النهار: لا حلحلة حكومية وماكرون لن يعدّل مبادرته

اذا كان وداع الناشط والكاتب والناشر الشهيد لقمان سليم امس في حديقة دارة محسن سليم في حارة حريك شكل رداً نابضاً ومضيئاً من قلب حدث أسود إجرامي فان اللبنانيين سينتظرون طويلا بعد على ما يبدو الحدث الانقاذي للبلاد من دوامة الازمات والكوارث من خلال إزالة معوقات التعطيل التي تحول دون تشكيل الحكومة الجديدة. ذلك ان اللقاءات الكثيفة التي اجراها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري في باريس وتوجها باللقاء المسائي مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قصر الاليزيه شكلت فسحة مهمة لتبادل المعطيات حول نقاط الانسداد التي لا تزال تعطل تشكيل الحكومة، لكن أي اختراق وشيك لواقع التعطيل لم يتحقق بعد في انتظار مزيد من الجهود والاتصالات التي ستجريها فرنسا في قابل الأيام مع افرقاء آخرين على رغم ان الأفق لا يبدو مسهلا نحو ولادة حكومية وشيكة.

ولا يبدو وفق المعطيات التي افاد بها مراسل “النهار” في باريس انه تم التوصل الى نقطة توازن داخلي في لبنان تؤدي الى تنسيق بين الاطراف لتشكيل الحكومة ولكن الرئيس ماكرون لا يزال يبذل محاولاته الحثيثة من اجل تغيير يجدد الالتزام السياسي لتعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي والامني للبنان. وبدا واضحا وفق هذه المعطيات ان باريس منزعجة مما الت اليه مبادرتها ومن معطليها فيما الوضع آخذ بالتردي في كل المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والامنية والاجتماعية والصحية والجمود سيد الموقف، اذ ان اللقاءات بين المسؤولين اللبنانيين معدومة تماما ولا تتقدم عملية تشكيل الحكومة بل ان الاجواء التصعيدية تؤخرها. وتحمل باريس القوى السياسية مسؤولية هذا التاخير وعدم حصول اي تقدم في المسار الحكومي وفق المبادرة التي وضعها الرئيس ماكرون خلال زيارتين للبنان.

وتشير المعطيات الى ان الكلام المتداول في لبنان حول تنازل فرنسا عن بعض مندرجات مبادرتها وعرض مبادرة جديدة لحل الازمة اللبنانية هو كلام غير دقيق، ولا نية لدى الرئاسة الفرنسية بالعدول عن مبادرتها التي تعتبرها خريطة الطريق الوحيدة المطروحة على الطاولة، ولان مبادرتها حصلت على تأييد دولي واقليمي ومحلي. اما الكلام عن استعداد باريس لادخال تعديلات عليها فلا ينم عن حقيقة الموقف الفرنسي بل يعكس اعتقاد جهات لبنانية تتوهم بان اصرارها على التنصل من تنفيذ وعودها والتزاماتها عبر المواقف التعطيلية لبعض الاطراف سيدفع بالرئيس الفرنسي الى اقتراح حلول اخرى تكون لصالح فريق او لاخر. ولم تخطط باريس لارسال اي موفد لعرض خطة جديدة على الأطراف.

وكان نقل عن مصدر في الإليزيه امس ان الرئيس الفرنسي لن يزور لبنان ما لم تتقدم الأمور في البلاد ويتم تشكيل حكومة. وأكد نائب رئيس تيار “المستقبل” مصطفى علوش أن زيارة الرئيس المكلف لماكرون ‏”لن تحدث خرقاً في الملف الحكومي لأنها بحاجة الى تفاهم بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية”. وقال “أن ما يحرّك الجمود هو مبادرة من الرئيس ميشال عون والتخلي عن فكرة ‏السيطرة على الحكومة من خلال تسمية ستة وزراء زائد واحدا، وإلا فكل حراك داخلي أو خارجي لن يؤدي ‏الى أية نتائج”. وشدد علوش على أن “الحقيقة هي عكس ما تنفيه الدائرة الإعلامية للقصر الجمهوري حول ‏الثلث المعطل” مشيراً الى أن الحريري “مصر على أن يعرض هو تشكيلة كاملة من خارج الأحزاب فيما ‏الرئيس عون مصرّ على اختيار من ينال موافقة النائب جبران باسيل‎.‎”

الاشتراكي والتيار

وبمساحة من السخرية كتب رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط عبر حسابه على “تويتر”: “هل العشاء فتح الطريق للذهاب إلى المريخ للتخلص من جليد الثلث المعطل؟” .

وعلى الأثر انفجر سجال بين الحزب التقدمي الاشتراكي و”التيار الوطني الحر”، فردّ عضو “تكتّل لبنان القوي” النائب جورج عطالله في تغريدةٍ على جنبلاط بالقول: “وليد بك، العشاء لم يفتح الطريق إلى المريخ، إنما أفهَمَ مَن يُحاول العودة بتشكيل الحكومة إلى ما قبل 2005، أن هذا غير ممكن وأن الحاضر في قصر بعبدا هو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إن كنتم غافلون”. وبدوره رد عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبد الله على عطاالله، بالقول “زميلي جورج، بين العهد القوي والمريخ، هناك انسجام كامل، وضيق صدركم من أية ملاحظة من وليد جنبلاط، دائما تأخذكم الى إعلان بطولات دونكيشوتية. كفاكم إختباء وراء الرئيس، تجرؤا وأعلنوا مطالبكم وحصتكم وثلثكم المخرب!”.

ووسط غياب اي تحرك داخلي على خط التأليف، عاد الرئيس الحريري مساء امس الى بيروت وستكون له كلمة الاحد في الذكرى الـ 16 لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري . وقد علق الحريري مجددا امس مستنكرا الاعتداءات الحوثية على المملكة العربية السعودية فقال ” كفانا وكفى منطقتنا خرابا وفتن . ألم تشبع تلك الجماعات من سفك دماء الأبرياء وهل تخاض حروب الدفاع عن النفس بقصف المدنيين الآمنين ؟ الصواريخ التي تستهدف السعودية تهديد علني ومرفوض للامن العربي “.

وفي سياق المواقف الديبلوماسية من الازمة الحكومية اعتبر السفير الروسي ألكسندر روداكوف ان “الحكومة الروسية تعمل جاهدة لإيجاد الإمكانات لتقديم المساعدة للبنان دولة وشعبا والموقف الروسي واضح جدا في هذا الخصوص”. وأشار إلى أن “أزمة لبنان الداخلية تعني اللبنانيين وكل الأحزاب العاملة في المجتمع اللبناني. أزمة لبنان بحاجة إلى جهود اللبنانيين كافة للخروج منها. وإذا لم يتعاون اللبنانيون مع بعضهم، لن تكون هناك فائدة لأي تدخل خارجي، الذي سيكون دوره مساعدا في حل الأزمة اللبنانية”.

السفيرة في الضاحية

وسط هذه الأجواء شهدت مراسم وداع الناشط السياسي لقمان سليم في منزله الكائن في حارة حريك في الضاحية الجنوبية، تطورا ديبلوماسيا لافتا ونادرا تمثل في حضور سفراء غربيين ولا سيما منهم السفيرة الأميركية دوروثي شيا للمرة الأولى الى الضاحية الجنوبية منذ عقود في حضور عائلته وحشد كبير من الشخصيات سياسية ودينية وديبلوماسية وسط تدابير امنية كثيفة تولتها وحدات من الجيش. وتحدثت السفيرة الأميركية من قلب الضاحية الجنوبية، معتبرةً أن “قتل الناشط لقمان سليم عمل بربري همجي غير مقبول ولا يمكن مغفرته”. وأكّدت “أننا سندفع باتجاه المحاسبة والمطالبة بالعدالة وحمل إرثه”. من جهته، أكّد السفير الألماني في بيروت أن “رحيل لقمان سليم خسارة شخصية بالنسبة إليّ” مقدماً التعازي للعائلة. وقال: لن ننسى سليم وعمله لا يسمح لنا بنسيان ما حصل في السنوات الأخيرة في هذا البلد ونريد تحقيقاً شفافاً.

وفي هذا السياق طالبت “كتلة الوفاء للمقاومة” الأجهزة القضائية المختصة “بالعمل سريعا على كشف مرتكبي جريمة قتل الناشط السياسي سليم”، مجددة ادانتها الاغتيال. واعتبرت أن “الحملات الإعلامية الموجهة والاتهام السياسي والإدانة المتعمدة القائمة على البهتان والافتراء واستباق نتائج التحقيقات اعمال مدانة تستوجب الملاحقة والمحاسبة لانها تستهدف التحريض واثارة الفوضى وتقديم خدمات مجانية للعدو الإسرائيلي ومشغلته اميركا”.

Leave A Reply