الإصلاحات العاجلة تعيد ثقة المجتمع الدولي والدول الخليجية بالحكومة لإنهاض لبنان

دوللي بشعلاني – الديار

بعد عودة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من زيارته المزدوجة الى فرنسا وبريطانيا، ينطلق الأسبوع الجاري لعقد الإجتماعات الأساسية، أكان في قصر بعبدا، أو في السراي الحكومي، لإعادة إطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولعقد الجلسات الأولى لمجلس الوزراء وعمل اللجان الوزارية المكلّفة دراسة الملفات، والمشاكل الآنية التي تنوي الحكومة معالجتها، وإيجاد الحلول المناسبة لها مثل البطاقة التمويلية وتأمين المحروقات والكهرباء الدواء والسلع الغذائية، الى جانب بدء التحضير من قبل وزيري الداخلية والبلديات بسّام المولوي والخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب للانتخابات النيابية المقبلة وكأنها تجري في مواعيدها الدستورية. وبعد الشروط التي وضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على حكومة ميقاتي حول ضرورة تحقيق الإصلاحات المطلوبة للحصول على المساعدات المالية من المجتمع الدولي عن طريق مؤتمر الدعم الدولي الجديد الذي ينوي ماكرون الدعوة اليه في تشرين الأول المقبل، يوفد الى بيروت هذا الأسبوع المستشار الرئاسي باتريك دوريل، والمفوّض متابعة تنفيذ قرارات مؤتمر «سيدر» السفير بيار دوكان، بالتزامن مع وصول ممثلي صندوق النقد الدولي الى بيروت، لمواكبة انطلاق التفاوض معه والمساعدة في تقديم المشورة عن كيفية وضع الخطط الإصلاحية، ومن أجل التحضير لمؤتمر الدعم الجديد.

ويقوم الموفدان الفرنسيان، على ما تقول أوساط ديبلوماسية عليمة، بمهمة التنسيق والإشراف على المفاوضات مع الصندوق بهدف تأمين التمويل والدعم للبنان لتحقيق الإصلاحات المطلوبة وعلى رأسها تأمين الكهرباء. ويضع لبنان في خططه إمكانية تأمين 14 ساعة تغذية يومياً من كهرباء الدولة، على أن يتمّ ذلك في غضون أسابيع، فيما يتطلّب الانتهاء من وضع المشاريع مع الصندوق منذ انطلاق العمل نحو ثلاثة أشهر أي حتى نهاية العام الجاري. وتتضمّن هذه الأخيرة إعادة رسملة القطاعات وإعادة هيكلة بعضها مثل القطاع المصرفي، والحوكمة وما الى ذلك.

فالإصلاحات، على ما أضافت الاوساط ، هي العنوان الأبرز الذي تشدّد عليه فرنسا وشركاؤها الأوروبيون، كمدخل أساسي لحصول الحكومة اللبنانية على المساعدات الدولية وخصوصاً أنّ دولاً عديدة تعيد دراسة موقفها من تقديم الدعم للبنان ومن حجم المساعدات التي تنوي تقديمها له، لا سيما مع بقاء البلاد 13 شهراً من دون حكومة فعلية رغم كلّ المطالبات والنداءات الدولية، الأمر الذي جعل هذه الأخيرة تفقد الثقة بالسياسيين اللبنانيين.

أمّا اليوم ومع ولادة «حكومة معاً للإنقاذ» برئاسة ميقاتي الذي قام بزيارة مزدوجة الى كلّ من باريس ولندن، بهدف إعادة فتح بوّابة لبنان على دول الخارج، واستعادة ثقتها، والتي ينوي متابعتها بالتوازي مع الحركة الداخلية التي انطلقت من قبل حكومته، واللجان الوزارية لإيجاد الحلول لبعض المشاكل اليومية التي يعاني منها المواطنين، فإنّ دول الخارج ستعيد النظر بموقفها من دعم لبنان الذي تبدّل عمّا كان عليه في مؤتمر «سيدر» الذي أفضى الى تقديم قروض وهبات ميسّرة بقيمة أكثر من 11 مليار دولار.

وتجد الاوساط أنّ الرئيس ماكرون الذي سيدعو المجتمع الدولي، وكذلك المجتمع العربي ، لا سيما الدول الخليجية، ويُشجّعه على مدّ يدّ المساعدة للبنان خلال المؤتمر المنتظر، يودّ أن يستعيد هذا المجتمع الثقة بحكومة لبنان بنفسه، من خلال تقديمها ما يُمكن أن تنجزه خلال شهر من عودة المفاوضات والتوافق مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة والمجموعات الدولية التي جرى تشكيلها لدعم لبنان والتي ستبدأ في ظلّ وجود الموفدين الفرنسيين دوريل ودوكان هذا الأسبوع، لوضع الإصلاحات على السكّة الصحيحة. فما سيتمّ التوقيع عليه من إصلاحات موعودة وفق خطط وتواريخ محدّدة، على ما تتوقّع، من شأنه أن يُبدّل موقف دول العالم إيجاباً تجاه دعم لبنان.

وتقول الأوساط نفسها انّ المفاوضات مع الصندوق سيُعاد إطلاقها من حيث توقّفت مع حكومة الرئيس حسّان دياب السابقة، وما تضمّنه البيان الوزاري في ما يتعلّق بخطّة التعافي الإقتصادي وإعادة نهوضه سريعاً، ولا بدّ بالتأكيد من البدء بحلّ مشكلة الكهرباء والوقود والبنى التحتية وما الى ذلك. أمّا المسار الذي ستسلكه الحكومة الجديدة فيبدأ بالاتفاق أولاً مع صندوق النقد، ومن ثمّ إعادة تنظيم القطاع المصرفي، فضلاً عن دراسة كيفية تغطية الخسائر بالتوافق مع الصندوق. وهذه الأساسيات مطلوبة منذ سنوات، وتُشكّل نقطة الإنطلاق للخروج من الأزمة الإقتصادية والمالية ولكي تصبح الطريق سالكة أمام الحكومة. ومن خلال مواكبة فرنسا لانطلاق المفاوضات، سيكون هناك تأكيد فرنسي على أنّه اذا سلك لبنان هذا الطريق، فسيتمّ تأمين تنفيذ الاصلاحات من خلال التمويل والمساعدات الدولية التي سيحصل عليها من المؤتمر. علماً بأنّه لا يُعوّل كثيراً على هذا الأخير لمدّ لبنان بمبالغ طائلة، إنَّما بما يكفيه لتنفيذ المشاريع الإصلاحية العاجلة.

وأشارت الاوساط عينها الى أنّ ثمة دولا أوروبية وغربية وعربية تودّ مساعدة لبنان فعلاً، وسيظهر ذلك من خلال ما ستقدّمه له من مساعدات مالية أو عينية في مؤتمر الدعم، غير أنّ الطريق مع بعض الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية غير مفتوحة، ولا تُشكِّل بالتالي القسم الأكبر من أموال مؤتمر «سيدر»، وما يهمّ لبنان في هذا السياق، هو إعادة انتظام العلاقات الاقتصادية والتجارية معها. فالعلاقات المبنية بين لبنان ودول الخليج مهمّة جدّاً، وسوف تساعد فرنسا على تعزيزها عن طريق استعادة الثقة فيما بينها وبين لبنان.

وأكّدت الاوساط أنّ حكومة ميقاتي المدعومة من قبل فرنسا والدول الأوروبية ستضع أمامها التسهيلات للقيام بالإصلاحات، وإن كانت المهمّة ليست سهلة أمامها وتتطلّب وقتاً ليس قصيراً، نسبة الى عمرها الذي ينتهي، بحسب القانون، بعد إجراء الإنتخابات في ربيع العام المقبل بحسب مواعيدها الدستورية، وانتخاب مجلس نيابي جديد، وهذا يعني أنّ الأشهر القليلة المقبلة التي تفصل الحكومة عن هذه الإنتخابات، ستضع خلالها الإصلاحات على السكّة الصحيحة، وتبدأ بإنجاز ما يمكنها تنفيذه، تزامناً مع بدء التحضير للإنتخابات النيابية التي تتفق القوى والأحزاب السياسية على ضرورة إجرائها في موعدها.

وبرأي الاوساط ، أنّه أمام حكومة ميقاتي نحو 6 أشهر للقيام بالإصلاحات العاجلة، قبل دخول البلاد في الحملات الإنتخابية، وإن كانت تتطلّب وقتاً لكي تُنجز، فالأهمّ أن تتخذ الحكومة القرارات الأساسية لها، وهذه الأخيرة لا تحتاج الى الكثير من الوقت. فانطلاق المفاوضات مع الصندوق هي الطريق الصحيح لدخول لبنان مجدّداً على خط استعادة الثقة من قبل الداخل والخارج، لتأتي بعدها الانتخابات النيابية في موعدها، ومن ثمّ يتمّ التوافق مجدّداً على تشكيل حكومة جديدة، وبعدها على إجراء الانتخابات الرئاسية في تشرين الاول من العام المقبل.

ومن دون تحقيق الإصلاحات اللازمة والاستحقاقات في مواعيدها الدستورية، فإنّ الاتفاقات وتوقيع العقود والمشاريع الانمائية تبقى حبراً على ورق، تؤكد الاوساط، ولا تسلك خطة التعافي الاقتصادي الطريق المناسب لانتشال لبنان من الغرق. لهذا على المسؤولين تحمّل المسؤولية ووضع الخطط والعمل سريعاً لإيصال لبنان الى شاطىء الأمان سريعاً قبل أن يفقد الجزء الباقي من شبابه وأدمغته.

Leave A Reply