هل ستجرؤ الحكومة العتيدة على اتخاذ قرار رفع الدعم؟

سلوى بعلبكي – النهار

ليس جديدا القول ان ازمات لبنان الاقتصادية والنقدية نتجت في كثير من المراحل عن اختلالات في البنية الاقتصادية وضمور وسائل الانتاج وغياب التشريعات والخطط الحديثة التي تتماهى مع الاقتصاد العالمي.

حاليا بات الشأن الاقتصادي محطّ أنظار كافة المراقبين الدوليين والمحليين، خصوصا في أعقاب تحذير البنك الدولي من أن لبنان غارق في انهيار اقتصادي قد يضعه ضمن أسوأ 10 أزمات عالمية وربما ضمن أشد 3 أزمات منذ منتصف القرن التاسع عشر، وذلك في غياب فاضح لأي حلول في الأفق تخرجه من واقع متردّ يفاقمه شلل سياسي منذ ما يقارب العشرة الأشهر. من هنا، بات اللبنانيون المتكدسون على ابواب الصيدليات والأفران ومحطات الوقود ويعيشون في ظلمة وظلم ما اعتادوه في تاريخهم الحديث، يتساءلون يومياً عمّا قد ينتظرهم خلال المرحلة المقبلة، هل من انفراج اقتصادي يلوح في الأفق… أم أن البلاد متجهة نحو انفجار اجتماعي مع تلاشي كلّ المقومات الحياتية الأساسية من كهرباء وماء ومحروقات وانعدام في القدرة الشرائية؟

شهد لبنان هذه السنة أزمة محروقات مخيفة أدت إلى طوابير ذل على مساحة كل البلد، وهو أمر بديهي مع تراجع الاحتياطات الأجنبية وعدم قدرة مصرف لبنان على تمويل استيراد المشتقات النفطية من فيول أويل ومازوت وبنزين وغاز، والتي تقدّر قيمتها ما بين 3 و4 مليارات دولار سنوياً. وبالتالي، بدأت أزمة المحروقات عندما بدأ مصرف لبنان عملية تقنين فتح الاعتمادات المطلوبة لاستيراد هذه المواد الحارقة التي “يمكن أن تسبب غلياناً في الشارع إذا ما عولجت بحكمة ووعي”، وفق ما يقول مدير الأبحاث لدى اتحاد البورصات العربية الدكتور فادي قانصو. فبعدما استفحلت أزمة المحروقات في الأشهر الماضية، تمت الموافقة على اقتراح مصرف لبنان لرفع جزئي للدعم عبر استيراد كميات شحيحة من هذه المشتقات على أساس سعر صرف 3,900 ل. ل. على مدى ثلاثة أشهر، ما رفع سعر صفيحة البنزين إلى حدود 75 ألف ليرة، على أن يتمّ بعدها #رفع الدعم بشكل كامل عن المحروقات. وتاليا لا يتوقع قانصو أن تحل أزمة البنزين طالما أن سعر الصفيحة في سوريا يبلغ 250 ألف ليرة، وطالما أن الأنظار متجهة بعد شهرين كحد أقصى، وفق حاكم مصرف لبنان، الى رفع كلي للدعم ليصل سعر الصفيحة إلى حدود 300 ألف وفق أسعار النفط والصرف الحالية، ما يعني أن شهية المهرّبين والمخزنين لا تزال مفتوحة لتوافر هامش ربح كبير، وأننا قد لا نشهد انفراجا في أزمة الطوابير قبل بضعة أشهر على أقل تقدير.

من هنا، يرى قانصو ان عملية رفع الدعم الجزئي اليوم أو الكلي في ما بعد عن المحروقات من شأنها أن ترفع كلفة الانتاج الصناعي بنسب متفاوتة، فالمصانع التي تستخدم الفيول لن تتغير أسعار منتجاتها بشكل ملحوظ كونها منذ البداية تؤمّن الفيول بالعملة الصعبة. أما المصانع التي تستخدم المازوت، إما لمولداتها الكهربائية، وإما للصناعة فهي التي سيرتفع ثمن منتجاتها. وتاليا يختلف الأمر بين قطاع وآخر، بحيث ان كلفة المحروقات على منتج معين تراوح ما بين 5% و35% من كلفته، وفقا لكمية المحروقات التي يتطلبها، وبالتالي فإن كلفة المنتجات التي تستحوذ فيها المحروقات على ما نسبته 35%، من المتوقع أن يرتفع ثمنها بشكلٍ ملحوظ. في المقابل، وفي اطار البحث عن معالجات يمكن ان تهدىء غليان الشارع اذا ما اتُّخذ القرار برفع الدعم، أقرّ مجلس النواب أخيرا بطاقة تمويلية مخصّصة للأسر الأكثر فقراً بالتزامن مع بدء رفع الدعم تدريجا. وربطت السلطات رفع الدعم بإقرار البطاقة التمويلية للعائلات الأكثر حاجة في بلد بات 55% من سكانه تحت خط الفقر. وكانت الحكومة قد قدرت كلفة البطاقة التمويلية بنحو 556 مليون دولار، وتأمل أن تتمكن من تمويل 300 مليون منها عبر قروض من البنك الدولي على أن يتكفل المصرف المركزي بالمبلغ المتبقي، بحيث يراوح معدل البطاقة التمويلية ما بين 93 دولاراً و126 دولاراً.

وتوازيا مع رفع الدعم، يعول كثيرون على البطاقة التمويلية في مساعدة الاسر الاشد فقرا، بيد ان قانصو يشير الى ان ثمة اشكاليات تشوب البطاقة التمويلية وهي:

– ضبابية في معايير الافادة من البطاقة التمويلية، أي من الممكن التوجس من آلية تحديد المستفيدين بالنظر إلى عدم توافر المعلومات والاحصاءات الدقيقة لدى الدولة، كما وبالنظر إلى ما سبق من تجارب في هذا المجال، مع لعب الأحزاب والزعامات دوراً لإنعاش قنوات الزبائنية والاستنسابية في عملية توزيع البطاقة، بعيدا من معايير الإدارة الرشيدة والشفافة.

– ضبابية في مصادر تمويل البطاقات، خصوصا أن مجموع القروض لا يكفي لتغطية البطاقات إلا جزئياً، ما يضعنا أمام علامات استفهام كبيرة حول مدى قدرة مصرف لبنان على تمويل الجزء المتبقي من كلفة البطاقة التمويلية، ناهيك بالضبابية حول العملة المعتمدة للبطاقات التمويلية.

– غياب لاستدامة البرنامج، إذ لا تقدّم الخطة سبل تمويل البرنامج للسنوات ما بعد 2021، في حين أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية مرشحة لأن تستمر فترة طويلة الأمد (أقله 10 سنوات). كما لا تقدّم الخطة أي استراتيجية للخروج من برنامج البطاقات.

عندما نتحدث عن سياسة الدعم التي كانت معتمدة قبل عام 2019، أي تثبيت سعر الصرف (بمعنى آخر دعم عملية كل أنواع الاستيراد)، يعني أننا نتحدث عن سياسة الدعم الحالية ولكن على نحو مختصر، وفق تعبير الخبير الاقتصادي جان طويلة، اذ عندما تدعم اي دولة السلع، وفي البلد المجاور لها الاسعار أغلى، فمن البديهي أن ينشط التهريب، فكيف ببلد مثل لبنان حيث الحدود مشرّعة.

الفكرة التي يجب التركيز عليها، وفق طويلة، هي تغيير سياسة الدعم التي برهنت فشلها وتأثيرها الكارثي على الاقتصاد إن كان على صعيد التهريب أو احتكار التجارة للسوق.

كيف ذلك؟

يقول طويلة ان عملية الدعم لن تتوقف عن المواطن بل ستستمر عبر البطاقة التمويلية التي ستحميه أكثر، بدل أن يخضع لاستنسابية التاجر الذي بدوره سيخضع لاستنسابية مصرف لبنان، وتالياً فإن الأموال التي سيحصل عليها المواطن سيضخّها عند التاجر الذي سيؤمّن البضائع من هذه الأموال بدل تأمينها من مصرف لبنان.

وعن ايجابيات رفع الدعم، يلفت طويلة إلى أنه عندما يتوقف الدعم ستصبح الأسعار موازية للأسعار في سوريا بما يعني أن 90% من التهريب سيتوقّف. وكذلك يشير إلى أنّ رفع الدعم سيحدّ من إفادة الطبقة الغنيّة على ظهر الطبقة الفقيرة، خصوصاً أن مبدأ سياسة الدعم هو حماية الأسر الأكثر فقراً، في حين أن ما يحصل حاليا هو أن الذي يملك المال يشتري أكثر، ويفيد من الأسعار المدعومة.

ولكن ثمّة أسئلة يجب الإجابة عنها عند المباشرة بعملية رفع الدعم وتأمين البطاقة التمويليّة. أولها هل ستساهم هذه الآليّة بالتعويض 100% على المواطن اللبناني، وثانيها كيف يمكن أن نضمن أن البطاقة التمويلية لن يستغلّها السياسيّون لمصالح إنتخابيّة، وثالثها كيف ستموّل البطاقة؟

يجيب طويلة عن النقطة الأولى بالإشارة إلى دراسة البنك الدولي التي بيّنت أن العائلة اللبنانيّة مؤلّفة من (4,2 أشخاص) تحتاج إلى 157 دولارا شهريّاً. ولنفترض اننا وفّرنا لهذه العائلات نحو 200 دولار شهريّاً، فتكون الكلفة على الدولة 1.8 مليار دولار سنوياً، وهذا المبلغ يُغطّي 80% من اللبنانيّين، مقارنة مع نحو 6 مليارات دولار سنويّا كلفة سياسة الدعم المعتمدة.

وفي موضوع الاستغلال السياسي للبطاقة، يُشدّد طويلة على ضرورة توافرها لكلّ اللبنانيّين أغنياء وفقراء لسبب بسيط هو سحب البساط من تحت أقدام هذه السلطة التي تحاولة أن تستغلّ هذا الموضوع لأهدافها السياسيّة والانتخابيّة، خصوصاً أنه لا يتوافر أيData عن عدد الاسر الفقيرة والمحتاجة. لذا من الأهميّة توزيع البطاقة التمويليّة لكل اللبنانيّين الموجودين في لبنان على أمل أن يتخلّى الأغنياء عن حصّتهم لمصلحة الفقراء. أمّا الآليّة التي يجب أن تعتمد، فيشير طويلة الى الآلية التي اعتمدت في لقاحات كورونا، اي تسجيل أسماء الذين يريدون الحصول على البطاقة عبر منصّة Impact . ويعتبر طويلة انه إذا ما تمّ اعتماد هذه الآليّة، فذلك يعني أن تمويل البطاقة سيكون أسهل ممّا هو معتمد حاليّاً بالدعم، إذ ستكون الكلفة أقل والأثر الاقتصادي سيكون أكبر على اعتبار أن المبلغ بالدولار الذي ستحصل عليه الأسر سيضخّ في الأسواق بما سيُخفّف الضغط عن سعر الصرف وستتوقّف عمليّة التهريب وكذلك الاحتكار الذي يعتمده التجّار.

اما بالنسبة للتمويل، فيشير طويلة الى انه يمكن تمويل البطاقة لعامين (3.5 مليارات دولار)، عبر المبلغ المتوافر من صندوق النقد للبنان والمقدر بنحو 900 مليون دولار، و600 مليون دولار من البنك الدولي، خصوصاً أن رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج كان قد أبدى استعداده لإعادة إحياء كل اموال القروض التي لم يستخدمها لبنان سابقا، كما يمكن استدانة مليار دولار سنوياً من مصرف لبنان، على ان تبدأ السلطات خلال هذين العامين بإجرا مفاوضات مع صندوق النقد، والمباشرة بالاصلاحات، واستقطاب أموال من الخارج وادخالها ضمن الموازنة لاستخدامها في السياسة الاجتماعية.

يبقى السؤال: هل ستجرؤ الحكومة الجديدة على اتخاذ قرار رفع الدعم؟

Leave A Reply