النهار : أي”اختراق” اليوم وسط الأفخاخ الانقلابية؟

بأقل درجات الأوهام حيال امكان تحقيق خرق جدي، وبأقصى معالم التشاؤم امام التعنت السياسي والمحاولات ‏السافرة التي ظهرت في الأيام الأخيرة لابقاء البلاد رهينة اجندات تعبث ببقايا صمود اللبنانيين، ينعقد اليوم في ‏قصر بعبدا اللقاء الـ18 بين رئيس الجمهورية العماد ميشال #عون ورئيس الحكومة المكلف سعد #الحريري إنفاذا ‏للتفاهم الوحيد الذي توصلا اليه في لقائهما الأخير الخميس الماضي. ذلك ان وقائع الأيام الأربعة التي أعقبت اللقاء ‏الـ17 بدت بمثابة تراكم إضافي للتعقيدات والمعوقات التي من شأنها قطع طريق الى محاولة التوصل الى مخرج ‏جدي هذه المرة من ازمة تعطيل #تشكيل الحكومة اقله تحت وطأة اقتراب الانهيار الكبير الخطير الذي يتهدد البلاد ‏في أي لحظة كما استجابة لتعاظم الضغوط الخارجية والداخلية على السلطة والقوى السياسية لاستعجال الخروج ‏من المراوحة القاتلة. وما اثار مزيدا من المناخات المتشائمة في امكان خروج لقاء بعبدا اليوم بنتائج مختلفة وواعدة ‏مجموعة معطيات علنية ومضمرة ساهمت في اذكاء الشكوك في ان يكون مناخا انقلابيا بكل ما تحمله الكلمة من ‏مضمون يجري ترسيخه بقصد محاصرة الرئيس الحريري وتخييره بين التسليم باجندة الشروط المشتركة للعهد ‏وحليفه ” حزب الله ” او إبقاء الصراع مفتوحا على الغارب ومنع تشكيل الحكومة العتيدة بما سيفتح الباب حتما ‏امام أسوأ السيناريوات الانهيارية. وإذ تشير المعطيات المؤكدة والمتوافرة عشية اللقاء ان فريق العهد وتياره ‏السياسي ليس في وارد التراجع عن الثلث المعطل في الحكومة أولا كما ان الرئيس عون ليس في وارد القبول ‏بتشكيلة ال18 وزيرا التي يتمسك بها الحريري ولن يقبل باقل من تركيبة من 20 وزيرا، ناهيك عما يمكن ان ‏يشهده اللقاء من اشتراطات جديدة لنسف التشكيلة التي قدمها الحريري.

واما العوامل الأخرى فتتصل بما احدثه ‏الخطاب الأخير للامين العام ل”حزب الله ” السيد حسن نصرالله من مناخات توتر واحتقان عكست انزلاقا ‏فاضحا لدى الحزب نحو تفخيخ الولادة الحكومية في هذا التوقيت ووفق المعايير التي كان يتبعها الرئيس المكلف ‏استنادا الى المبادرة الفرنسية وتاليا إعادة توظيف الازمة الحكومية في خدمة مآرب المحور الإيراني التي يرتبط ‏به الحزب بدليل ان نصرالله اختار لحظة استعادة اللقاءات بين عون والحريري ليطلق في اليوم نفسه إنذاراته ‏وتهديداته في كل الاتجاهات ويجنح بالبلاد نحو مزيد من الاضطرابات ومحاولة الاجهاز على المبادرة الفرنسية ‏لمصلحة الاجندة الإقليمية التي يرتبط بها حزبه. وقد نفت أوساط بيت الوسط مساء كل الشائعات التي وزعت عن ‏اعتزام الحريري الاعتذار وعن اتجاه لاستقالة نواب كتلته وأكدت ان ذلك كله غير صحيح وغير وارد وان ‏الحريري سيحدد موقفه مما سيحصل بعد اللقاء‎.‎

ولعل هذا ما دفع بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي امس الى مناشدة الرئيسين عون ‏والحريري “أن يخيبا أمل المراهنين على فشلهما، فيقلبا الطاولة على جميع المعرقلين، ويقيما حائطا فاصلا بين ‏مصلحة لبنان وبين مصالح الجماعة السياسية ومصالح الدول، فكفى إقتراحات جديدة وشروطا تعجيزية غايتها ‏العرقلة والمماطلة! “. وقال “إذا كان البعض يريد تحميل الحكومة العتيدة صراعات المنطقة ولعبة الأمم والسباق ‏إلى رئاسة الجمهورية وتغيير النظام والسيطرة على السلطة والبلاد، فإنها ستزيد الشرخ بين الشعب والسلطة، ‏وستؤدي إلى الفوضى، والفوضى لا ترحم أحدا بدءا بمفتعليها‎”.‎

‎#‎جنبلاط وحركة موفدين‎

ولا يخفى في هذا السياق ان جهات سياسية معارضة أعربت عن خشيتها من توظيف العهد زيارة رئيس الحزب ‏التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لقصر بعبدا بعد ظهر السبت الماضي في محاولاته محاصرة الحريري وتشديد ‏شروطه بحجة ان جنبلاط دعا الى تجاوز الخلاف على الاعداد والأرقام في التشكيلة الحكومية بما يفسر موقفا ‏مؤثرا لمصلحته علما ان جنبلاط وجه بعد لقائه عون “نداء إلى التسوية”، معتبراً “أنّها الحلّ الإنقاذي الوحيد في ‏هكذا ظرف “. وأفادت معلومات ان النائب وائل أبو فاعور والوزير السابق غازي العريضي زارا موفدين من ‏جنبلاط بيت الوسط وشرحا للحريري ظروف زيارته لبعبدا وما يقصده بالتسوية لجهة التنازل المتبادل بين عون ‏والحريري اذ قيل ان الجانب الاشتراكي ينصح بان يقدم الحريري اليوم تشكيلته ولكن مطعمة بتعديلات ملموسة ‏لفتح باب التوافق عليها مع عون. كما تردد ان الخليلين، النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام ‏لحزب الله حسين الخليل التقيا الرئيس الحريري لتخفيف أجواء التوتر التي اثارها خطاب نصرالله وتوضيح بعض ‏الأمور‎.‎

وفي المقابل اتخذ البيان الذي أصدره الرؤساء نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام طابع الدعم الأقصى ‏للحريري. فاذ ابدوا “أسفهم للأسلوب الذي أقدم عليه رئيس الجمهورية في مخاطبته رئيس الحكومة المكلف تشكيل ‏الحكومة عبر بيان متلفز”، نوهوا بـ”روح المسؤولية العالية الكاظمة للغيظ التي تمتع بها الرئيس المكلف سعد ‏الحريري والتي ابداها بترفع واتزان، إزاء المحاولات المتكررة لجره الى شجارات ونزاعات إعلامية، كان يمكن ‏أن تطيح بآخر ما تبقى من صدقية للدولة المتهالكة” معتبرين “ان الممارسة التي يقدم عليها الرئيس عون تشير الى ‏تعد وتشويه لروح ونص ومقاصد النصوص الدستورية التي يجب ان يلتزم بها الجميع وفي مقدمتهم فخامة ‏الرئيس‎”.‎

‎#‎ماكرون في الخليج‎

وفي وقت عادت تطرح فيه بقوة التساؤلات حول مصير المبادرة الفرنسية افاد مراسل “النهار” في باريس سمير ‏تويني ان الرئيس الفرنسي ايمانيل ماكرون سيقوم بجولة خليجية ابتداء من نهاية الاسبوع الثاني من نيسان المقبل ‏ستشمل المملكة العربية السعودية ودولتي الامارات العربية المتحدة وقطر بعدما كانت الجولة مقررة نهاية شهر ‏شباط الماضي وأرجئت لتفاقم الوضع الوبائي في فرنسا‎.‎

وترتدي جولة ماكرون على هذه الدول طابعا سياسيا مهما نظر للعلاقات القديمة التي تربط فرنسا بهذه البلدان. ‏وستتمحور اللقاءات مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ولي عهده الامير محمد بن سلمان وولي العهد ‏الاماراتي محمد بن زايد وامير دولة قطر الامير تميم بن حمد ال ثاني حول الملفات الاقليمية ذات الاهتمام ‏المشترك وعلى راسها الملفات المتصلة بالنووي الايراني ولبنان واليمن وقضية السلام في الشرق الاوسط. كما ‏ستتصدر المحادثات الملفات الثنائية التي تهم البلدين والتي تنوي باريس دفعها على الصعيدين السياسي ‏والاقتصادي‎.‎

وسيحضر الملف اللبناني بجوانبه العديدة على طاولة المباحثات اذ يرغب الرئيس ماكرون في اقناع هذه الدول ‏بمساعدة لبنان خصوصا لدى لقائه مع الامير محمد بن سلمان نظرا للدور السعودي القديم في لبنان. وسيطالبه بعدم ‏تخلي المملكة عن لبنان ودعم هذا البلد. وستتمحور النقاط الاساسية التي ستشكل صلب مشاوراته مع الاطراف ‏الخليجية في شأن الملف اللبناني حول تشكيل “حكومة المهمة” والعراقيل الموضوعة امام المبادرة ‏الفرنسية والاصلاحات الضرورية والمساعدات التي يمكن ان تقدمها هذه الدول لانقاذ لبنان لمساعدته على ‏الخروج من محنته‎.‎

وتعتبر باريس ان جولة ماكرون الخليجية ستشكل مناسبة كي يقيم الرئيس الفرنسي مبادرته اللبنانية ويبحث في ‏امكان تعاون الاطراف العربية الاقليمية مع النهج الجديد الذي اعلن عنه خلال مؤتمره الصحافي الخميس الماضي. ‏فالرئيس الفرنسي اختبر المسؤولين اللبنانيين وفترة السماح انتهت وسيباشر تغيير نهج تعامله مع الطبقة السياسية، ‏الذي لم يعد يؤمن بمسؤوليتها. وستكون مناسبة للبحث مع الاطراف الخليجية في النهج والاسلوب الجديد للتعامل ‏مع الملف اللبناني بالتعاون والتنسيق مع الاطراف العربية لوقف عملية التعطيل المستمرة التي يمارسها الزعماء ‏اللبنانيين. كما سيعرب الرئيس ماكرون امامهم عن مخاوف فرنسا من انفلات الوضع الامني اللبناني الذي يمكن ان ‏يمتد لهيبه الى دول عربية اخرى ويامل من هذه الدول ان “تسمع نداءه ولا تتخلى عن لبنان وتتركه لمصيره‎”.‎

Leave A Reply