الخلاف مُستمرّ على «الأكثريّة»… والشعب يحتاج لمن يحلّ أزماته الحياتيّة اليوميّة

دوللي بشعلاني – الديار

لا يزال أكبر حزبين مسيحيين يحظيان بتأييد شعبي في الشارع المسيحي يجريان الحسابات لمعرفة أي منهما سيُشكّل فعلياً الكتلة الأكبر مع الحلفاء في المجلس النيابي الجديد. ولا تزال الشخصيات السنيّة المنتخبة تُفكّر كيف ستعمل على وراثة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري على زعامة الطائفة سياسياً، فيما يُفكّر الثنائي الشيعي الذي صمد تحالفه الإنتخابي بالقوة نفسها التي هو عليه سياسياً، كيف جرى خرق لائحته «الأمل والوفاء» في دائرة الجنوب الثالثة من قبل مرشح لائحة «معاً نحو التغيير» عن مقعد الروم الأرثوذكس في قضاء حاصبيا – مرجعيون الياس جرادي مقابل المرشح «القومي» أسعد حردان، فضلاً عن خسارته في كلّ من صيدا مع فشل نبيل الزعتري المدعوم من الرئيس نبيه برّي، وجزّين مع سقوط كلّاً من ابراهيم عازار وزياد أسود وأمل أبو زيد لصالح المرشحين المستقلّين والحزبيين. كما يدرس كلّاً من المير طلال إرسلان ووئام وهّاب كيفية تحقيق لائحة «توحّدنا للتغييرّ»، الخرق على لائحتي «الشراكة والإرادة»، و «لائحة الجبل»، من خلال فوز المرشحين مارك ضوّ في عاليه ونجاة صليبا، وحليمة القعقور في الشوف.

ومع حسابات الربح والخسارة، وتحديد الأحجام الجديدة التي لم تنتهِ بعد، تقول مصادر سياسية إنّ ما يهمّ المواطن اللبناني اليوم مع الإرتفاع غير المسبوق للدولار الأميركي الذي شهدته السوق السوداء بعد الإنتخابات النيابية التي جرت الأحد الماضي، هو قيام المجلس النيابي الجديد بحلّ أزماته التي تتراكم يوماً بعد يوم، وآخرها أزمة الطحين والخبز وارتفاع أسعار المحروقات وسواها. أمّا أن تكون «الأكثرية النيابية» مع هذا الفريق أو ذاك، فأمر لا يحتلّ الأولوية لديه، سيما وأنّه جرّب الجميع طوال العقود الماضية، ولم تُفلح في حلّ مشاكله، باستثناء الوجوه النيابية الجديدة التي لا يُشكِّل عددها أكثرية في البرلمان المنتخب. فما الذي ستقدّمه «الأكثرية الجديدة» للشعب اللبناني لإيجاد فرص عمل له، والحدّ من هجرة الشباب والطلّاب وحلّ الأزمة الإقتصادية والمالية الراهنة وتحرير أموال المودعين، وتأمين الكهرباء والدواء والتعليم والإستشفاء، وما الى ذلك؟!

وتساءلت أيضاً ما هو المشروع الذي سيُقدِّمه المُرَشَّحون الذي رفعوا شعار «نزع سلاح حزب الله»، كعنوان أساسي لحملتهم الإنتخابية «، وفازوا على أساسه؟! علماً بأنّ بحث مسألة الاستراتيجية الدفاعية لن يجري طرحه حالياً من قبل أي كتلة نيابية، حتى من قبل نوّاب «التغيير» الذين يدخلون الى البرلمان للمرّة الأولى، كونه لا يُشكِّل أولوية لهم وللشعب اللبناني مقارنة بالملفات الحياتية والمعيشية اليومية الملحّة، كما أنّه عنوان لا بدّ من مناقشته على طاولة الحوار أو في مؤتمر تأسيسي للتوافق على «عقد سياسي جديد».

وأكّدت المصادر نفسها أنّ الشعب اللبناني الذي بقي أكثر من نصف ناخبيه «صامتاً» يوم الإستحقاق النيابي، يودّ معرفة ما الذي سيفعله له المجلس النيابي المنتخب، وما هي مشاريع القوانين التي سيُنجزها خدمة للصالح العام. ولهذا، فإنّ المتحمّسين للعمل البرلماني من «تغييرين» ومستقلّين ومعارضين سيحملون فور دخولهم البرلمان واستئناف عمله، مسودات مشاريع نائمة في الأدراج منذ سنوات مثل ضمان الشيخوخة والرعاية الصحيّة، وقانون الإيجارات الذي يحتاج الى تعديلات كثيرة، وسواهما. فضلاً عن طرح تعديل قانون الإنتخاب الحالي من قبل بعض الكتل التي لم يخدم مصالحها منذ الآن، فيما يتعلّق بالبطاقة الممغنطة والميغاسنتر، وحتى اعتماد نظام آخر أو تقسيمات أخرى للدوائر الإنتخابية تكون أكثر تمثيلاً للشعب، لكي لا يُقال بعد أربع سنوات أن «لا وقت للتعديل».

غير أنّه لا بدّ أولاً من تشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على استكمال مهمة الإنقاذ وتوقيع الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي. وتقول المصادر بأنّ هذا الأمر لا يبدو سهلاً مع تعدّد الكتل التي سيشهدها المجلس المنتخب، وعدم التوافق بطبيعة الحال، على نوع الحكومة ولا على إسم رئيسها، كون لكلّ كتلة نظرتها المختلفة حول هذين الأمرين. فالقوى الحزبية المتحالفة تتمسّك بما كان سائداً في غالبية السنوات الماضية أي بحكومة «الوحدة الوطنية»، فيما تجد قوى المعارضة و«التغيير» بأنّ تشكيل حكومة تكنوقراط يرأسها شخصية مستقلّة هو الذي يجب أن يحصل لإخراج البلاد من أزماتها، حتى وإن ضمّت وزراء لا يُمَثلون الكتل النيابية وأحجامها وطوائفها.

ولعلّ هذا الإنقسام المبدئي في وجهات النظر بين الكتل النيابية الجديدة، على ما أشارت المصادر عينها، من شأنه أن يُصعّب مسألة ولادة الحكومة الجديدة. كما أنّه قد يطيل عمر الحكومة الحالية في تصريف الأعمال، الأمر الذي قد يحدّ من إنجازاتها، حتى وإن أرادت استكمال الإصلاحات المطلوبة. وقد يستمرّ هذا الأمر لأشهر عدّة، الى حين حصول تسوية إقليمية ودولية من شأنها التأثير على المشهد الحكومي الذي يُتوقَّع أن يشهد جموداً في المرحلة المقبلة. علماً بأنّ الحكومة الجديدة ستكون مؤقتة كونها تُعتبر مستقيلة فور انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، ولهذا لا يجب عرقلة تشكيلها سريعاً، على ما تنصح دول الخارج.

وتخشى المصادر في المقابل، أن يطول الجمود الحكومي حتى موعد الإستحقاق الرئاسي المرتقب في تشرين الأول من العام الحالي، لأنّ مثل هذا الأمر قد يخلق تشنّجات ومواجهات سياسية عدّة قد لا تؤدي في نهاية المطاف الى الإتفاق على إسم رئيس الجمهورية الجديد، ما يُدخل البلاد في شغور رئاسي هي بغنى عنه، في ظلّ أزماتها المرشّحة الى التفاقم يوماً بعد يوم.

Leave A Reply