نعَم دفاعاً عن محمد… النبيّ!

لمن القرآن الكريم؟ لمحمّد الذي حمَل النبوّة وحمل القرآن، أم للّه الذي خلق فسوّى فقدّرَ فهَدى..؟ وقال ربك «إنّا علينا جمعَه وقرآنه ثم إنّا علينا بيَانه». وعلى أي أساس يقولون إن النبي هو الذي كتب القرآن؟

محمد لم يكن فيلسوفاً ولا مفكّرا كما يسمّى اليوم الفيلسوف أو المفكّر. أول صفاته كانت الصادق الأمين . كان صالحاً وطيّباً وذا صيت عطر بين الناس. والكلمات الثلاث التي يقال اليوم أنه كتبها في زمانه «محمد رسول الله» تدلُّ على أي بدائية كان خَطُّه. ولم يكن الرسول شاعراً ولا أديباً ولا حتى خطيباً إلّا في حالات محدودة ومعدودة ذكرها المؤرخون. فمن أين لشخص هذه أدواته ومعارفُه وعلومُه البسيطة والفطرية جدّاً أن يسطّر القرآن الذي أجمع أغلب علماء اللغة والفكر على أنه كتابٌ جمع مسيرة التاريخ وحضارات الشعوب وتحديات الدول والشخصيات المؤثرة في الزمان والمكان والحالات الإنسانية المُستفاد منها والطبائع البشرية والدقائق عن الكون أو بعض الكون وقدّمها في صفحات شُهِد لها بالعمق والصدق والصحة؟

من أين يعرف محمد بن عبدالله بكل هذا؟ ومن الذي زوّده هذا العلْم الفياض؟ ومن الذي كان في زمان محمد وأزمنة تالية يملك دلائل أو وثائق عما قيل وسيقال في القرآن؟

إن معظم المؤرخين المُشكّكين في صدقية النبي محمد لجأوا إلى دور ورقة بن نوفل، قريب خديجة، الذي كان عالماً مسيحياً لديه بعض نصوص التوراة والإنجيل كما قيل.. وهذه وحدها سفاهةٌ وتزوير لأن أول ما تُرجمَ ونُسِخ من الأنجيل كان حوالى ٦٥٠ ميلادية أي بعد محمّد بحوالى مئة وخمسين سنة؟ وما هي تلك النصوص؟ ومن أين جاء بها ورقة؟ ومن حكَم على تلك النصوص التي كانت لدى ورقة بأنها صحيحة؟ وحتى لو كانت هناك بعض المعلومات عن التاريخ منحها ورقة لمحمد هل يمكن أن يستطيع محمد أن ينظّمها ويرتّبها ويقدّمها بالتسلسل الزمني المطلوب الذي ورد في القرآن؟ وما هي تلك التشريعات التي كانت مع ورقة؟ مسيحية؟ يهودية؟ وثنية؟ وكيف لمحمد أن يصدّق هذا النوع من الوثائق بمجرد أنها عند ورقة خال خديجة زوجة النبي/ وأهمّ: كيف توافق خديجة على الزواج بمحمّد وهو «مُختَلِق» دين جديد، برعاية وتدبير خالها، وهي أول من آمنت به، فهل آمنت بدين ركّبَه خالها وزوجها وبقيت إمّا مغشوشة أو جاهلة أو «متواطئة» عشر سنين من حياة النبي؟ لقد طبَلوا الدنيا بقيمة ورقة بن نوفل والراهب في بصرى بَحيرة وإدراكهما المستقبل فكأنهما كان نبيّين جاءا من الغيب ليدعما نبياً ثالثاً هو محمد يحمل رسالة مختلفة كلياً عن ديانتيهما؟

ما أوهنَ الاختلاقات؟ وما أتعس الضياع؟ وفرضاً كان محمّد بين هذين الرجلين يعطيانه ما يريد، فمن أعطاهما هُما تلك اللغة السليمة التامة المرصّعة بأجمل الجماليات في البيان؟ اللغة.. اللغة القرآنية التي تغمر عُلوم الصرف والنحو بأفضل الأساليب البلاغية التي كان أغلبُها جديداً على الآذان لا مكرّراً أو مُعاداً ينطقان بها رجلان (أو نجعلُهما ينطقان بها) لا أساس ولا أصول عميقة في اللغة العربية عندهما. وهل جلسنا إلى كثير من آيات القرآن بالتفصيل، ودقّقنا في التعابير الخارقة في قوّتها ونفاذها التي فيه؟ وإذا انصرفنا إلى كتّاب الوحي العِشرين أو أكثر، وإلى الصحابة المقرّبين الأكثر من عشرين، لتوصّلنا إليهم جميعاً وليس بينهم من تجرّأ على ادّعاء حرف أو جملة إلّا بعض ما روي عن بعضهم لذر الرماد في العيون من كتّاب غير موثوقين؟ وهَبوا جميعاً أن محمداً كتب القرآن أو ألّفَه، أو دلّه ورقة عليه، أليس بين صحابته ومعارفه بالمئات من كان سيقول له ما هذا يا محمّد، وصحابتُه ومعارفه كانوا من كرام القوم ومن المُعتَبَرين سلوكاً ومواقف؟ ألم يكونوا ليكشفوا المستور إذا كان هذا هو المستور؟ أكثر من عشرين عاماً ومحمد يتلقّى الوحي ويكتبون له تحت بصرِه والناس شاهدون على كل شيء، وبقدرة عبث يطلَع على الناس من يقول أن هذا من ورقة بن نوفل أو من الراهب بَحيرة؟ لكن الحق الحق إن ورقة وبَحيرة وغيرهما إذا كان (ولم يظهر بعد!) لا دخلَ لهما بهذا الذي تتفتق عنه عبقريات بعض الممسوسين برغبة النقض والمُخالفة للسائد (في قضية مقدّسة لأربعة مليارات مسلم في الكرة الأرضية بينهم نصفهم على الأقل بالِغوا الإطلاع العلمي والديني ومؤمنون بالله ورسوله والوحي وإن كانوا معترضين ورافضين حياكة الفتاوى التي قتلت الإسلام). فالرفض ليس أعلى مرتبة من الدخول في الإجماع، ولا سيّما أن الإجماع كان عند العلماء المحترَمين يرى ويفكّر ويتحدث وليس صنماً كما يعرفون عنه؟

إذن هذا هو وحي الله. هذا كلام الله. هذه آيات الله التي ما كان لمحمد أن يأتي بمثلها لا من فوق الأرض ولا من تحت الأرض.

وأمّا ورقة بن نوفل فقد مات بعد ثلاث سنوات من الرسالة النبوية (فما دوره بعد ذلك، أم يكون خزّن لمحمّد آيات لما سيحصل معه لسنوات؟!)، وأمّا بَحيرة فقد رآه محمد مرة واحدة رُكّبَت عليها أساطير!

ينبغي اعتذار البعض من ورقة بن نوفل والراهب بحيرة… لتحميلهما حِملاً لا شأن لهما فيه، وإذا كان هناك آخرون فليدلّونا عليهم حتى يكتمل التشكيك الذي لِعَماهُ تراهُ مقصوداً جداً وهدفهُ:

الله لا وجود له، والقرآن مخترَع، ومحمد «شبّيح»، والصحابة «فريق كرة قدم»، ولا وجود للشّعر الجاهلي المنحول ولا «لنهج البلاغة» المدسوس، وما إلى هنالك من الخبائث التي تمتطي الفكر لإفراغ تراثنا من كل إضاءة فيه.

لقد كبّروا ورقة بن نوفل حتى جعلوه مكتبةً متنقلةً بنصوص لم تكن «مطبوعة» في زمانه، وسيّدوهُ على محمد لا لشيء إلّا لإمرار فكرتهم البلهاء أن نوفل «القارئ الكاتب الأفضل» في عهده. ونصّبوه راويةَ الأُممِ ومؤرخاً عالِماً بانقلابات الأزمان، وشمَلوا محمّداً بتلك المعرفة الكونية حتى لا يعترفوا أن محمد غاية في التواضُع، وتالياً فإن القرآن الذي أوصلهُ، هو وحيٌ من عند الله.

بوضوح: هناك جهات وأشخاص ومراجع خبيثة كانوا وما زالوا يعملون على إظهار قيمة محمد وأهميته الفكرية وأسبقيّته في التأثير على الناس… وكل همّهم إقناع الجمهور بذلك، على أساس إنجاز حضاري إنساني مُكَرَّم… غير مرتبط بالدين فيكون محمد عندهم فيلسوفاً ومُفكّراً ومُصلحاً إجتماعياً فريداً في الكون، ولكن كل هذا من عنده هو وليس من الله، ولا هو نبيّ.

يُكبِرون محمدا في الفكر والإنسانية، من أجل إرضاء بعضنا، ليُعدِموه في الدين والاتصال بالسماء.

وتبقى فئةٌ تقطع الطريق على عقلها وعِلْمها بالقول إن لا بلاغة ولا إعجازاً في لغة القرآن، حتى لا تُدعَى لمناقشة النصوص القرآنية، وتالياً تعيش على وَهْمِ نبذِ شيءٍ عظيم لا قدرة لديها على بلوغ روعاته أو الاعتراف بها، ولا تستطيع تهشيمَهُ، فتَعتقدُ أنه سيُهَشّمُ… بالتجاهُل!

عبد الغني طليس

Follow Us: 

Leave A Reply