لقد كانت إطلالة السيد صدر الدين الصدر في مؤتمره الصحفي في أسلوبها اليوم نداءً للحنين للأب المؤسس ومرآة عكست الطينة الطاهرة التي ورثها عن أبيه، الإمام المغيب السيد موسى الصدر.
في حضرة الإبن ، وهو يستطرد بين سطور كلمته ببراءة وطهارة ،استيقظت في الذاكرة عظمة تلك النعمة السماوية التي أظلّت أجدادنا وآباءنا حين كان الإمام الصدر بينهم، منارة تهدي وروحًا تسري.
إننا نرى الإمام اليوم في امتداده المقدس؛ في عائلته الطاهرة المتواضعة، وفي الخط الذي رسمه لنا بنور بصيرته. وها نحن، كما عهدنا، أوفياء متجذرون في هذا النهج، لن تزحزحنا عن تربته عواصف، ولن تضلّنا عنه أقاويل.
وأنا أستمع للمؤتمر الصحفي إستحضرني موقف، حفر في وجداني ، يعود إلى خمس وعشرين سنة خلت. كنتُ حينها مبتدءاً في عالم الصحافة، قبل أن أستقر في محراب المحاماة. كان الموعد قد ضُبط للقاء صحفي مع السيد صدر الدين في مركز الإمام الصدر للدراسات والأبحاث قرب طريق المطار وشاء القدر أن تحول عوارض طارئة دون حضور السيد صدر الدين.
لكن ما حدث في اليوم التالي لم يكن مجرد استدراك، بل كان درسًا في الأخلاق والتواضع فقد فاجأني اتصال السيد، حاملاً على عاتقه ثقل الاعتذار، وكأنه قد أخلّ بعهد عظيم. حاولتُ أن أقطع سيل كلماته لأؤكد أن الأمر يسير، وأن الأعذار تقع، لكن منطق السيد -الذي لا زلتُ حتى اليوم أعجز عن وصفه بتواضعه، ولطفه، وإنسانيته المتدفقة- كان أقوى من كل حجج. لقد راودتني في تلك اللحظة مقاربة جعلتني أبكي كالأطفال فالشخص الذي يكلمني بهذه اللطافة هو سليل الإمام ،ذلك الرمز المقدس في فكري ووجداني.
وأنا أستمع إلى طُهر حديثه في المؤتمر الصحفي، تذكرت ذلك الاتصال بحرقة الشوق ولهفة العودة إلى معدن النقاء. وفي بالي إذا كان الإبن، السيد صدر الدين، يحمل بين جنبيه هذا القدر من صفات النبل اللامتناهي، فكيف كان الأب، الإمام موسى الصدر؟
حتماً إن تغييب الإمام قبل أن يكون خسارة لنا كأبنائه هو خسارة فادحة مُنيت بها الإنسانية جمعاء ،ولا يسعنا سوى الدعاء اللهم أعده لنا عودة يوسف لأبيه مع عهد ووعد أن نبقى على النهج والخط .

