حصاد 2020: مذكرات وكتب سياسية وخطايا الآباء

سناء عبد العزيز 

أنتج هذا العام حصادًا من المذكرات والكتب السياسية التي تحلل كيف سارت الأمور بشكل صحيح أو على نحو خاطئ: خبايا البيت الأبيض وأدق تفاصيل العالم في الجزء الأول من مذكرات باراك أوباما، السرّ في شياطين دونالد ترامب، وبوريس جونسون، أكثر الشخصيات تعقيدًا في السياسة البريطانية، وبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي في مرآة ألمانية لا تعرف المجاملة.

Why the Germans Do It Better"

Why the Germans Do It Better”

مرآة كامبفنر لا تعرف الإطراء

“لماذا يفعل الألمان ذلك بشكل أفضل Why the Germans Do It Better”: دليل جون كامبفنر الثري عن ألمانيا الحديثة، البلد الذي يقوم بالأمور كما ينبغي، وبما يتوافق مع تاريخه. ومثل كثير من الكتابات عن ألمانيا، فالكتاب عن بريطانيا ما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي أيضا ولكن في مرآة ألمانية، وليس في مرآة عالمية متخيلة. يرى كامبفنر أن بريطانيا “غارقة في لغة أحادية متوسطة الإمكانات، وتمتد مرجعيتها إلى الولايات المتحدة وليس أبعد من ذلك”؛ إنها تقترض وتتسوق، وتعيش في عالم الأحلام بالحنين إلى الماضي. بالنسبة للقراء البريطانيين الذين وُجِه هذا الكتاب إليهم، ثمة تناقضات مذهلة، منها على سبيل المثال، أنه من نتاج النزعة الألمانية المحافظة شخصية مثل أنجيلا ميركل، أكثر الزعماء الديمقراطيين احترامًا في العالم، بينما أنتج التنوع الإنكليزي شخصًا مثل بوريس جونسون. وبدلًا من شيطنة اللاجئين من الشرق الأوسط في قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، رحبت ألمانيا بمليون لاجئ سوري.

الكتاب يجسد الحالة التي نحن فيها على الرغم من عدم كونه متعلقًا بنا فعليًا. لقد كان عامًا سيئا بالنسبة للامتياز البريطاني، أو الاعتقاد المفرط في الثقة أن هذا البلد أفضل بطبيعته من أي بلد آخر، سواء في التعامل مع الأوبئة أو المرونة في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بإرادته. كامبفنر، وهو مراسل أجنبي سابق هرب والده اليهودي من منزله في براتيسلافا مع تقدم جيش هتلر، لا يستطيع أن يغمض عينه عن الإخفاقات الألمانية، يعترف أن لقبه يرعب الأصدقاء الألمان الذين يتوسلون إليه أن يذكر المزيد مما تخطئ فيه بلادهم. لكنه يكتب بعاطفة كبيرة عن أمة يسميها “حصن الحشمة والاستقرار”، وهي تنهض مرارًا وتكرارًا لمواجهة تحديات بعينها؛ إعادة الاتحاد مع الشرق بسلام، وفتح أبوابها للاجئين، والتصدي لوباء فيروس كورونا. حتى تشبث الألمان الشديد بما قد يبدو خانقًا إلى حد ما للأعراف الاجتماعية (عندما كان كامبفنر يعيش هناك، ترك أحد الجيران ملاحظة على سيارته، يحثه بأدب على تنظيفها لأنها “تحط من سمعة الشارع”). لكنه في النهاية يرى أن أعظم قوة لألمانيا هي استعدادها للاستجواب والتشكيك في نفسها، وهي عادة غُرست خلال سنوات ما بعد الحرب من الحساب الأخلاقي.

خطايا الآباء ندفع ثمنها

The Gambler

The Gambler

في كتابه “المقامر The Gambler” يكشف توم باور عن سر عائلة بوريس جونسون الذي لا يعرفه الآخرون. صنع توم باور اسمه ككاتب سير ذاتية بقلم لاذع، و”المقامر” ليس استثناءً. إلا أن النقد هنا لا يستهدف الرجل الذي يظهر اسمه على الغلاف، بل يستهدف والده، الشخص الشرير المسؤول عن كل التبعات، وهو ستانلي جونسون. يصوره باور على أنه أب غائب وزوج عنيف، قام بلكم زوجته بشدة حتى كسر أنفها. تقر والدة رئيس الوزراء شارلوت بأن ستانلي ضربها عندما كان الأطفال صغارًا؛ كان بوريس، للأسف، كبيرًا بما يكفي لإدراك ما يجري.

فكرة الكتاب إذًا عن الطفل الصغير المتضرر عاطفيًا، الذي تنبع عادته الغامضة في وعوده للجميع بكل الأشياء، من رغبة الطفولة في نزع فتيل المواجهات. إنه تحليل نفسي مقنع بما فيه الكفاية لواحد من أكثر الشخصيات تعقيدًا في السياسة البريطانية، ولكن للأسف يبدو أن تعاطف باور غالبًا ما يبدأ وينتهي مع بوريس، حيث يتم تفسير الأخطاء في المنصب مرارًا وتكرارًا على أنها خطأ شخص آخر.

تلوح خطايا الأب مرة ثانية في كتاب ماري ترامب، المعنون بـ”كثير جدا ولا يكفي مطلقا Too Much and Never Enough“، وهي مذكرات رائعة من ابنة أخت الرئيس الأميركي تلقي الضوء على رفضه ترك البيت الأبيض، وعلى والدها فريدي، شقيق دونالد، الابن الأكبر للعائلة، وعلى والد دونالد وفريدي؛ فريد ترامب الأب، الشخصية غير السوية اجتماعيًا. تكشف ماري عن حقيقة الأب الذي يحرض أطفاله بقسوة على بعضهم البعض، وكيف يعتبر والدها فريدي جونيور هو الخاسر، لأنه لم يكن يصلح لوراثة أعمال العائلة، فضلا عن رفضه القاطع. يتقدم ترامب ليرث التركة، لكنه لا ينسى أبدًا الدرس القائل بأن الفشل يساوي النبذ. ومنذ ذلك الحين، كان عليه أن يجعل من كل شيء يلمسه دائمًا رائعًا ومدهشًا، وعلى خير ما يمكن أن يكون.

أحاديث الوسادة في “أرض الميعاد”

A Promised Land

A Promised Land

من الواضح أن سنوات ترامب ألقت بظلالها على باراك أوباما وهو يكتب مذكراته عن الحياة في البيت الأبيض “أرض الميعاد A Promised Land“، الكتاب الذي بمجرد صدور الجزء الأول منه في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، حطم الرقم القياسي كأعلى إجمالي مبيعات لأي كتاب تم نشره في اليوم الأول. يبلغ طول الكتاب 768 صفحة، ويغطي حملته الانتخابية والسنوات الثلاث الأولى من فترة رئاسته.

أكثر أجزاء الكتاب جمالا وحميمية هو ذلك المتعلق بأحاديث أوباما وزوجته ميشيل المستمرة على الوسادة، حيث تعود الزوجان مناقشة تفاصيل حياتهما قبل النوم. يروي أوباما كيف تأرجحت العلاقة بينهما ما بين الرفض والغضب لإصراره على خوض غمار السياسة وهو ما حال دون العيش معا حياة زوجية مستقرة، وبين المرونة والقبول والتشجيع فيما بعد.

أحد أسباب طول الكتاب هو تكريسه مئات من الصفحات لإنجازاته بالطبع، فما ألقي على عاتقه في الفترة التي تولاها لم يكن هينا، وإن انطوى على كثير من المبالغة. وحين يصف زيارته لمصر عام 2009 وخطابه الشهير فى جامعة القاهرة، يستفيض في وصف شوارع القاهرة الخالية من السكان على الرغم من أن عدد سكانها آنذاك كان حوالي 16 مليون نسمة. ليس إلا ضباط الشرطة منتشرين في كل مكان، وهو ما ينم عن سطوة القبضة الأمنية للرئيس المصري السابق حسني مبارك: “يا له من تناقض بين الشوارع الفارغة، والقاعة الضخمة بجامعة القاهرة المكتظة بالناس”.

يعتبر الكتاب الجزء الأول من مجلدين، ينتهي الأول بأحداث مقتل أسامة بن لادن 2011، على أن يغطي الجزء الثاني الذي لم يصدر بعد، بقية أحداث فترة رئاسته حتى عام 2017. ذكر أوباما في تغريدة على “تويتر” أن مذكراته تهدف إلى “تقديم تقرير صادق عن فترة رئاستي، والقوى التي نكافح معها كأمة، وكيف يمكننا معالجة انقساماتنا وجعل الديمقراطية تخدم الجميع”.

القصص القصيرة الأكثر إثارة هذا العام

The Dominant Animal

The Dominant Animal

يعاني الأدب من تراجع القصة القصيرة في الآونة الأخيرة، غير أن هذا العام كان حافلا بمجموعات من القصص القصيرة المطمئنة والواعدة ببث دماء جديدة في هذا النوع المهضوم على مستوى الكتابة والنشر.

عبر أربعين قصة قصيرة متنوعة جمعتها كاثرين سكانلان في كتابها “الحيوان المهيمن The Dominant Animal“، نحصل على متعة لا تضارع، بجملها المنحوتة بشدة والسيناريوهات المثيرة للقلق. كما يتردد صدى مجموعة متنوعة من الأنواع الأدبية في هذه القصص: الشعر، الأمثال، الحكايات الخرافية، الأسطورة، والنكات. هذه القصص تغزل على الوتر الحساس للفشل البشري في الحفاظ على الروابط الأسرية، الداعم الحقيقي لوجودنا، تحت الرغبة الملحة في الشرود والانفصال الداخلي، فتتشكل الحياة من خلال الإهمال العادي بين الأزواج والأبناء. العلاقات بين الناس والحيوانات الأخرى مشروطة وقاسية؛ تفشل الأجساد والأنفس في التماسك، ولا يمكن للمتعة أن تحافظ على نفسها أو بأي معنى.

 Modern Times

Modern Times

مع السطر الأول الذي تفتتح به الإيرلندية كاثي سويني مجموعتها القصصية الأولى، “الأزمنة الحديثة Modern Times“، ندرك أننا حيال موهبة قوية، بأسلوبها المباشر، وجملها المشدودة مثل أوتار القوس: “كان هناك ذات مرة امرأة أحبت ديك زوجها كثيرًا لدرجة أنها بدأت تصحبه إلى العمل داخل علبة طعامها”.

تتميز المجموعة بطاقة وحيوية وسريالية وكوميديا، مع أساطير متشابكة؛ نلتقي بامرأة ذات أفواه كثيرة؛ امرأة طفلها رجل كبير في السن؛ رجل يتنقل في جميع أنحاء مدينة ريفية، يصنع أفلامًا بدون كاميرا؛ امرأة تدخر لسنوات من أجل شراء دمية جنسية لزوجها في عيد ميلاده. إنه كتاب غريب بشكل مذهل، مليء بشخصيات عجيبة والسيناريوهات أعجب.

Reality and Other Stories

Reality and Other Stories

بينما في “الواقع وقصص أخرى Reality and Other Stories“، يصمم جون لانشيستر مجموعة من قصص أشباح حول القوة الأكثر خطورة وتطفلا وغير المعروفة في حياتنا؛ التكنولوجيا. يستهل لانشيستر مجموعته الأولى، بدرس في آداب السلوك، يقول الراوي لابنه البالغ من العمر تسع سنوات: “لا يُسمح لك بطلب كلمة مرور واي فاي قبل أن تقول مرحبًا”؛ “إنها ببساطة إحدى القواعد”. تتألف المجموعة من ثماني قصص عن أشباح معاصرة، ينبع الرعب من السطوة غير القابلة للمقاومة التي تمارسها التكنولوجيا علينا. في الحياة الواقعية، نحن مهووسون، مشتتون، غير مهذبين، نطفو في عالم من تفكك الروابط البشرية والإخطارات التي لا تنتهي. فهل يمكن أن يكون الخيال أكثر سوءا؟

متتالية قصصية

في المساحة الخصبة بين القصة القصيرة والرواية، يقع كتابان مذهلان هذا العام. الأول هو أول كتاب سردي للشاعرة فرانسيس ليفيستون “الصوت في أذني The Voice in My Ear”، ويقدم شريحة من 10 بطلات مختلفات، جميعهن باسم كلير، يتعاملون مع مطالب العالم وأمهاتهن الصعبة. تتباعد القصص عن بعضها البعض لتكوين صورة تكعيبية للأنوثة المعاصرة، وتتشابك في ديناميات قوة معقدة مع العائلة والأصدقاء والعشاق. على الرغم من اختلاف أعمارهن وحياتهن، فكل واحدة مطاردة من صعوبة العيش، وقدرتها على أن تأذي وتتأذى في الوقت نفسه.

Good Citizens Need Not Fear

Good Citizens Need Not Fear

الكتاب الثاني لماريا ريفا “المواطنون الصالحون لا يحتاجون إلى الخوف Good Citizens Need Not Fear“، وهو عبارة عن حكايات مترابطة تتمحور حول مبنى سكني متداع في أوكرانيا يعبر عن عبثية حياة ما بعد الاتحاد السوفييتي. بلدة كيروفكا الأوكرانية في الثمانينيات هي مسرح الأحداث، والبطولة جماعية لشخصيات تعيش في نفس المبنى. حقق كتاب ريفا الأول الرائع التأثير العاطفي التراكمي في الوقت المناسب. ويعود ذلك جزئيًا إلى إتقانها للشكل، فالقصص مرتبطة بوحدة المكان والزمان والعلاقة. والأهم من ذلك، تنبض بالحياة من خلال تعامل ريفا مع الظلام والنور.

Leave A Reply