الوحدة تتصاعد بين البالغين فوق 45 عامًا والرجال يتصدرون المشهد

أظهرت دراسة جديدة صادرة عن مؤسسة AARP الأمريكية، تزايدًا واضحًا في معدلات الوحدة بين البالغين ممن تجاوزوا 45 عامًا، لتشكل هذه النتائج مؤشرًا على أزمة آخذة في التوسع بين الفئات العمرية المتوسطة والمتقدمة في السن.

وبيّنت الدراسة أن 40% من المشاركين في هذا العمر اعترفوا بشعورهم بالوحدة، مقارنة بنسبة 35% تم تسجيلها في استطلاعات سابقة، ما يبرز تحولًا مقلقًا في مستوى الترابط الاجتماعي.

واعتبرت المؤسسة أن هذا الارتفاع يشير إلى إعادة تشكيل عميقة في طبيعة العلاقات الإنسانية، والاتصال الاجتماعي بين الأفراد مع تقدم العمر.

ورصدت الدراسة تحولًا نوعيًا غير مسبوق في توزيع الشعور بالوحدة بين الجنسين؛ إذ أظهرت النتائج أن الرجال باتوا اليوم أكثر وحدة من النساء، في انعكاس كامل للاتجاهات السابقة، التي كانت تشير إلى أن النساء أكثر عرضة للشعور بالعزلة.

وأوضحت المؤسسة أن هذا التغيير يعكس سياقات اجتماعية ونفسية متغيرة، حيث يفقد بعض الرجال شبكاتهم الاجتماعية تدريجيًا مع تقدم العمر، نتيجة ضغوط العمل وتقلص فرص التواصل الاجتماعي خارج نطاق الأسرة أو الحياة المهنية.

كما أظهرت البيانات أن البالغين في الأربعينيات والخمسينيات من العمر يمثلون الفئة الأكثر شعورًا بالعزلة، متجاوزين فئة كبار السن.

وأرجع الباحثون ذلك إلى ضغوط الحياة اليومية والمهنية خلال هذه المرحلة، فضلًا عن تقلص شبكة العلاقات الشخصية مع الأصدقاء والمعارف، الأمر الذي يجعلهم أكثر عرضة للانعزال النفسي والاجتماعي.

أسباب الوحدة بين البالغين

حددت الدراسة مجموعة من العوامل الرئيسة التي تُسهم في زيادة معدلات الوحدة، أبرزها تقلص حجم الشبكات الاجتماعية، وتدهور الصحة النفسية، وانخفاض عدد الأصدقاء المقربين.

وأشار الباحثون إلى أن هذه العوامل تعمل بشكل متشابك، ما يؤدي إلى دائرة مغلقة من العزلة يصعب كسرها بمرور الوقت.

ووفق نتائج البحث، أكد نحو نصف البالغين الذين وصفوا أنفسهم بـ”الوحيدين”، أنهم يمتلكون اليوم صداقات أقل مقارنة بما كان عليه حالهم قبل خمس سنوات، في مؤشر واضح على أن الروابط الاجتماعية لدى هذه الفئة قد تآكلت تدريجيًا خلال الأعوام الأخيرة.

وأشارت الدراسة إلى أن هذا التراجع لا يقتصر على العلاقات الشخصية، بل يمتد أيضًا إلى ضعف المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية، مما يزيد من الإحساس بالعزلة والانفصال عن المجتمع.

وتطرقت الدراسة كذلك إلى دور التكنولوجيا في التعامل مع أزمة الوحدة، معتبرة إياها سلاحًا ذا حدّين، فبينما ساعدت وسائل التواصل والاتصال الرقمي شريحة من البالغين وكبار السن في الحفاظ على الاتصال بالعائلة والأصدقاء، فإنها أدت في المقابل إلى زيادة الشعور بالعزلة لدى آخرين لا يمتلكون المهارات التقنية الكافية، أو لا يشعرون بالارتياح في التفاعل عبر الوسائط الافتراضية.

وأوضحت AARP أن التفاوت في مهارات استخدام التكنولوجيا، إلى جانب الفجوات الاقتصادية والتعليمية، يساهم في تعميق الفجوة الاجتماعية بين الفئات المختلفة.

وبينت أن ما يُعد وسيلة للتقارب والتواصل بالنسبة للبعض، قد يصبح سببًا إضافيًا للشعور بالانفصال لدى آخرين، لا سيما أولئك الذين يجدون صعوبة في مواكبة التطور الرقمي المتسارع.

وختمت المؤسسة دراستها بالتأكيد على ضرورة تعزيز المبادرات المجتمعية، التي تتيح فرص تواصل حقيقية بين الأفراد، وتشجيع البالغين على توسيع دوائرهم الاجتماعية والمحافظة على صحتهم النفسية، باعتبار أن الوحدة، مثلها مثل أي أزمة صحية، تحتاج إلى وعي عام واستجابة مجتمعية شاملة تحد من آثارها المتنامية.

Leave A Reply