الخارج والداخل يطالبان الدولة بدفع ديونها

إنضَمّت جامعة «هارفرد» الاميركية الى المرجعيات الاقتصادية العالمية التي حمّلت الدولة اللبنانية مسؤولية الأزمة المالية، وتالياً يقع على عاتقها إيجاد حل لرد على الاقل جزء من الودائع التي لطالما اعتبرتها «مقدسة» والسير بخريطة طريق لمعالجة الخسائر.

قدّمت الدراسة، التي أنجزتها جامعة «هارفرد» الاميركية تحت عنوان «ورقة سياسات حول الأزمة المالية في لبنان وخريطة طريق للتعافي»، 4 خطوات اساسية على الدولة اعتمادها للخروج من الأزمة والبدء بالتعافي، وهي:

– الدولرة الشاملة

– إعادة الهيكلة المالية

– إعادة هيكلة الدين العام

– تطوير قطاعات جديدة تزيد من النمو الاقتصادي، مثل: منتجات زراعية، الغاز الطبيعي، خدمات القيمة المضافة، وتعزير البنى التحتية السياحية.

وتقترح الدراسة في بند اعادة الهيكلة المالية تحويل الفجوة في مصرف لبنان والمقدّرة بـ 76 مليار دولار (والتي هي عبارة عن ودائع المصارف لدى مصرف لبنان التي تبخّرت) الى سندات دين على الدولة تُضاف الى مبلغ الـ 31 مليار دولار قيمة اليوروبوندز، ليصبح مجموع دين الدولة 107 مليارات دولار. وعليه، ولدى بدء التفاوض مع حاملي اليوبوندز من اجل اعادة هيكلة الدين، يتوقع ان تدفع الدولة ما بين 10 الى 20% من قيمتها الفعلية. وانطلاقاً من مبدأ عالمي يفيد بأن ما يسري على الديون الخارجية يسري على الدين العام، تعيد الدولة للمودعين النسبة نفسها من ودائعهم. وتشدد الورقة على مبدأ ضمان تغطية كل الودائع حتى سقف محدّد يتراوح وفق تقديرات الدراسة بين 100 و150 الف دولار، على انّ كل الودائع التي تزيد عن هذه المبالغ قد يلحقها الهيركات بحوالى 80%.

فهل يمكن ان يكون هذا الحل مقبولا وقابلا للتنفيذ؟ أم انّ إنشاء مؤسسة استرداد الودائع يبقى الافضل؟

في السياق، يؤكد الرئيس السابق لجمعيّة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ»الجمهورية» انّ هذا الحل مرفوض كلياً حتى اننا لا نريد صندوقاً لاسترداد الودائع، بل نطالب بأن يدفع كل طرف الدين المتوجّب عليه. وشرح انه لم يكن لسندات الدين اللبنانية قابلية كبيرة من قبل بيوت المال الدولية لشرائها (مثل غولدمان ساكس ومورغان ستانلي وjpmorgan…)، لذا كانت بغالبيتها محمولة من المصارف التجارية اللبنانية، الذين اشتروها من باب الاستثمار والمساهمة في تمويل عجز ميزانية الدولة، بينما لم يتدخل المودعون مُطلقاً بهذا النوع من الاستثمار، وبالتالي هو قرار مصرفي 100% ويتحمّل مسؤوليته المصرف بأمواله الخاصة وليس بأموال المودعين، لذا لا يجوز الربط إطلاقاً خلال التفاوض بين مصير اليوروبوندز والودائع اللبنانية.

وتابع حمود: عندما وقعت الأزمة وبعدما جرت الهندسات المالية، بدأت المصارف ببيع اليويوبوندز الى بيوت المال الدولية بخصومات كي تتمكن من تأمين السيولة للمشاركة في الهندسات المالية، وتبيّن انه بعدما كانت هذه البيوت تحمل ما بين 3 الى 4 مليارات دولار من قيمة اليويوبوندز بدأ هذا الرقم يتصاعد وصولاً الى 15 مليار دولار، مُرجّحاً ان يكون وصل هذا الرقم حتى اليوم الى حدود 22 مليار دولار من أصل الـ 31 مليار دولار، ما يعني انّ اليوروبوندز اليوم باتت خارج اطار القطاع المصرفي اللبناني.

انطلاقاً من ذلك، يَتحتّم على الدولة اليوم البدء بالاصلاح قبل حلّ فجوة المركزي وقبل البدء بحل للودائع وقبل المَس برساميل المصارف. والسؤال المطروح: ماذا تريد الدولة في مسألة سداد ديونها؟ هل تريد التوصّل الى اتفاق مع الدائنين؟ وأكد حمود انّ هذه الخطوة هي مدخل للاصلاح لأنّ التوصّل الى اتفاق مع الدائنين او حملة السندات الخارجيين سيرفع من تصنيف الدولة، وهنا لا بد من الاشارة الى انّ 70% من الديون باتت محمولة من الاسواق الخارجية.

مقارنة المودع بحاملي السندات؟

واستكمل حمود كلامه بالقول: هل يجوز مقارنة المودع اللبناني الفقير والضعيف الذي أمّنَ على امواله في المصارف اللبنانية ووثق بعمل لجنة الرقابة على المصارف والمصرف المركزي وحكومته على مدى 30 عاماً، هل يجوز مقارنته بهذا المُمتهن الكبير الذي اشترى هذه السندات خلال الازمة؟ كيف يمكن المساواة بين الطرفين؟ فالمودعون ليسوا بدائنين لا للدولة ولا لمصرف لبنان إنما للمصارف، وبالتالي لا يمكن للدولة ان تعكس ايّ اتفاق تُجريه مع دائنيها على ودائع الناس.

وتابع: ليس للمودع أموال مع الدولة ولا مع مصرف لبنان بينما بيوت المال الدولية هي من اشترى سندات الدين الحكومية بإرادتها ولا علاقة للمودع بالدين العام، فهو أودعَ امواله في المصارف التجارية. بمعنى آخر هو لم يضع امواله لا مع مصرف لبنان ولا مع الدولة انما مع المصارف. وعليه، هو حالة مختلفة يجب معاملته بطريقة مختلفة.

أضاف: البنك المركزي وضع ودائعه مع الدولة، أمّا المودعون فوضعوا ودائعهم مع المصارف. لذا لا يجوز لهذا الاخير ان يستمر بالعمل اذا كان غير قادر على إرجاع الودائع والاكتفاء بإرجاع 15% منها، واذا وقع البنك بخسارة تقع عليه مسؤولية تأمين رساميل لتغطية خسارته ولا يجوز تحميلها للمودع.

ولدى سؤاله اذا كان يعتبر صندوق استرداد الودائع حلاً؟ قال: كمودعين لا علاقة لنا بهذا الصندوق، لأنّ الغرض منه رَد ودائع المصارف لدى مصرف لبنان على ان ترد على أثرها المصارف الودائع الى مودعيها، ولتحقيق ذلك يقع على عاتق الدولة أولاً تغطية الفجوة الموجودة في مصرف لبنان الذي يكون عليه بَرمجة كيفية اعادة أموال المصارف، ومتى حصل ذلك تُبرمِج المصارف اعادة الاموال لمودعيها إمّا بالدولار وإمّا بما يوازيه في الليرة اللبنانية بسعر السوق.

ضمان الودائع؟

أما عن تأكيد دراسة هارفرد على مبدأ ضمان تغطية كل الودائع حتى سقف محدّد يتراوح وفق تقديرات الدراسة بين 100 و150 الف دولار، قال حمود: يطبّق مبدأ ضمان الودائع في حالة وحيدة، هي: إفلاس البنك، واذا لم يفلس لا يكون هناك ضمان لأيّ ودائع، بمعنى آخر انّ الوديعة تكون غير مضمونة إلّا في حال أفلسَ البنك.

ايفا ابي حيدر – الجمهورية

Leave A Reply