ذكرى 14 شباط: ماذا عن اليوم التالي؟

عودة مختلفة للرئيس سعد الحريري إلى لبنان للمشاركة في الذكرى السنوية الـ19 لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، لا تشبه عودته التي حصلت العام الماضي بعد عامين من إعلان عزوفه وتيّار المستقبل عن دخول معترك العمل السّياسي، وعدم خوضه غمار الإنتخابات النيابية التي جرت ربيع العام 2022.

فمنذ عودته من منفاه في الإمارات ليل الأحد الماضي، تحوّل منزله في وسط بيروت إلى قبلة الشّخصيات السّياسية والحزبية والدينية والأمنية التي زارته تباعاً، والتقت فيه الرئيس العائد الذي حركت عودته المياه الرّاكدة في الحياة السّياسية اللبنانية، واحتلت عودته المشهد السّياسي والإعلامي على نحو واسع، ما أثبت أنّ الفراغ الذي تركه الحريري خلفه لم يستطع أحد أن يملأه بعده.

خلال اليومين الماضيين إلتقى الحريري شخصيات من مختلف التيّارات السّياسية، ليست فقط التي يربطه بها صداقات وتحالفات سياسية، إنّما أيضاً من اختلف معها ومن ناصبته العداء السياسي وكان معها على خصومة حادة، كان على رأسها التيّار الوطني الحرّ، الذي اعترف أحد نوّابه، آلان عون، من على منبر مجلس النواب خلال جلسة مناقشة الموازنة العامّة، بأنّ غياب الحريري ترك خلفه فراغاً كبيراً، ودعاه للعودة إلى ممارسة دوره السّياسي في لبنان.

في الشّكل بدت عودة الحريري هذه المرّة مختلفة عن السّابق، ليس بسبب “اللوك” الجديد له بعدما قصّ شعر رأسه، إنّما أيضاً في انخفاض حدّة سقف الخطاب السّياسي له ولتياره عما كان عليه في السّابق، الذي بدا أقلّ توتراً، إلى درجة بدا معه وكأنّه ليس هناك من يعاديه أو يناصبه الخصومة السياسية في لبنان، وهو تطوّر يُنتظر أن ترافقه مشاركة سياسية واسعة من مختلف الأطياف في ذكرى 14 شباط، وتحوّلها إلى ذكرى وطنية، بعدما حاول البعض ـ لأسباب مختلفة ـ جعلها مقتصرة على طرف واحد، أو أنّها مناسبة عائلية ليس إلّا.

غير أنّ كلّ هذا لا يجدي نفعاً في السياسة، لأنّ ثمّة أسئلة وهواجس كثيرة تنتاب الحريري وتيّاره وحلفائه، وحتى خصومه، أبرزها: ماذا سيفعل الحريري بعد انقضاء الذكرى، وماذا عن اليوم التالي بعدها، هل سيبقى في لبنان ليعود ويمارس دوره في الحياة السياسية، وهل رفعت السعودية “الفيتو” عنه في سبيل تحقيق هذه العودة، أم أنّه سيحزم حقائبه ويغادر مجدّداً إلى الإمارات مع الإبقاء على تعليق عمله السّياسي، على أن يعود للمشاركة في الذكرى العشرين لاغتيال والده العام المقبل؟

لا إجابة عن هذه التساؤلات وغيرها حتى الآن، وسط غموض لا يكتنف مصير عودة الحريري إلى لبنان، وسذاجة وسطحيّة البعض في التعاطي وفي مقاربة هذه العودة، إنّما في ظلّ غموض وقلق حول مستقبل الكيان اللبناني الذي مضى أكثر من 100 عام على نشأته، وحول مصيره الذي يبدو قاتماً، وسط الإضطرابات الكبيرة التي تضرب الشرق الأوسط بشكل لم تشهدها المنطقة منذ الحرب العالمية الأولى.

عبدالكافي الصمد – سفير الشمال

Leave A Reply