هدى عبد الغفار صالح – صلة وصل
منذ أيام، يعيش سكان صور، والعباسية، وبرج الشمالي تحت وطأة أزمة خانقة، مع تصاعد الدخان الكثيف الناتج عن حرق النفايات. شكاوى متزايدة يُطلقها أهالي جنوب لبنان ونداءات مستمرة لإيجاد حلول تحدّ من معاناتهم. وقد تلقت منصة “صلة وصل” العديد من الشكاوى، خاصّة من سكان منطقة شارنيه التابعة لبلدة برج الشمالي، إذ تحول التلوث إلى كابوس يومي يُعكر صفو حياتهم.
وفي حديث مع علي حمود أحد سكان بلدة العباسية، يقول:”اعتدنا على الدخان المتصاعد من المكب منذ سنوات. ومع تخمر النفايات، وظروف الحرب الأخيرة وإلقاء الزيت والمازوت، اشتدت الحرائق وتزايد الدخان، وللأسف، لا حلول تلوح فى الأفق، فإغلاق المكب أدى إلى تكدس النفايات فى الشوارع.”
وتعكس كلمات جميلة عباس، إحدى سكان برج الشمالي، حجم المعاناة حيث تصف المشهد قائلة: “يُغطي الضباب البلدة بأكملها، ونعاني من السعال بلا توقف، وكأن الموت لا يأتينا فقط بصواريخ العدو، بل يلاحقنا أيضًا عبر السموم المسرطنة المنبعثة من مكب النفايات المحترق”.
بينما فى صور، تقول المواطنة ليلى سرور، “الوضع لم يعد يُحتمل على الإطلاق، فدخان المكب والروائح الكريهة تغمر المنطقة بأكملها. ومع كل يوم يمر، تتفاقم الأضرار الصحيّة بشكل متسارع، فأهل صور يختنقون ببطء”.
وهكذا، تعكس الشكاوى المتزايدة حجم الأزمة التي بلغت مستويات خطيرة. ومع غياب خطط فعالة لإدارة النفايات، تُترك البلديات لمواجهة مصيرها وحدها، من دون أي دعم مالي أو تقني أو حتى رقابي، ولم تجد خيارًا سوى اللجوء إلى الحرق فى الهواء الطلق. ورغم تفاقم الكارثة البيئة والصحية، لا تزال الجهات المعنية تتجاهل الأزمة، وكأنها لا تتطلب استجابة عاجلة.
بلدية برج الشمالي: مكب النفايات اشتعل لأسباب ما زالت مجهولة
أوضحت بلدية برج الشمالي في بيان على صفحتها على فيس بوك، أن “مكب النفايات اشتعل لأسباب ما زالت مجهولة”، وأضافت البلدية:”من أجل معالجة الحريق، استعنا بالدفاع المدني لإخماده، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا، وسنعمل غدًا على طمره بالتراب”.
وبينما تحاول البلدية احتواء الأزمة بالإمكانات المتاحة، ويبقى السؤال قائمًا: إلى متى ستظل معاناة المواطنين مستمرة؟ وأين دور الجهات المسؤولة عن معالجة أزمة النفايات قبل أن تتحول إلى كارثة بيئية وصحية أكبر تفوق القدرة على السيطرة؟
بول أبي راشد: مافيات تُدير ملف النفايات والدولة تتقاعس عن الحل!
يُوضح الخبير البيئي ورئيس جمعية الأرض، بول أبي راشد، لمنصة “صلة وصل” أن مكبات النفايات العشوائية منتشرة في جنوب لبنان منذ فترة طويلة، و تشتغل النيران فيها بشكل متكرر، وتلوث الهواء والتربة والمياه الجوفية، إضافة إلى تشويه المنظر العام، وسط سيطرة مافيات على هذا الملف.
ويضيف: “ما يحدث في برج الشمالي من احتراق للمكب وتلويث الجو في منطقة صور هو نتيجة لسوء إدارة النفايات، ولتراخي الدولة اللبنانية وسوء معالجتها لهذا الملف”، متسائلًا عمّا إذا كان إبقاء العشوائية في المعالجة يتم عن قصد!
أبي راشد: هل تُهيئ الحكومة اللبنانية اللبنانيين لصفقة المحارق بدلًا من الحلول البيئية؟
يستنكر أبي راشد قائلًا: “هل كل ما تريده الحكومات منذ عام ٢٠١٠ هو فرض حل المحارق رغم كلفته العالية وصعوبته وأضراره البيئية؟ وهل تصريحات وزيرة البيئة، بعد يوم واحد فقط من نيل الحكومة الثقة، عن حلها للنفايات بإنشاء محرقة واحدة لكل لبنان يُعَدْ من قبيل تحضير اللبنانيين لصفقة المحارق؟
ما يحدث في برج الشمالي من احتراق للمكب وتلويث الجو في منطقة صور هو نتيجة لسوء إدارة النفايات، ولتراخي الدولة اللبنانية وسوء معالجتها لهذا الملف
ويُؤكد أن الحل البيئي المستدام للنفايات سهل التنفيذ، وغير مكلف، وسريع، كما أنّه يحدّ من الأمراض والانبعاثات، مشددًا على أهمية اعتماد اللامركزية في إدارة النفايات، وإشراك المواطنين فى الحلول، لما في ذلك من دور في توفير فرص عمل عديدة.
كوثراني: تحرّكات قانونية لحل أزمة النفايات وسط وعود وزارية بالتدخل
يُؤكد المحامي وعضو جمعية “الفرح” الإعلامية وممثلها في تجمع الجمعيات الأهلية فى صور، علي كوثراني، أن تصاعد وتيرة حرائق النفايات في الآونة الأخيرة، وما تسببت به من أضرار على حركة السير وصحة المواطنين.
ويُوضح أنه تم بالفعل التواصل مع وزيرة البيئة، الدكتورة تمارا الزين، التي وعدت بالمساعدة لإيجاد حل للأزمة، كما جرى التواصل مع المدعي العام في الجنوب، القاضي رهيف مضان، الذي اتخذ إجراءات قانونية، من بينها أخذ تعهد على المعنيين لضمان التعاون فى الحل، إلى جانب فتح محضر وبدء التحقيقات بشفافية.
ويُضيف كوثراني أن سبب الحريق لا يزال مجهولًا، والتحقيقات جارية لمعرفة ما إذا كان مفتعلًا أم ناتجًا عن ارتفاع درجات الحرارة وتفاعل الغازات القابلة للاشتعال، مؤكدًا أّنه إذا كان السبب هو سوء إدارة النفايات نتيجة تقاعس الدولة عن إنشاء معامل فرز ومطامر صحية، ما دفع البلديات إلى اللجوء إلى هذه المكبات العشوائية تفاديًا لتكدس النفايات فى الشوارع، فلا بد من محاسبة المسؤولين عن هذا الإهمال، مشددًا على أن مدينة صور، بتاريخها العريق وحضارتها، لا يمكن أن تبقى رهينة لهذه الممارسات الخاطئة.
كوثراني: من برج الشمالي إلى العباسية والحمادية.. النفايات تحترق والمعاناة تتزايد
يُشير كوثراني مجددًا إلى أن أزمة حرق النفايات لا تقتصر على مكب برج الشمالي، بل تمتد إلى بلدات أخرى مثل العباسية والحمادية، ما يزيد من تفاقم الوضع البيئي في المنطقة.
وكان قد نشر الناشط البيئي، بيار بعقليني، عبر حسابه على فيسبوك منشورًا يُعبر فيه عن قلقه إزاء تصاعد الدخان السام.
بيير بعقليني: ألم تكفِ معاناة المواطنين من الحرب حتى يُضاف إليها حرق النفايات؟!
وكتب بعقليني: “للأسف، لدينا أكثر من 1000 مكب عشوائي في لبنان! ألا يكفي أهل الجنوب ما يعانونه من تداعيات الحرب والدمار؟ حرق النفايات له آثار كارثية على الصحة العامة!”
ناشطة بيئية: الحل الأسهل والأخطر حرق النفايات وبث السموم في الهواء
تنتقد ناشطة بيئية، فضّلت عدم الكشف عن اسمها، فشل الجهات المعنية، قائلةً: “عجز الجميع عن معالجة المشكلة، فكان الحل الأسهل – والذي لا يُستخدم حتى في أكثر الدول تخلفًا – هو الحرق، لتتصاعد السموم في الهواء، مهددة صحة السكان.”
عجز الجميع عن معالجة المشكلة، فكان الحل الأسهل – والذي لا يُستخدم حتى في أكثر الدول تخلفًا – هو الحرق
وتضيف في تصريحات لمنصة “صلة وصل”، مستنكرةً المفارقة في تعامل البلديات مع ملف النفايات: “تُنظم دورات توعوية باستمرار لتشجيع المواطنين على فرز النفايات في حاويات مخصصة، غالبًا بتمويل من الاتحاد الأوروبي، لكن مع انتهاء التمويل تتلاشى الفكرة تمامًا. والأدهى أن سيارات جمع النفايات لا تلتزم بمبدأ الفرز أساسًا، حيث يتم خلط الحاويات معًا عند التفريغ ما يفقد العملية برمتها جدواها. وكأن الجهود التوعوية استهدفت المواطنين فقط، من دون إشراك الجهات المعنية في تطبيقها بفعالية”.
وعلى الرغم من تأكيد خبراء البيئة أن الإدارة السليمة للنفايات تبدأ بالفرز من المصدر، وإعادة التدوير، وليس بالحرق، إلا أنه على ما يبدو أن المصالح والمكاسب المادية، فى ظل هذا الواقع المتدهور، هي التي تتحكم بهذا الملف.