“منظومة المئة عامل في النحو”: عودة إلى آراء الجرجاني

على مدار التاريخ، برزت دعوات عديدة لتجديد النحو وتيسيره بعد أن اعتمد العديد من النحويين القدامى آراء فلسفية في تفسير بعض المسائل، ما زاده تعقيداً وجعل استيعابه صعباً على المتحدثين بالعربية، وإن كانت معظم الطروحات الجديدة مبنية على نقد القديم دون إضافة حقيقية.

وتستدعي محاولات التجديد الوقوف عند مؤلّفات أساسية في التراث واستيعابها من أجل تجاوز طروحاتها، وفي هذا الإطار صدرت نسحة محققة من كتاب “منظومة المئة عامل في النحو” للقاضي طلحة بن عبد الله الحنفي الزبيدي بتحقيق الباحث علي حكمت فاضل محمد عن “معهد المخطوطات العربية”.

يستند المخطوط إلى كتاب “العوامل المئة” الذي ألّفه عالم اللغة عبد القاهر الجرجاني، واعتمد في تصنيفه للنحو على أصول ثلاثة، هي العامل والمعمول والعمل، ويعدّ من أبرز المراجع التي راكم عليها النحاة اللاحقون، ومنهم القاضي الزبيدي الذي وضع كتابه على شكل أرجوزة شعرية.

ونشأت نظرية العامل في محاولة لتفسير التغيرات التي تطرأ على أواخر الكلمات العربية، باعتباره حدث بسبب عامل هو الذي أوجد هذا التغير، وكلما اختلف العامل اختلف الإعراب، فالعامل هو ما يؤثر في اللفظة تأثيراً تنشأ عنه علامة إعرابية ترمز إلى معنى خاص، وتنقسم العوامل إلى لفظية تشمل الفعل والحرف والأسماء، ومعنوية كالعامل في المبتدأ وهو الابتداء.

وتعدّ هذه النظرية في النحو العربي مِن أقدم مسائل اللغة وأكثرها إثارة للجدل والمناظرة حتى اليوم، ويعرّفها الجرجاني في كتابه بالقول: “هو ما أوجَب كونَ آخرِ الكلمة مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا أو ساكنًا، نحو: جاء زيد، مررت بزيد، ثم رأيت زيدًا”.

وانقسم العلماء حول العامل قديماً وحديثاً لأن الأخذ به يستدعي أن يكون لكل ظاهرة إعرابية عامل ظاهر أو مقدَّر يلزم بالذهاب نحو التأويل الذي لا داعي له لدى كثيرين، وقد اقتصر الجرجاني في مذهبه على عاملين اثنينِ، هما عامل الرفع في المضارع، وعامل الرفع في المبتدأ والخبر.

وسار على نهجه القاضي الزبيدي الذي تميّز كتابه هذا، بحسب تقديم المحقّق، بسهولة لغة النّاظم، تقسيمه الذي لم يخرج به على تقسيم الجُرجاني، وتفقير النّظم إلى فقرات يسهل على القارئ معرفة الموضع الذي يقرأ فيه، وقلّة عدد الأبيات التي استعملها النّاظم، فقد كان النّظم مختصراً جدّاً وغنياً بالمادّة العلميّة.

المصدر: العربي الجديد

Leave A Reply