هجرة المعلّمين: 1800 أستاذ تركوا المدارس و”مجزرة” في الليسيه

وليد حسين – المدن

“إذا تسنى لكل اللبنانيين الهجرة لن يتوانوا عن الأمر. ومن الطبيعي أن يهاجر أو يفكر أي أستاذ بالهجرة. قد يكون الوضع أكثر تعقيداً أمام أساتذة الملاك في التعليم الرسمي، الذين عليهم تقديم طلبات إلى وزارة التربية، لكن مع ذلك، العديد منهم هاجر. وهناك أعداد غير معروفة بعد بدأت تتحضر للرحيل. أما في التعليم الخاص فلم يبق أمامهم سوى الرحيل. الأرقام المتداولة عن هجرة أساتذة التعليم الرسمي قد تكون مضخمة. لكن هذا لا ينفي أن مئات الأساتذة في التعليم الرسمي يعدون العدة للهجرة، وكل الأساتذة من دون استثناء يرغبون بذلك في حال أتتهم أي فرصة عمل”. بهذه العبارات تعلق مصادر تربوية لـ”المدن” على ظاهرة هجرة أساتذة التعليم الرسمي، والخاص.

طلب تأمين فرص عمل

أسوة بالقطاع الصحي، الذي ضُرب وبات من الصعب أن تقوم له قائمة، وإقدام الأطباء والممرضين والممرضات على الهجرة، اتسعت رقعت هجرة أساتذة التعليم الرسمي والخاص.

أهل القطاع أدرى من غيرهم. فلا يوجد أي أستاذ لم يطلب من زميل له في الخارج، وتحديداً في دول الخليج، وأربيل في العراق، أن يؤمن له فرصة عمل هناك، للخلاص من الجحيم اللبناني، كما يقول العديد من الأساتذة لـ”المدن”.

وإذا كان أساتذة التعليم الرسمي يجدون صعوبة ويحسبون خطوة الهجرة مئة مرة، قبل الإقدام عليها (الثبات الوظيفي ومستقبل التقاعد)، إلا أن أساتذة كثراً في التعليم الخاص تركوا مدارسهم منذ العام الدراسي السابق. وهناك المئات منهم، وخصوصاً الذين يملكون سنوات خبرة ومهارات حديثة في التعليم، هاجروا مؤخراً أو سيهاجرون قريباً.

إعلانات المدراس تفضحها

نقيب الأساتذة في التعليم الخاص رودولف عبود أكد أن لا أرقام فعلية بعد. لكن يمكن القول إن العدد بالمئات. ولن يعرف العدد بالضبط إلا في نهاية السنة الحالية من خلال صندوق التعويضات وطلبات الحصول على التعويض. فإدارات المدارس تتكتم على الأرقام. لكن عندما تعلن مدرسة عن حاجتها لأربعين أستاذاً وأخرى إلى 15، وغيرها إلى ستين أو عشرين، ولا يوجد مدرسة لم تعلن عن حاجتها لأساتذة، فهذا يدل على حجم هجرة الأساتذة، كما يقول عبود.

ويضف عبود، أن مشكلة الأساتذة مع المدارس باتت عقيمة. فجزء منها يدفع نصف راتب، وجزء آخر فضل صرف الأساتذة، وجزء قليل يدفع الرواتب كاملة لكنها باتت بلا قيمة، حيال ارتفاع سعر صرف الدولار.

الليسيه الفرنسية

ووفق مصادر تربوية لجأت بعض المدراس الخاصة (لويس فاغمن والآي. سي. وغيرها) إلى المحافظة على رواتب الأساتذة والإبقاء على الراتب الـ14 شهراً، وعمدت بعضها إلى دفع جزء من الراتب بالدولار، أو دفع حوافز وعلاوات. لكن رغم ذلك سيهاجر العديد من أساتذتها. أما في مدارس الليسيه الفرنسية، فستون أستاذاً سيهاجرون منها إلى دول الخليج وأربيل قريباً، بعدما قدموا طلبات استقالة، عقب إلغاء المدرسة الحوافز والأشهر الإضافية. وهذا الرقم قد يرتفع أيضاً.

طلب التعويضات

ووفق المصادر، إلى حد الساعة، وصل عدد الأساتذة الذين طلبوا تعويضاتهم من صندوق التعويضات إلى 1800 أستاذ، منهم من سيخرج إلى التقاعد والجزء الأكبر بداعي الهجرة، والذي يصل إلى نحو 1500 أستاذ. وهذا الرقم سيتضاعف حتى نهاية العام. ففي شهر تموز سيعرف حجم الأساتذة الذين لن يجددوا عقودهم. وفي نهاية العام يحدد عدد طلبات من سيسحب تعويضاته.

ثمة مأزق تعاني منه المدارس، والأهل والأساتذة في هذه الأزمة. فالمدارس ترفض رفع رواتب الأساتذة من دون رفع الأقساط على الأهل. لذا، أكد عبود أن الحل الوحيد هو التزام القانون. فالمدارس لا تكشف عن ميزانيتها لمعرفة حجم الفائض في الميزانية، ومدى قدرتها على رفع الرواتب من دون زيادة الأقساط. وهذه معضلة مزمنة مع المدارس.

التعليم الرسمي

على مقلب أساتذة التعليم الرسمي، هجرة الأساتذة ستنكشف عاجلاً أم آجلاً. السنة الفائتة عمد البعض إلى طلب إجازات غير مدفوعة، وهاجر إلى الخليج وأربيل. وأكد أحد هؤلاء الأساتذة أنه أتى هذا الصيف وقدم استقالته نهائياً. فهو لا يرى أي حل في الأفق. وهناك العشرات من زملائه يتواصلون معه كي يبحث لهم عن فرصة عمل هناك.

بخلاف التعليم الخاص، يصعب على أساتذة التعليم الرسمي ترك لبنان من دون موافقة وزارة التربية. فعلى الأستاذ تقديم طلب استيداع أو طلب إجازة غير مدفوعة لمدة ستة أشهر أو سنة. والوزارة تسمح له بذلك أو لا. وهناك مئات الطلبات وصلت إلى مديرية التعليم الثانوي، لكن لا أرقام دقيقة حولها، وفق ما تقول المصادر، مضيفة: “من حق الأساتذة طلب الهجرة في ظل تراجع قيمة رواتب الأساتذة إلى نحو 150 دولار. فماذا ينتظر الأستاذ عندما تتسنى له فرصة عمل برواتب عالية؟”

ووفق ما أكد أساتذة من أكثر من منطقة، العديد من زملائهم قدموا طلبات استيداع وإجازات، وذهبوا إلى الخليج وأربيل. البعض لا ينوي العودة نهائياً إلى لبنان، والبعض الآخر بهدف معاينة الواقع على الأرض. وهذه الخطوة أساسية ليدرسوا كيفيات توجهاتهم المستقبلية. فهم لا يريدون ترك لبنان نهائياً قبل التحقق من طبيعة العمل هناك، رغم أنهم فقدوا الأمل بتحسن الأوضاع في السنوات الخمس المقبلة. والوفر الذي سيحققونه هناك في هذه السنوات أكبر بكثير من رواتبهم وتعويضات نهاية الخدمة.

Leave A Reply