الرد العسكري الإيراني والإنقسام اللبناني..

من البديهي أن ينقسم اللبنانيون بين مؤيد ومتحمس للهجوم الإيراني على الدولة العبرية، وبين ساخر أو مشكّك بجدية هذه العملية، غير المسبوقة في تاريخ الصراع العربي ــ الاسرائيلي. فالإنقسام السياسي والوطني هو السمة الغالبة على المجتمع اللبناني، الذي يُعاني من إنشطار عامودي مزمن، يكاد يطال الهواء الذي يكاد يجعلون له لوناً ورائحة!

في المبدأ، من المفترض أن يكون كل لبناني، بل وكل عربي، متحمساً للعملية الصاروخية الإيرانية ضد الكيان الصهيوني، الذي يتعرض لأول مرة في تاريخه، لمثل هذا الهجوم المباشر في عمق الأراضي المحتلة، ويستهدف مواقع وقواعد عسكرية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. قد لا تكون المسيّرات والصواريخ أصابت كل أهدافها، إلا أن مفاعيلها السياسية والنفسية ليست خافية على أحد.

المشكّكون يعتبرون أن الهجوم الإيراني كان أشبه بفيلم هوليودي، ركيك الإخراج، لأن المسيّرات كانت بطيئة ومن الأجيال القديمة، وإستغرقت أكثر من ساعتين لبلوغ الفضاء الإسرائيلي، فضلاً عن أنها سهلة الإصطياد من المضادات الأرضية، أو من الطائرات الحربية الأميركية والبريطانية والفرنسية التي تسابقت للدفاع عن الأهداف الإسرائيلية، والتصدي للمسيّرات في الجو وقبل بلوغها المواقع الموجهة لها. وبالتالي فإن الهجوم الإيراني فَقَدَ عنصر المباغتة، أحد أهم عناصر نجاح أية عملية عسكرية بهذا الحجم.

ولا يفوِّت هؤلاء الإشارة إلى أن طهران أعلنت، عبر بعثتها في الأمم المتحدة، عن إنتهاء الرد العسكري الإيراني، قبل أن تنتهي عمليات التصدي للمسيّرات والصواريخ، من قبل تل أبيب وحلفائها، بل وقبل أن يصل العديد منها إلى هدفه الإساسي.

المتحمّسون يسجلون لطهران جرأة القرار بتوجيه الضربة الصاروخية من الأراضي الإيرانية بالذات، ومباشرة إلى الكيان الصهيوني، وعدم تحميل الحلفاء والأذرع العسكرية في لبنان والعراق واليمن وسوريا، أعباء هذه العملية وتداعياتها المحتملة، في حال ركب نتانياهو رأسه وتجاهل طلب الرئيس الأميركي بعدم الرد، تجبناً لإنزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية، تعمل واشنطن على إبعاد شبحها منذ الأيام الأولى لحرب غزة.

ويعتبر هذا الفريق أن الرد المحدود، والذي جاء نتيجة مشاورات مستفيضة مع حلفاء إيران، وخاصة موسكو وبكين، وليس بعيداً عن الإتصالات الناشطة مع مفاوضين أميركيين في المنطقة، أكد على حرص إيران تفويت الفرصة على الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، ورئيسها الذي يحاول بشتى الطرق توسيع رقعة الحرب في المنطقة، هروباً من فشله في غزة، وحفاظاً على ما تبقَّى من دوره السياسي، بعد تصاعد المعارضة الداخلية ضده.

والجدال بين الطرقفن المشكِّك والمتحمِّس مازال على أشده، والإحاطة بتفاصيله تحتاج إلى مجلدات، بعدما إتخذ وسائل التواصل مرتعاً له، وتجاوز الخطوط الحمراء في عدم إحترام لياقات المخاطبة.

ولكن ..، ماذا لو أعاد نتانياهو الكرّة، وقام بمغامرة عسكرية جديدة ضد إيران؟

تُرى هل نسينا، في اليومين الماضيين، حرب الإبادة الجماعية في غزة؟.

صلاح سلام – اللواء

Leave A Reply