متّى تنصفُ النّساءُ النّساءَ في الانتخابات؟* %51؜ ينتخبنَ 4.6% فقط!

ملاك أبو حمدان –

يبلغ عدد الناخبين اللبنانيين نحو 3 ملايين و970 الف ناخب على لوائح الشطب التي اعتمدتها وزارة الداخلية لانتخابات ٢٠٢٢، 51% منهم إناث في مقابل 49% للذكور، علمًا أنّ 6 سيدات فقط فازت في مجلس 2018 بنسبة لا تتجاوز 4.6%!
فلماذا لا تنتخب النساءُ النساءَ؟
يرى بعض المختصّين في الشّأنين السّياسيّ والاجتماعيّ بأنّ ابتعاد المرأة عن واجهة العمل السياسي يعود إلى الحدود المرسومة لها داخل البيئة الاجتماعيّة الشّرقيّة، حيث تغلب النّزعة الذّكوريّة على كافّة مجالات الحياة!
ونرى انعكاسات هذا الواقع في تركيبة الأحزاب والقوى السّياسيّة اللّبنانيّة، فنجد نسبة ضئيلة للنّساء في المكاتب السياسية، والمراكز القياديّة، وكذلك في الترشيحات النّيابيّة وعلى مستوى التّوزير في الحكومة، رغم رفع الأحزاب نفسها شعارات تحفيز المرأة وصيانة حقوقها!
ولكن، هل قدّمت المرأة اللّبنانية نماذج مشجعة؟ وهل تقدّم خطوات تؤهّلها لنيل ثقة المجتمع بقدراتها؟
مؤخّرًا أدّت الحركات النّسوية في حراك ١٧ تشرين أدواراً أساسيّة، كأي مواطن يعاني من تعنّت السلطة ويطالب بحقوقه. حيث شاركت النساء في قطع الطرقات والتظاهرات، وتعرضت للتّعنيف والتوقيف.
وسعت الجمعيّات النّسويّة في هذه التحركات إلى فرض قضاياها كأولوية على الساحة اللبنانية، وخاصة فيما يتعلّق بمشاركتها في الحياة السياسة التي لا تزال نسبتها متدنية، رغم أن لبنان كان أول بلد عربي يمنح المرأة حقوقها السياسية في الترشّح والتصويت، وذلك منذ العام 1953.
“ميرنا البستاتي” كانت السّيّدة الأولى التي انتخبت عام 1963 كنائب في البرلمان اللبناني خلفًا لوالدها النائب “اميل البستاني”. إلا أنّ التمثيل السياسي لم يتبدّل كثيراً مع السنوات، فلم يرتفع عدد النساء في المجلس النيابي كثيرًا من العام 1992 حتّى العام 2018 متراوحًا بين ثلاثة وستّة نوّاب.
هذا التهميش أو التّقصير الحاصل دفع بالنسوية إلى التحرّك رفضًا لإقصاء المرأة عن العمل السّياسي، واعتبارها “صوتًا انتخابيًّا” يتمّ الاهتمام به فقط في فترة الانتخابات بهدف الاستفادة منه.
وفي هذا الإطار، ارتفع عدد المرشّحات من 111 عام 2018 إلى 155 عام 2022. ومعتمدات أيضاً على  تجارب نسائية لبنانية أثبتت حضورها السّياسيّ والاجتماعيّ المؤثّر، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر النّائبة “بولا يعقوبيان” التي بدأت حياتها المهنية في مجال الإعلام، وانتقلت إلى العمل السياسي عام 2018، من خلال ترشحها في دائرة بيروت الأولى على لائحة “كلنا وطني” وتبنّت خطاب المعارضة ضد أحزاب السلطة.
نجحت “يعقوبيان” في إضفاء حركة على المجلس النيابي، ورغم استقالتها إثر حراك 17 تشرين، قدّمت عددًا من القوانين المتعلقة بالمرأة وحقوقها، منها:
– إلغاء حبس الأم إكراهاً في حال امتناعها عن تسليم ولدها.
– قانون إلغاء التمييز ضد المرأة.
– تعديل مواد في قانون مكافحة العنف الأسري والعنف ضد المرأة.
بعد استقالتها من المجلس، الذي لم تعد مجدية معارضتها من داخله، حسب رأيها، راحت تعمل مع مجموعات الحراك المدنيّ متمرّدة على النظام القائم بغية التغيير، مع تشديد دعوتها إلى المحاسبة عبر صناديق الاقتراع.
من جهة أخرى، برز اسم الدكتورة عناية عز الدين الوزيرة الأولى في حكومة العهد الأولى عام 2016، حيث تسلّمت “عزّ الدّين” وزارة الدولة لشؤون التنمية، واستطاعت لفت الأنظار إلى أدائها العمليّ وخطابها المتّزن، وتقدّمت بعدّة مشاريع مهمّة، منها:
– مشروع الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.
– مشروع الاستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي، وهو أهم وسيلة تساعد في الإصلاح الإداري ومكننة الأعمال الإدارية، لتسهيل حياة المواطن وتحقيق الشفافية.
أثبتت الدّكتورة “عزالدين” جدارتها في الميدان السياسي فرشّحتها حركة “أمل” لخوض الانتخابات في دائرة الجنوب الثّانية، وترأست “عزالدين” بعد فوزها “لجنة المرأة والطفل” وعملت على أمور عدّة، أبرزها:
– معالجة موضوع الجنسية للطفل من أم لبنانية من منطلق العدالة.
– تعديلات فيما يخص الضمان الاجتماعي.
– قانون تجريم التحرش الجنسي.
– العنف الأسري.
– اقتراح قانون يرمي إلى تعديل بعض المواد المتعلقة بقانون انتخاب المجلس النيابي، بهدف تفعيل دور المرأة عبر إدخال الكوتا النسائية في قانون الانتخاب.
أداء السّيّدتين “عزّ الدّين” و “يعقوبيان” إضافة إلى غيرهما من السّيّدات يثبت بالتّجربة كفاءة المرأة وجدارتها وقدرتها على مواكبة هموم النّاس وتطلّعاتهم ورفع لواء القضايا الاجتماعيّة والسّياسيّة بجدارة واقتدار، فإذا استطاعت المرأة اقناع قريناتها بقدرتها على مجاراة الرّجال، وربّما التّفوّق عليهم، فستشكلّ قوّة فاعلة في صناديق الاقتراع، من دون الحاجة إلى “كوتا نسائية” تبدو وكأنّها جائزة ترضية، لأنّ أصوات النساء كافية لإنصاف النساء، بل قادرة على قلب المعادلة رأسًا على عقب!
لا شكّ بأنّ ذلك الهدف يحتاج مسارًا طويلًا وطريقًا شاقًّا حتّى بلوغه، ولكن، هل سنلحظُ تغييراً ملموساً على صعيد التمثيل النسوي في الانتخابات القادمة؟ أمّ أنّ شعارات 17 تشرين ذهبت أدراج الرّياح!

Leave A Reply