ما الذي حدا ببري إلى رفع بطاقة الاعتراض والتوجس؟

ابراهيم بيرم – النهار

كان لافتا في الساعات القليلة الماضية أن يبادر رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رفع الصوت عاليا اعتراضا على المسار الذي تسلكه منذ فترة عملية تأليف الحكومة المنتظرة.

فبعد احتجاب مستمر عن الأدلاء بأية مواقف منذ بداية تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، ومن دون أية مقدمات، علا صوت الرئيس بري مكررا التذكير بموقفه القطعي الرافض إعطاء الثلث الضامن في الحكومة الموعودة لأي مكوّن من مكوناتها، مشككاً في الوقت عينه بما يحكى عن مناخات إيجابية في الآونة الاخيرة تحدثت عن أن عملية التأليف باتت قاب قوسين أو أدني.

ومضى بري بعيدا في تشاؤمه هذا عندما قال بالمختصر المفيد: “اننا لا نملك الا الدعاء لتقريب موعد الانفراج”، وهو قول يتسلح به عادة المستشعرون بانسداد الافق امام مسعى معيّن يعتزمون المضي به قدماً او هم راهنوا عليه وخابت رهاناتهم، ما يعني في تفسير البعض ان الامور باتت في طور الاختناق والاستعصاء إلى درجة انه يلزمها معجزة إلهية من شأنها ان تقلب الامور رأسا على عقب.

انها إذاً صرخة اعتراض واحتجاج قاسية اللهجة تصعد من “قلب مجروح” احتجاجا على واقع سياسي معيوش يراه يسلك صراطا غير مستقيم.

هكذا يختصر زوار عين التينة وصفهم وتعريفهم للاداء الاستنكاري الذي أتى فجأة من صوب مقر الرئاسة الثانية.

لماذا وما هي الابعاد والمعطيات التي جعلت رئيس المجلس يطلق هذا التحذير بعد وقت قصير من وضعه وشاحا قلّده اياه رئيس الجمهورية على جثمان رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان قبيل تشييعه إلى مثواه الاخير؟

يقول عضو كتلة “التنمية والتحرير” التي يرأسها الرئيس بري والقيادي المخضرم في حركة “امل” النائب محمد نصرالله لـ “النهار” ان الرئيس بري اختار في الاسابيع الماضية التي تلت عملية تكليف ميقاتي الاعتصام بقلعة الصمت منحازا إلى دور الراصد والمراقب لمسار مفاوضات التأليف الجارية على قدم وساق، ولما يتخللها من عروض وافكار متبادلة، ايمانا منه بضرورة اعطاء الفرصة كاملة لطرفَي التأليف لكي يدوّرا الزوايا ويبددا الهواجس ومن ثم يتوصلان إلى صيغة تسووية مقبولة ومعقولة من شأنها ان تعجل في دفع الحكومة الموعودة إلى دائرة النور وتعزز كوة الضوء الواعدة عند الناس الذين ينتظرون الولادة الحكومية على أحر من الجمر بعدما اوشكت الكوارث ان تعصف بهم وبحياتهم اليومية.

لكن، يضيف نصرالله، “لم يعد السكوت في الايام الاخيرة حكمة، وتحديدا عندما لمس دولة الرئيس بري لمس اليد ان ثمة محاولات دؤوبة لتجاوز مبدأ اقر الجميع به بداية وهو انهم ملتزمون الخط الاحمر الذي يؤكد ان لا ثلث ضامنا لأحد. لقد وجد الرئيس بري ان هناك محاولات تشاطر وتذاكٍ تلجأ اليها الرئاسة الاولى وفريقها السياسي للقبض على الثلث الضامن بطريقة التفافية وتسللية وكأن الحراس المعنيين قد غفوا او انهم عاجزون عن ادراك كنه الاشياء”.

وعليه، يستطرد النائب عن البقاع الغربي نصرالله، “ان الصمت ازاء هذه المناورات امر غير مستساغ ولا مقبول، لذا كان لا بد من رفع بطاقة الاعتراض والتنبيه ليعاود المعنيون مراجعة خياراتهم وتصحيح ما اعوجّ منها”.

ورداً على سؤال قال: “اننا نجد سوء نية مضمرة من خلال السعي الشرس الذي يبديه الفريق الرئاسي للحصول منفردين على الثلث الضامن بأي شكل”.

وذكر نصرالله انه في وقت سابق قال موفد “حزب الله” لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ما معناه: لماذا تسعون بهذه الطريقة للحصول على الثلث الضامن، اذ نحن واياكم في الحكومة المقبلة نشكل اكثر من ثلث ضامن، فعلام الخوف ولماذا تضعون انفسكم في موضع المعرقل للتأليف؟ فردّ باسيل: لا نقبل ولا نطمئن إلا إذا حصلنا منفردين على هذا الثلث الضامن.

واستطرد: “وانا استغرب كيف ان الحزب يطيل باله على اداء هذا الفريق وتكرار محاولاته المشبوهة، ربما ان هناك حكمة يجدها الحزب قبل سواه. لكننا نحن لن نغضّ الطرف ابدا عن محاولات التسلل إلى الثلث الضامن ولن نقبل به بأي شكل”.

ورداً على سؤال آخر اجاب نصرالله ان “المعطيات المتوافرة عندنا لحد الآن تعطي انطباعا بان امر التأليف ما زال في دائرة المراوحة. ونحن غير مقتنعين بتبرير ان الخلاف المؤخِّر للولادة الحكومية يتمحور حول الحصص والاسماء، اذ اننا نخشى ان يكون التعطيل والتعويق الحاصل أبعد من ذلك وسنبقى على هذا الهاجس إلى ان يثبت لنا العكس”.

وقال: “نستذكر في هذا المقام ما سبق وقاله امامنا المغيّب موسى الصدر في اواخر السبعينات من القرن الماضي ومفاده: ان مشكلة لبنان ان رجالا صغارا حكموه وارادوا ان يجعلوه على شاكلتهم ووفق حجمهم. وكأني بهذا الامام العظيم قد استشرف قبل اربعة عقود واقعا سياسيا شديد التعقيد. وفحوى شكواه من ذلك الزمن الغابر ان ثمة سياسيين وزعماء يرفضون الا ان يضعوا مصالحهم الفئوية الضيقة فوق كل الاعتبارات الوطنية الكبرى”.

وعما إذا كان يتوقع ان تثمر المفاوضات التي يقال إنها لم تتوقف إلى الان خلف الخطوط المرئية ولادة الحكومة في نهاية المطاف، خصوصا ان الجميع استهلكوا كل الخيارات والمناورات؟

أجاب نصرالله: “يؤسفنا ان ما من معطى يبشّر بأن الامور ذاهبة بالضرورة نحو الانفراج الوشيك، لا بل ان تقديرنا لمسار الامور وما يُطرح في جلسات التفاوض توحي بان الرئيس ميقاتي بات اقرب إلى الاعتكاف منه إلى اي امر آخر. وهو وفق معلوماتنا يمارس نوعا من الاعتكاف غير المعلن منذ نحو اسبوع، فلا كلام ولا تحرك يعتدّ به وهو في منزله يستقبل بين الحين والآخر وسيطا من هنا او ساعي خير متطوع من جهة اخرى. وهذا برأينا واقع غير صحي بعد انقضاء اكثر من شهر على التكليف، خصوصا انه اذا ما تيقنا من ان ثمة اكثر من عشر صيغ وعشرات الاسماء المرشحة للتوزير قد غطّت ثم طارت فجأة”.

وختاما يعرب نصرالله عن خشيته من أن يذهب الرئيس ميقاتي إلى منطقة الاعتكاف حيث لا عزوف ولا تأليف.

Leave A Reply