

ويعيش قطاع التعليم في لبنان أسوأ مراحله على الإطلاق، وتؤكد ملوك محرز رئيسة رابطة التعليم الثانوي أننا نعيش انتكاسات متتالية وصولاً إلى “الأنفاس الأخيرة”، ومنذ عام 2019، تسارع المسار الانحداري للتعليم، وتعدد محرز سلسلة محطات تركت آثارها السلبية على التعليم، من الحراك الشعبي وانقطاع الطلاب عن الصفوف، إلى الإقفال العام بسبب جائحة كورونا، وبدء نظام التعليم من بُعد من دون تأمين الظروف الملائمة والتجهيزات الكافية، ومن ثم الانهيار المالي المتسارع وتآكل أجور الأساتذة، وعجز أهالي التلاميذ عن تأمين أعباء مقومات التعليم، ولفتت إلى أن هذه الوقائع مجتمعة، سببت تراكمات كبيرة “تحاول رابطة التعليم الثانوي من موقعها النقابي معالجتها على قدر الإمكانيات المتاحة”، واعترفت بتراجع نوعية التعليم ومستواه، و”لكن ذلك لا يعود إلى تقصير من الأساتذة أو لعدم الكفاءة، ولكن بسبب الظروف المحيطة بالعملية التعليمية والتي تجعلها مضطربة”.

مسكنات الحوافز

لا تنفي محرز تأثير انهيار الأجور على وضع المعلم، فعليه “تأمين معيشة عائلته، والخدمات الأساسية والبنزين، ومتطلبات التعليم، والطبابة وغيرها من الأمور بأجر لم تعد له قيمة أو قدرة شرائية”، فعلى سبيل المثال، يساوي أجر الأستاذ الثانوي في لبنان ثلاث صفائح بنزين كافية لإيصال الأستاذ لمدة أسبوعين إلى مركز عمله، فماذا عن الاستشفاء والدواء، لذلك تعتقد أن هناك حاجة إلى حلول جذرية، وتختصرها بـ “سنّ تشريعات وقوانين من أجل تصحيح الوضع الوظيفي للأستاذ، وتصحيح الأجور”، إضافة إلى “إصلاح وضع تعاونية موظفي الدولة من أجل تأمين الخدمات الصحية والاستشفائية للأستاذ”. وتشير محرز إلى السعي مع النواب المنتخبين لتقديم مشاريع قوانين من أجل تحسين أوضاع المعلم، بدأت مع اقتراح نيابي برفع بدل النقل وجعله وفق سلم متحرك، بحيث يرتفع تلقائياً في حال ارتفاع سعر الدولار والوقود، ويُنتظر اقتراح قانون آخر لتصحيح أوضاع الأساتذة الذين تضاءلت أجورهم.

وتثير محرز قضية الحوافز والمنح المالية للأساتذة، إذ أعلنت الوزارة عن منحة بقيمة 180 دولاراً، مرة واحدة، ومنحة بقيمة 90 دولاراً شهرية، على أن يتم دفعها بالليرة اللبنانية، وتدعو محرز إلى الإسراع بتسديدها للأساتذة الذين لم يحصلوا عليها بعد، لأنها لم تكن شاملة للجميع، مكررة، “نحن لا نريد مسكنات، التعليم الرسمي بحاجة إلى حلول جذرية”.

الأساتذة يهجرون المدارس

“في الماضي، كان يُنظر للانتساب إلى القطاع العام والتعليم الرسمي على أنه أداة للاستقرار، والمستقبل الآمن. أما اليوم فقد انعكست الآية بسبب تدهور الوضع الوظيفي”، بحسب محرز التي تحذّر من هجرة جماعية للأساتذة.

ترشيق القطاع العام

وترى محرز أننا أمام إمعان مقصود باستهداف القطاع العام والتعليم الرسمي، “الدفع من أجل الخروج من الملاك الرسمي، ومن ثم يأتي المسؤولون ليقولوا: هو من خرج، ولسنا نحن من طالبناه بالاستقالة”، ما سيقود بالتالي إلى نتائج خطيرة على التعليم من خلال تفريغ المدارس من طواقمها التعليمية.

لن يكون هناك عام دراسي في أكتوبر؟

وتقود التوقعات السلبية للوضع المالي والاقتصادي، وبروز طوابير الخبز والتوجه إلى دولرة البنزين، وغيرها من الصعوبات إلى رسم صورة سوداوية لمستقبل التعليم والعام الدراسي المقبل في لبنان، وتشير محرز إلى أنه “في حال استمر المسار الانحداري في البلاد هناك صعوبة في بدء عام دارسي جديد في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل”، لأنه “لا إمكانية للعودة إلى المدارس في حال استمرت الأوضاع كما هي، فالأساتذة والتلاميذ على حد سواء لن يتمكنوا من الالتحاق بمدارسهم”، وتؤكد محرز أنها “تتفهم صرخات الأساتذة المحقة والصادقة”، متعهدة بإعطاء مصلحتهم الأولوية المطلقة والإصرار على الكتل السياسية لإنصافهم.

التعليم الخاص بالدولار

ولا تقتصر حال التعثر على التعليم العام بل تتجاوزه إلى التعليم الخاص، الذي بدأ يتجه نحو “الدولرة”، وعلى الرغم من تحذيرات وزير التربية المؤسسات التي تفرض تسعير الأقساط بالدولار، إلا أن أكثرية المدارس الخاصة تتجه لفرض جزء من الأقساط بالدولار الطازج من أجل الحفاظ على استمرارية المؤسسات التربوية. ويتخوف الأهالي من هذا التوجه، لأنه سيضعهم بين خيارين أحلاهما مرّ، إما حياة تقشف وحرمان لتأمين الأقساط، أو الاضطرار إلى نقل أبنائهم إلى مدارس أخرى ذات أقساط منخفضة، ولكن في مطلق الأحوال، تبقى المحافظة على التعليم الرسمي ضرورة لأنه يجسد “الحق المقدّس بالتعليم” في دولة يعيش معظم مواطنيها تحت خط الفقر.

Follow Us: 

اندبندنت

Leave A Reply