باريس مستعدة لدعم الحكومة… لمنع “الفوضى الكاملة”

رضوان عقيل – النهار

لم يأت الاهتمام الفرنسي بلبنان وليد الاحداث والتطورات الاخيرة على أرضه المشبعة بالأزمات والتناقضات. وأثبتت أكثر من محطة أن التزام باريس وعلاقتها عضوية باللبنانيين وان اخذت اشكالا مختلفة في مراحل معينة. يزورها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد مساهمتها في تأليف الحكومة. ويستند الرجل إلى علاقته الجيدة مع الرئيس ايمانويل ماكرون فضلا عن قنوات صديقة مع “ايادي قديمة” صاحبة حضور في الاليزيه ووزارة الخارجية واصحاب شركات في القطاع الخاص.

وما يشغل الفرنسيين على الدوام هو استمرارية المؤسسات في لبنان على الرغم من كل ما تعانيه واستفادوا هذه المرة من علاقتهم القديمة – الجديدة مع إيران وحماسة رئيسها ابرهيم رئيسي في تمتين قنوات التواصل معها. ولا يريد الفرنسيون بحسب متابعين ترك لبنان للسياسات الإيرانية بعد الانكفاءة السعودية منذ بدء ولاية الرئيس ميشال عون.

ولم يصل رئيس فرنسي إلى سدة الرئاسة إلا وكان لبنان في أجندة اهتماماته وسؤاله حيال اي تقصير من دولته مع لبنان. ومن غير المستغرب ان يستثمر ماكرون إنجازه اللبناني هذا في حملته الانتخابية الرئاسية.

ومنذ الاعلان عن تشكيلة الحكومة انشغلت دوائر الرصد والمتابعة في اكثر من سفارة غربية في بيروت في متابعة هوية الاعضاء الذين تم تعيينهم وتشريح سيرهم وانتماءاتهم السياسية. ولم يخرج اكثر من رئيس بعثة بانطباعات مشجعة حول عدد من الوجوه إلى درجة ان سفيرا اوربيا مواكبا خرج ليقول رغم ارتياحه لما انتهت اليه رحلة التأليف وولادة مجلس الوزراء ان ثمة اعضاء في صفوفه “لا يعرفون نقل ملف من طاولة إلى أخرى”.

لا ينطبق هذا الحكم القاسي على كامل التشكيلة مع ابداء الارتياح المفتوح حيال ميقاتي وتمكنه بالتعاون مع الرئيس ميشال عون في الافراج عن مراسيم التأليف. وتشكل زيارة رئيس الحكومة إلى باريس وسط كل هذا الاحتضان من ماكرون ورعايته دلالة ايجابية تصب في مصلحة ميقاتي الذي يعتبره “دينامو” هذه التوليفة التي تنتظرها رزمة من الاعمال والمشاريع لتخرج على اللبنانيين وتقول انها انجزت ووفرت حلولا لجملة من الضغوط والتحديات. ويبقى الاهم عند أكثر من دولة معنية بالملف اللبناني ومنح الحكومة فرصة المئة يوم، لأنه بعد هذا التاريخ سيدخل الجميع في مسلسل الانتخابات النيابية الذي يتحضر له الافرقاء بشدة نظر إلى ما ستحمله نتائج صناديق الاقتراع على المشهد السياسي في البلد. ويتم التركيز على كيفية المقاربة التي سترسمها الحكومة حيال ملفين اكثر من حساسين يتمثل الاول في الموقف النهائي الذي سيعلنه لبنان حيال ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل في الجنوب وما اذا كانت الحكومة ستقدم على تعديل المرسوم 6433 وترسله إلى الامم المتحدة ومنع تل أبيب في التنقيب في المساحة المتنازع عليها.

وفي وسط كل هذا الشريط من الملفات والازمات العالقة تجمع أكثر من جهة ديبلوماسية على حيوية ميقاتي وبراغماتيته القادرة على تدوير الزوايا وعدم وقوعه في اي ازمة مع الاطراف التي يلتقيها ولذلك ينظر اليم بأنه في موقع “رجل المرحلة الصعبة” لإنقاذ ما تبقى من مؤسسات البلد ووزارتها التي تحولت اشلاء. ويعرف الغربيون والعاملون في الصناديق والمنظمات الدولية حقيقة ما وصل اليه البلد. ولم يعد يجدي كل الحديث عن تطبيق القوانين والاصلاحات على اهميتها قبل التوقف عن هذا الحفر في القعر الذي وصل اليه المسؤولون اولاً.

وفي انتظار تجاوز هذه المرحلة الانتقالية إلى حين موعد دخول الجميع في استحقاق الانتخابات النيابية ينتظر العالم تلمس اتخاذ قرارات سياسية في ملفات حساسة في حقلي الكهرباء والاتصالات الساخنين على مدار الحكومات المتعاقبة ولا سيما منذ العام 2005 إلى اليوم. وإذا لم يقدم افرقاء الحكومة رؤية موحدة حيال هذين القطاعين فان الاشتباك السياسي سيتصدر المشهد في جلسات الحكومة في قصر بعبدا والسرايا. ويجري التوقف طويلا هنا معاينة كيفية تعاطي الحكومة مع مبلغ المليار و135 مليون دولار الذي حصلت عليه من صندوق النقد الدولي وكيف سيتم انفاقه ووفق اي معايير منعا من الوقوع في مستنقع هدر أرقام سابقة حصل عليها أكثر من حكومة ولم تأخذ طريقها إلى الاماكن الصحيحة. ولذلك تعلن اكثر من يعثة ديبلوماسية انه بعد تشكيل الحكومة والانجاز الذي تحقق في هذا الخصوص لا مفر من تطبيق جملة من الإصلاحات وكيفية تبيان الشراكة بين القطاعين العام والخاص ووفق اي معايير وتطبيق القوانين التي انجزها مجلس النواب لان لا قيمة لها اذا لم تسلك طريقها لدى السلطة التنفيذية. المطالبة باتخاذ قرارات سياسية جدية تحظى على تفويض من الكتل والقوى التي سمت اعضاء الحكومة.

وفي انتظار حصيلة زيارة ميقاتي إلى باريس سيتم التوقف عند سقف التفاهم الفرنسي- الإيراني الذي ساعد في شكل كبير في تأليف الحكومة وما اذا كان هذا التعاون سيقتصر على حدود المساهمة في ولادة الحكومة فحسب او سيشمل نقاطا أخرى بعد التأليف، وهذا على الارجح لتأمين المواكبة المطلوبة لها انطلاقا من موقع باريس وعلاقاتها مع بلدان الخليج والمجتمع الدولي لمواكبة الحكومة والعمل على انقاذ بلد نخرته الازمات وسياسة المناكفات التي ستزداد سخونة اكثر كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية.

Leave A Reply