بكثير من التشكيك، استقبل طرح دخول نظام “ستارلينك” للإنترنت الفضائي إلى لبنان بوصفه بديلاً لإنترنت “الكابل البحري”، فهو من جهة يثير حفيظة “موزعي الإنترنت” في البلاد لأنه سيحرمهم ربع الزبائن في الأقل من مؤسسات وشركات، ومن جهة أخرى يبرز السؤال حول “الأمن السيبراني” ومصير بيانات المستخدمين من جراء استخدام إنترنت مرتبط مباشرة عبر أقمار اصطناعية صغيرة موزعة على مدار الكرة الأرضية، بعدما اختبر لبنان في سبتمبر (أيلول) 2024 خطورة خرق الاتصالات والضربات الشديدة التي تعرض لها تنظيم “حزب الله” اللبناني، إلا أن تلك الخطوة، قد تشكل فرصة لتأمين شبكة ذات نوعية جيدة وسريعة حتى في المناطق النائية التي تفتقر إلى البنية التحتية وشبكة الفايبر الضوئية، تتيح للمؤسسات إنجاز أعمالها بسهولة ومرونة، وبكلفة معقولة في معدل وسطي 100 دولار.
“ستارلينك” لبنان
في نهاية مايو (أيار) الماضي، زار لبنان وفد من شركة “ستارلينك” التابعة لـ”سبيس إكس” المملوكة لرجل الأعمال المثير للجدل إيلون ماسك، التي أحدثت ثورة فعلية في عالم الاتصالات من خلال شبكة هائلة مؤلفة من آلاف الأقمار الاصطناعية الصغيرة المنتشرة على مدار الأرض.
وتفتح تلك المفاوضات الباب أمام دخول تلك الخدمة بصورة نظامية إلى لبنان، بعدما جاءت بها بعض المؤسسات الخاصة بصورة مواربة إلى البلاد للحصول على الإنترنت الفضائي مباشرة من دون المرور بشبكة “أوجيرو”، وقد خطى الترخيص خطوات إلى الأمام، مع تقارير أمنية إيجابية على خلاف المواقف السابقة إبان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وغض بصر سياسي في انتظار الموافقة النهائية من مجلس الوزراء.
جدل يصاحب الترخيص لنظام “ستارلينك” في لبنان (أ ف ب)
تكشف أوساط وزارة الاتصالات عبر “اندبندنت عربية” حيثيات الترخيص لنظام “ستارلينك” في لبنان، والعوائق القانونية والأمنية، وتشير إلى أن “موقف شارل الحاج وزير الاتصالات كان إيجابياً انطلاقاً من حاجة لبنان إلى مصدر إنترنت آخر إلى جانب الشبكة المقبلة من الكابل البحري بسبب الأخطار الناتجة من الأحداث والأزمات التي تحيط البلاد”، كما أن “ثمة إلحاحاً من جانب الشركات الكبرى لتأمين شبكة اتصالات بالإنترنت مستقرة وثابتة عبر الأقمار الاصطناعية في حال أرادت الدولة العودة منهم إليها، ذلك أن عديداً من الشركات انتقلت إلى خارج البلاد، أو نقلت جزءاً كبيراً من موظفيها إلى الخارج خلال مرحلة الحرب”.
أما في ما يتعلق بالشق الأمني، تؤكد الأوساط الوزارية أن “الشق الأمني تعامل به الأمنيون والقانوني بالحكومة، أما الوزير فقد حصر مفاوضاته بالشق المتعلق بالاتصالات، وتحديد البدلات ورفع العائدات الممكنة لخزانة الدولة”، و”الوزير شارل الحاج مستعجل لإنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات، وهو ما سعى به منذ اليوم الأول لدخوله إلى وزارة الاتصالات بعد 13 عاماً على تعطيلها”، لافتة إلى “بدء المقابلات لدى مجلس الخدمة المدنية لتعيين الأكفاء والخبراء في المجال”.
حقبة جديدة من الإنترنت الفضائي
تعلق أوساط الوزارة على “إدخال بعض المؤسسات لتجهيزات ’ستارلينك‘ إلى البلاد بصورة غير نظامية، وعدم انتظار الترخيص الحكومي”، قائلة “حتى الآن، لم تصل المفاوضات إلى السماح بدخول التجهيزات بصورة شرعية إلى البلاد بسبب عدم وصول المفاوضات إلى خواتيمها، لأن الوزير يحاول تحسين شروط الدولة”.
و”تأتي تلك الخطوات في إطار استراتيجية عامة لتحسين الخدمة عامة، وخفض الكلفة على المواطن، ونقله من كونه منجم ذهب للعائدات إلى مصدر لتحريك الاقتصاد”، أما عن “تحفظات شركات توزيع الإنترنت على دخول “ستارلينك”، يأتي الجواب بأنه “ليس ثمة منافسة بين الطرفين لأن اشتراك ’ستارلينك‘ هو 100 دولار أميركي ومحصور بالمؤسسات، والضريبة المطالبة بها ’ستارلينك‘ مرتفعة، ولم يقبل بها الجانب الآخر بعد”.
معالجة الثغرات
أثار ملف دخول “ستارلينك” إلى لبنان جملة تحفظات وانتقادات، يلفت خبير أمن المعلومات ربيع بعلبكي وهو مسؤول شبكة التحول والحوكمة في لبنان إلى “عدم فصل ملف ’ستارلينك‘ المدعومة سياسياً في ظل الدور الذي يلعبه مالك الشركة إيلون ماسك”، متحدثاً عن حماسة لدى أحد الفرقاء في لبنان لإدخال نظام الإنترنت الفضائي، في مقابل تحفظ يبديه كثير من الخبراء لأنه إنترنت مباشر، ووجود أخطار الخرق الأمني الواسع، وانتهاك الخصوصية التي يفترض بالجانب اللبناني فرض حمايتها خلال المفاوضات، حسب بعلبكي.
وتحدث مسؤول شبكة التحول والحوكمة في لبنان عن تقارير أمنية حذرت من اعتماد “ستارلينك”، وهو ما يجب متابعته من الجهات المسؤولة في الأمن السيبراني ووزارة الاتصالات وجرائم المعلوماتية لتلافي أخطار اعتماد نظام جديد للإنترنت، لأن ثمة إمكانية لتفعيل شبكات “الفايبر أوبتيك” القائمة.
“ستارلينك” على الأبواب
يعد “ستارلينك” خروجاً على النظام الحالي القائم والمرتبط بالكابل البحري للاتصالات، حيث تمتلك الدولة بوابة حصرية لدخول الإنترنت إلى لبنان، وهي التي تتولى مهمة توزيعها عبر شركات التوزيع، في المقابل، فإن الإنترنت الفضائي يأتي من مصدر خارجي موصول بالأقمار الاصطناعية، وهو يشكل تحدياً لإرادة وسيادة الدول حسب خبير الاتصالات سليمان فرح، الذي يستدرك “على كل دولة تأمين مصدر آخر، ووضع خطط إضافية لتأمين استقرار الاتصالات والشبكة في البلاد، ولكن لا بد أن تأتي من خلال حال تنظيمية، تتلاءم مع حاجات البلد، وعدم الدخول بصورة غير نظامية وخرق القوانين.
اختبر لبنان في الحرب الأخيرة خطورة خرق الاتصالات (مواقع التواصل)
كما يتطرق فرح إلى “مسألة الإنترنت غير الشرعي في لبنان التي تستخدم للتضليل”، مشيراً إلى أنه “لا يعني ذلك وجود بوابة أخرى رديفة للدولة، وإنما يأتي من خلال بوابة الدولة الحصرية، قبل أن تقوم بتوزيعه على الشركات المحلية، التي يحاول بعضها في الخطوة الأخيرة توزيع الشبكة بواسطة وسائل وأدوات حديثة مختلفة عن تلك القديمة الحصرية التي تملكها الدولة، والتي تستخدم شبكة الهاتف الأرضي، بالتالي، فإنه يكتسب صفة غير الشرعي انطلاقاً من قيام الموزع في مرحلة التوزيع الأخيرة بتوصل النت إلى المنازل والمتلقي الأخير من خلال شبكة ’الواي فاي‘ أو ’كابل فايبر أوبتيك‘ من الموزع إلى المستخدم”.
يتضح أن البنى التحتية القديمة تلعب دوراً عكسياً في سوق الاتصالات، وتؤثر سلباً في سرعة وجودة شبكة الإنترنت في لبنان، وهو ما يدفع إلى البحث عن مصدر آخر مباشر من شركة الأقمار الاصطناعية إلى المستهلك، وهنا تبرز أهمية تدخل الدولة لتقنين وتشريع والتحكم بالأنظمة الجديدة من منطلق سيادي، محذراً من ارتفاع كلفة الإنترنت على المشتركين، لأن “استقدام الدولة لحزمة الإنترنت عبر الكابل البحري، ومن ثم توزيعها على ملايين المستخدمين، سيؤدي إلى تخفيض الكلفة بسبب الوفر القائم على خلاف الأمر في حال انخفاض المشتركين”.
ثورة في عالم الاتصالات
يعلق سليمان فرح على إعلان “ستارلينك” تفعيل أنظمتها فوق إيران، معتبراً إياها “عملية سياسية لأسباب حربية”، منوهاً بمحاولات تبذلها “ستارلينك” لتطوير أنظمتها، من أجل تأمين الربط المباشر بين الأقمار الاصطناعية (LEO System) والهواتف الذكية من دون حاجة إلى وساطة جهاز التلقي ووسائط التوزيع المركزية، وهو ما سيكون إنجازاً ثورياً في حال نجاحه، ويشكل امتداداً إلى حروب الذكاء التي تكرس مكانتها يوماً بعد يوم.
وحذر فرح من توسع “ستارلينك” على حساب شركات الاتصالات الأخرى عندها سيتمكن من التحكم بالهواتف والقيام بجميع الوظائف الحالية.
بشير مصطفى صحافي -اندبندنت