صبرًا أهل غزة – بقلم الاعلامي أبو شريف رباح

صبرًا أهل غزة- بقلم الاعلامي أبو شريف رباح

بين البيوت المهدمة التي لا تزال الأشلاء تحتها، وبين الشوارع التي حفرتها جنازير الدبابات والجرافات، وبين الموت والموت، وبين القهر والألم، وبين الضوء والظلام، وبين هدير الطائرات ورعد صواريخها التي تمزق سكون الليل من شمال غزة لجنوبها، ومن شرقها لغربها، أجساد ترتجف من الجراح، وقلوب تلهث بالدعاء، وأطفال تحت خيمة يتقاسمون الخوف من الموت القادم من السماء.

غزة لم تعد مجرد قطاع محاصر بل أصبحت ملعبًا للدول، وأهلها كرة تتقاذفها مصالح الإقليم، ولاعبون غرباء يتفاوضون على دماء شهداءنا والآم جرحانا وغذابات أسرانا، ويتداولون ألمنا كورقة في ملفاتهم السياسية، وكلما طال اللعب ازداد منسوب القتل والدمار والاحتلال، حتى غدت غزة وليالي أهلها عنوانًا للموت والنزوح وساعاتها محطات من القهر والمعاناة والألم.

وبين أنقاض البيوت وفي الشوارع التي غيّرت الدبابات ملامحها، تقف غزة بشموخها المعتاد رغم ما فيها من وجع وجراح مفتوحة ورغم النكبات والنزوح من مكان لمكان، لم تعرف يومًا الهدوء فتنام على أزيز الطائرات وتستيقظ على هدير الانفجارات، ولا زاوية فيها تخلو من الحزن لا شارع إلا واحتضن شهيدًا أو جريحًا ولا بيت إلا فيه دمعة أمٍ ثكلى، وتحت الخيام الباردة ينتظر الأطفال المجهول ترتجف أجسادهم الصغيرة وتتشبث أرواحهم بالسماء.

في الحرب على غزة لا مكان للحياد، حتى الصمت صار خيانة، هنا يُقتل الناس ألف مرة، وتُذبح الأحلام كل صباح، وتُسرق البراءة من عيون الأطفال قبل أن ينطقوا كلمة “سلام”، غزة التي كانت عنوانًا لقضية شعب، تحولت إلى ساحة للعبة الأمم، تفاهمات وصفقات ومفاوضات تُبنى فوق ركام البيوت، ومصالح تُنسج بخيوط دماءنا ومع كل ذلك، تبقى غزة حيّة لا تموت، وفي وجوه أطفالها الحزينة ومقل أمهاتها الصابرة بصيص أمل، وفي دماء شهدائها حياة لا تنتهي، وفي صبر رجالها حكمة الجبال هي غزة التي لا تعرف الانكسار وإن انحنت تحت الركام فستنهض، صبرًا أهل غزة… فالصبر درب الأنبياء… وإن مع العسر يسرا… وإن وعد الله حق… وسيأتي فجر لا صواريخ فيه ولا احتلال، ولا خوف… وسيأتي يوم تعود فيه غزة كما كانت بل أجمل…. لتُزهر من تحت ركامها وردة لا تموت.

Leave A Reply