جريمة اغتيال الرئيس الحريري والقانونان الدولي والوطني ـ د. خضر ياسين

بتاريخ ١٤/شباط/٢٠٠٥ وقعت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وضحايا آخرين، فاهتزت لها مشاعر المجتمعين اللبناني والعالمي نظراً للطريقة التي ارتكبت بها ولما يتمتع به الرئيس الحريري من حضور ووزن وفاعل على كافة الصعد والأحداث المحلية والاقليمية والعالمية، ووصفها في حينها أحد الوزراء بأنها الحريق الذي أشعل الغابة، نظراً للأحداث التي جرت بعدها وما تمخَّض عنها من نتائج، أهمها وقوع مسلسل من الاغتيالات ذهب ضحيتها قادة سياسيون ونواب ورجال فكر وصحافة، خروج القوات العربية السورية من لبنان، انقسام سياسي حاد بين مختلف الفرقاء السياسيين اللبنانيين.

في اليوم التالي لجريمة الاغتيال أصدر الأمين العام للأمم المتحدة بياناً أكد فيه على خطورة هذه الجريمة واصفاً إياها (بالعمل الإرهابي)، كما أصدر مجلس الأمن بدوره العديد من القرارات مستنداً في ذلك إلى ذات التوصيف.

لذلك فيما يتعلق بالعمل الإرهابي فلا يوجد له تعريف قانوني موحّد متفق عليه على مستوى القانون الدولي، وكان اتفاق جنيف (1937) المتعلق بمكافحة الارهاب أول من قدم تعريفاً له حيث نص على أنه (عبارة عن الأعمال الاجرامية الموجهة ضد دولة والتي يكون الهدف منها خلق حالة من الرعب أو الهلع لدى أشخاص معينين أو مجموعة من الأشخاص أو عامة الجمهور). أما مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد شهدت توقيع عدة معاهدات لمكافحة أنواع محددة من الجرائم، ومنها على سبيل المثال: معاهدة الجرائم والأعمال الأخرى التي ترتكب على متن الطائرات (المعقودة في طوكيو بتاريخ 14/أيلول/1963)، معاهدة قمع عمليات الاستيلاء غير الشرعية على الطائرات (المعقودة في لاهاي بتاريخ 16/كانون الأول/1970)، المعاهدة الدولية لمكافحة احتجاز الرهائن (أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 17/كانون الثاني/1979)، المعاهدة الدولية لمكافحة التفجيرات الارهابية بالقنابل (المعقودة بتاريخ 15/كانون أول/1997، وتبنتها الأمم المتحدة بموجب القرار 164/52)، المعاهدة الدولية لمكافحة تمويل الارهاب (أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 9/كانون أول/1999)، فهذه المعاهدات هدفت إلى تشجيع التعاون بين الدول الأعضاء من أجل مكافحة الارهاب بصوره المذكورة أعلاه، ولهذا كانت جميعها ناجحة لأنها أنشئت لمكافحة أنواع محددة من الجرائم (مثل احتجاز الرهائن، بدلاً من تحديد فئات عامة من السلوك الاجرامي (كالارهاب)، فالمادة الثانية من (الاتفاق الدولي لقمع الهجمات الارهابية بالقنابل – 1997) نصت على أنه “يعتبر أي شخص مرتكباً لجريمة ارهابية إذا قام بصورة غير مشروعة وعن عمد بتسليم أو وضع أو إطلاق أو تفجير جهاز متفجر أو غيره من الأجهزة المميتة داخل أو ضد مكان مفتوح للاستخدام العام أو مرفق تابع للدولة أو الحكومة أو شبكة للنقل العام وذلك بقصد إزهاق الأرواح أو إحداث إصابات بدنية خطيرة أو إحداث دمار هائل لذلك المكان أو المرفق أو الشبكة حيث يتسبب هذا الدمار بخسائر اقتصادية فادحة”. كذلك سبق للجمعية العامة للأمم المتحدة أن عرفت الارهاب الدولي في قرارها رقم 49/60 الصادر بتاريخ 9/ك1/1994 “بالأعمال الجنائية التي حُضِّر لها والتي ارتكبت لأغراض أو أهداف سياسية وذلك لخلق حالة من الرعب والهلع لدى السكان أو لدى مجموعة من الأشخاص أو في أذهان عدد من الأفراد ينتج عنها تهديد للسلم والأمن الدوليين. أما معاهدة (قمع تمويل الارهاب – 1999) فقد عرَّفت الارهاب في مادتها الثانية بأنه “أي عمل يقصد التسبب في ايقاع الموت أو الأذى الجسدي الخطير بمدني أو بأي شخص آخر لا يشارك بفعالية في الأعمال الحربية في ظل صراع مسلح، وعندما يكون هدف هذا العمل من حيث طبيعته أو ظروفه هو ترهيب السكان أو دفع حكومة أو منظمة دولية لفعل شيء ما أو الامتناع عن القيام بأي عمل”. ومن حيث النطاق الوطني، تنص المادة (314) من قانون العقوبات اللبناني على ما يلي: “يعنى بالأعمال الارهابية جميع الأفعال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر وترتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة والعوامل الوبائية أو المكروبية التي من شأنها أن تحدث خطراً عاماً، وفيما خص العقوبة المقررة لهذه الجريمة فقد نصت المادة (315 ) من قانون العقوبات على “أن كل عمل إرهابي يستوجب الأشغال الشاقة لخمس سنوات على الأقل، وهو يستوجب الأشغال الشاقة المؤبدة إذا نتج عنه التخريب ولو جزئياً في بناية عامة أو مؤسسة صناعية أو سفينة أو منشآت أخرى أو التعطيل في سبل المخابرات والمواصلات والنقل، ويقضى بعقوبة الاعدام إذا أفضى الفعل إلى موت إنسان أو هدم البنيان بعضه أو كله وفيه شخص أو عدة أشخاص”، ويبقى القول أن الجرائم الإرهابية هي من الجنايات الواقعة على أمن الدولة الداخلي التي تلاحق عفواً من قبل النيابة العامة أمام القضاء العسكري.

Leave A Reply