رهان في 2021 على تعافي النفط بعد عام قاس في تاريخ الصناعة

توقع مختصون ومحللون نفطيون أن يشهد العام الجديد أداء جيدا لسوق النفط الخام، يتم خلاله التعافي بشكل ملحوظ من تداعيات وباء كورونا، التي أرهقت السوق على مدار عام 2020 وألحقت أضرارا واسعة بالطلب على النفط الخام، وتسببت في أسوأ انهيار سعري في تاريخ الصناعة في أبريل الماضي، عندما انزلقت أسعار النفط الأمريكي إلى المنطقة السلبية.

وتدخل سوق النفط العام الجديد مفعمة بالأمل في ظل اعتماد عديد من اللقاحات الموثوقة وطرحها للتطعيم على نطاق واسع في مختلف دول العالم، ما بث أجواء جديدة من الثقة بقرب التعافي الاقتصادي وقد ترافق ذلك مع تولي إدارة أمريكية جديدة برئاسة الرئيس جو بايدن التي تتولى مقاليد السلطة رسميا في 20 يناير الجاري.

وقد نجحت ضغوط الكونجرس في نهاية العام الماضي في إمرار واحدة من أضخم حزم التحفيز المالي والاقتصادي الأمريكية لمعالجة آثار الوباء، وهو ما أعطى دفعة من الثقة والتفاؤل إلى السوق النفطية في مستهل العام الجديد.. كما حدثت تفاهمات جيدة تبلورت إلى اتفاق تجاري جيد ينظم العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي التي ستشهد استقرارا متوقعا في عام 2021 بعد تسوية وتنظيم الخلافات التجارية كافة بين الجانبين.

ولعبت مجموعة “أوبك+” دورا بارزا في قيادة السوق على مدار العام الماضي وبدأت العام الجديد أكثر تماسكا مع التوافق على عقد اجتماعات وزارية شهرية تبدأ في 4 يناير الجاري، وستقرر مستوى الإمدادات النفطية الملائم بعدما تم التوافق على إمدادات محدودة في بداية العام قدرها 500 ألف برميل يوميا مع منح مهلة إلى مارس المقبل من أجل إجراء التعويضات المطلوبة لخفض الإنتاج من قبل بعض المنتجين الأقل امتثالا في العام الماضي.

وفي هذا الإطار، يقول لـ”الاقتصادية”، فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، “إن العام الجديد من المتوقع أن يشهد قطع خطوات جيدة في طريق تعافي الأسواق من جائحة كورونا بفضل اللقاحات وجهود التحفيز الاقتصادي”، مشيرا إلى أن تقديرات “أوبك” وعديد من المنظمات الدولية أن ينمو الطلب العالمي على النفط الخام بنحو ستة ملايين برميل يوميا متعافيا من مستوى 91 مليون برميل يوميا الذي تم تسجيله في عام الأزمة، بينما كان قد اقترب من مستوى مائة مليون برميل يوميا في عام 2019 قبل اندلاع الجائحة.

وتقول ين بيتش المحللة الفيتنامية “إن عام 2021 سيكون عام التعافي ولو على نحو نسبي، حيث من المرجح أن تتم السيطرة الكاملة على الوباء بحلول الصيف المقبل مع انتشار اللقاحات والسيطرة على الإصابات الجديدة”، مشيرة إلى أن الطلب الآسيوي بشكل عام كان أداؤه أفضل في النصف الثاني من العام المنصرم، حيث سجل تعافيا ملموسا وعادت حركة المرور على الطرق إلى مستويات شبه طبيعية، بينما عاني الطلب في كل من الولايات المتحدة وأوروبا تأثير ارتفاع الإصابات والإغلاق الاقتصادي الشامل لأكثر من مرة في مدى قصير.

ويرى أندريه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة أن عام 2021 يعلق عليه كثيرون آمال التعافي واستعادة حيوية النشاط الاقتصادي العالمي بعد تجاوز أسوأ عام من الركود والانكماش في تاريخ الصناعة، عادّا النفط الخام سيظل مهيمنا على مزيج الطاقة العالمي على الرغم من أن الإدارة الأمريكية الجديدة من المرجح أن تعطي دفعة قوية لمشاريع الطاقة المتجددة في أول عام من توليها السلطة وقد ينال هذا الأمر من نمو النفط الصخري الأمريكي.

من جانب آخر، ذكر تقرير “أويل برايس” الدولي أن عام 2020 سيدخل التاريخ باعتباره العام الذي قلب كل شيء في صناعة الطاقة والبيئة، لكن من المتوقع ألا يكون عام 2021 مبهرا لكن على الأرجح سيكون أفضل حالا ويمثل خطوة مهمة على طريق التعافي.

ولفت إلى أن الولايات المتحدة أقرت أخيرا أكبر قانون للطاقة في البلاد منذ عقد وتراهن بشدة على مصادر الطاقة المتجددة كما تتقدم تكنولوجيا الطاقة المتجددة لديها بشكل أسرع من أي وقت مضى، مشيرا إلى أن قطاع الطاقة يسير على الطريق الصحيح للحفاظ على القوة والنمو بشكل ثابت ومبشر.

وذكر أن عام 2020 كان متقلبا بشكل غير عادي بالنسبة إلى أسواق المال الأمريكية، لكن التأثير جاء على نحو أكبر بالنسبة إلى قطاع الطاقة بسبب تأثير عمليات الإغلاق على مستوى البلاد وتدمير الطلب على الوقود لاحقا، مشيرا إلى أن قطاع النفط والغاز كان الأسوأ أداء من بين 11 قطاعا أمريكيا للعام الـ11 على التوالي.

وأوضح التقرير أنه رغم التحديات الواسعة التي تفاقمت في عام 2020 إلا أن هذا لا يعني أن القطاع أصبح غير قابل للاستثمار تماما، لافتا إلى أن عائدات النفط جاءت معظم العام في أدنى مستوياتها التاريخية، لكن اللاعبين الأكبر في مشاريع المنبع والوسط هم الذين شعروا بالضغوط أكثر من نظرائهم في مشاريع المصب.

وذكر أنه إذا نظرنا إلى الوراء فسيمثل عام 2020 فصلا سميكا في كتب التاريخ حيث سيُذكر هذا العام بجميع أنواع الكوارث من الصحة العامة إلى الدمار الاقتصادي، لكن قد يتم تذكره أيضا على أنه نقطة تحول للطاقة النظيفة وهو العام الذي غير مسار العالم بعيدا عن بعض التغيرات المناخية الكارثية ونحو مشهد طاقة أكثر نظافة وخضرة.

وأشار التقرير إلى أن عام 2020 كان هو العام الذي أظهر لنا أن النفط في قلب الأزمة الاقتصادية العالمية، مشيرا إلى أنه عندما تسبب الوباء في توقف الاقتصاد العالمي بشكل صارخ في وقت سابق من هذا العام تراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها التاريخية ليس فقط حين تراجعت الأسعار إلى مستوى تحت الصفر، مع إنهاء خام غرب تكساس الوسيط القياسي يوم 20 أبريل الماضي عند مستوى سالب 40 دولارا للبرميل.

وأضاف أن “النفط الخام تعافي لاحقا وبشكل كبير من هذا الانهيار المذهل ولم تهتز الصناعة القوية والراسخة بفضل الشراكة القوية بين دول “أوبك” وخارجها بقيادة السعودية وروسيا التي من المتوقع أن تزدهر أكثر في العام الجديد”.

وذكر أنه بالنسبة إلى عديد من قادة العالم وخبراء الطاقة والاقتصاد في جميع أنحاء العالم كان لهذا الانهيار جانب إيجابي كبير، لقد وفر توقفا فريدا وضروريا من أجل العودة إلى العمل بشكل أكثر قوة وتماسكا وهو ما سيظهر بصورة واضحة في العام الجديد والأعوام اللاحقة، حيث دشنت “أوبك+” خطة تعامل مع السوق من خلال تعديلات إنتاجية متلاحقة حتى عام 2022.

ولفت التقرير إلى وجود جهود دولية لتقليل الاعتماد التدريجي على الوقود الأحفوري وإعادة توجيه الكوكب بعيدا عن أزمة تغير المناخ، منوها بدعوة المنتدى الاقتصادي العالمي إلى “نظام جديد للطاقة” و”إعادة ضبط كبيرة”حيث تقوم المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الدولية والاتحاد الأوروبي بصياغة أو تنفيذ خطط تحفيز خضراء خاصة في الاقتصادات الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

وأشار إلى اهتمام عدد كبير من الشركات الكبرى بتقديم التماسات إلى الكونجرس الأمريكي لتحفيز الطاقة الخضراء في العام الجديد، وهو الأمر الذي من المتوقع أن يحظى بأولوية على أجندة الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس الجديد جو بايدن.

وتوقع التقرير الدولي أن تكون الطاقة الخضراء مصدرا هائلا للوظائف حول العالم في المستقبل القريب، وتظهر بوضوح بدءا من العام الجديد، مبديا تحفظه لأنه “في الواقع نلمس أن كثيرا من قادة العالم ليسوا منخرطين بشكل كبير في دعم مشاريع الطاقة المتجددة في الوقت الحالي”، داعيا إلى تكثيف الجهود الدولية من أجل حماية البيئة على نطاق واسع عالميا.

وعدّ الاستثمار البيئي والاجتماعي وحوكمة الشركات ليس مجرد اتجاه دولي جديد، لكنه تغير جذري وتحول تاريخي موجود ليبقى في المستقبل، مشيرا إلى أنه من يقاوم هذا الاتجاه من المرجح أن يتخلف عن الركب. وتوقع التقرير أن يكون عام 2021 هو عام النهوض من الأزمة الاقتصادية الطاحنة وقد تستكمل جهود التعافي في الأعوام اللاحقة وأن عديدا من القطاعات الاقتصادية تراجع على نحو حاد في العام الماضي، بسبب انخفاض الطلب وعمليات الإغلاق ومشكلات سلسلة التوريد، “وفي المقابل نجد شركات الطاقة المتجددة اجتازت عاما جيدا جدا، كما شهدت شركات السيارات الكهربائية مؤشرات على رواج مقبل”.

Leave A Reply