الموت يأتي بالعدوى من الأقوى؟ الكورونا أم الطائفية؟

نصري الصايغ

لا أحد يسمع. الحزن المنتشر سري. الجدران اصدقاء مثاليون، لا يسمعون مصائبنا. اصواتنا ليست لنا. لغتنا اصوات مرتفعة. ليس فيها جوابا على سؤال. يشبَه لنا اننا احياء. يضحك الموت منا عندما ننصحه بالابتعاد. الكورونا تتبرأ من مسؤوليتها من العدوى.

هي امتحان مؤلم لنا، نكتم مسيرتها وهيئتها. تعامل الناس كمشبوهين. تحتشد في عالم فوجئ بنقص المناعة وندرة الشفاء. برغم كل ارتكاباتنا لا نستحق هذه العقوبة المستدامة. يكفينا ما عندنا من عقوبات سياسية ودينية واجتماعية ورأسمالية. لسنا في حماية أحد. الجبن والاختباء والخوف فضائل تمنع الكورونا من اجتياحاتها.

تغيَرنا كثيرا. لا نشبه أنفسنا ابداً. مشتاقون إلى مصافحة، إلى لمسة يد، إلى قبلة، إلى اشتهاء. ايادينا باتت صالحة لمراسم الوداع من بعيد. عندما نضحك بصوت مرتفع جدا وصاخب، هذا يعني اننا ساخطون وليس في يدنا حيلة. اصدقاؤنا الجميلون، كاتمو اسرارنا وخطايانا، صاروا غرباء. نسينا مخيلتهم وامانة سرهم. كل صداقة شبهة مرضية. فيا اصدقاءنا نحن اصدقاؤكم الممنوعون. كل شهواتنا النبيلة واللذيذة والشبقة محفوظة في مكان معتم. نرضى بالقليل من الكلام كي لا يصير الصمت ديانتنا.

تغير العالم كثيرا. يستيقظ على عداد الموتى وينام على توقع الاسوأ. لم يكن ذلك متوقعاً. كنا نعيش صراعاتنا كالعادة. كنا كلبنانيين اعتدنا على جمهورية الغلط. نعرف أسماء من نلعنهم صبحاً ومساءً. نعاني من بؤس سياسي غير مسبوق. ابواب الجحيم كلها نرتادها، وهي مفتوحة وتزداد انفتاحاً. شيء من جهنم نعيشه كل يوم. اقصد بكل يوم، كل ساعة ودقيقة. لعنة كبرى أن تكون لبنانياً. اللبنانيون صاروا بلا لبنان. لبنانهم الماضي انقضى. لبنان الحاضر ينتفون ما تبقى منه. صار اشلاء. يتناوبون على ما تبقى منه كالكلاب المسعورة. لبنان المستقبل وهم. ما فينا بكفينا. لا رغبة في ترداد معزوفة السقوط في الهاوية. لا رغبة في تذكير اللبنانيين بما ارتضوه من دين مسموم يدينون به. لا رغبة باستضافة ما هو أبدع من الكورونا ألف مرة. الطائفية ديانة المجرمين والقتلة والسفة والسياسيين والقادة ومن معهم من احذية بشرية.

اعترف بأني جاهل جداً. كل ما حولي يؤلمني ويؤنبني. كلما قلت شيئاً يتبين لي أن هذا الكلام ليس ما كنت أريد أن اقوله. أفضل الكتمان. افترض عن جد، أن الجهل نعمة. يا لجهل اعيش كالبهيمة. لكن الموت بعينين مفتوحين يقسمان لك المسافة لتحارب الزمن والشيخوخة والغلط. تقف وتقول، لا يعقل أن ينتهي لبنان بين يدي هؤلاء الكورونيون، من دون أن تصيبهم صفعة يستحقونها من دون اذية او لكمة او ضربة على جلافة ضمائرهم…

هذا مجرد هذيان. هؤلاء الملعونون هم انبياؤنا، وصفقاتهم وسرقاتهم وسخفهم وسياساتهم، هي آياتهم البينات. يلزم أن نكف نهائيا عن مباشرتهم وسماعهم وتعفير ضمائرنا بجريرتهم. واذا كان ولا بد من فعل ما، فلا بد من التعامل معهم بمطرقة. هذه شهوة مستحيلة. عبيدهم اقوى من شياطين جهنم.

الابواب مقفلة. هم يغلقون كل الأبواب. ونحن الاسرى، والكورونا يهددنا من خلف اسوارنا ومنازلنا وموارد رزقنا… العالمون بالكورونا يحاولون طمأنتنا بأن اللقاح سيحمينا. لكن احداً آخر لم نسمع منه ما يطمئننا على يومنا وغدنا. قد يرحل الكورونا عنا وقد يموت. أما منتهكوا حياتنا واحلامنا وايامنا واخلاقنا واموالنا فباقون عندنا وفوقنا وضدنا… قد نهزم الكورونا، ولو بعد عذاب وخسران، لكن لا أمل بهزيمة آلهة الطائفية ابداً,

هل هذا ما كنت اريد قوله كتابة؟

لا أعرف … ما قيمة كل هذا الكلام؟ اننا جميعاً في الجهة المعتمة من المشهد.

افترض حقاً أني أغالي، مصاب بشبهة التشاؤم وفقدان الأمل. لكني، ادافع عن نفسي، بأني هذا ما اريد أن اقوله، لأني ابن لبنان منذ مئة عام. وقد عايشت فيه كل عيوبه. ما يحدث الآن حدث مراراً من قبل. وهو ليس مرشحاً للموت، لأن الطائفية تحييه، فهي أقوى من الله. ما نعرفه، انه يميت ولا يموت.

يضحك التفاؤل مني عندما أنصح بالابتعاد ويقول لي: الموت لا يأتي بالعدوى مثل الكورونا. هل تؤمن بالأمل؟ أقول: أي ألم هذا؟ ثم ارضي نفسي وأقول: “الحياة ليست هي نفسها دائماً. فلنصمت كثيراً. الألم من ادوات الأمل…

Leave A Reply