غزة احدى اقدم المدن في العالم: الابادة الصهيونية تستهدف التاريخ

كانت آثارها وأماكنها التاريخية أيضاً عرضة للاستهداف الجوي والمدفعي بهدف طمس تاريخ القطاع الذي يحتضن الآثار الإسلامية والمسيحية والرومانية واليونانية. حرب العدو لا تقتصر على الإبادة الجماعية، بل تتعدّاها لتطال محو الذاكرة والهوية والتاريخ. سياسة صهيونية قديمة واظب العدو على تطبيقها منذ عام 1948. وفي حربه على غزة، استهدف المواقع التي تُعتبر دليلاً على وجوده الطارئ وكيانه المارق

«غزة» اسم قديم جداً، لا يمكن لأيّ قوة محوه أو تغيير واقعه التاريخي، وإن دُمّرت مبانيه الأثريّة. ليست غزة قديمة فقط على «إسرائيل» وليدة الأمس، بل على دول كثيرة جداً في العالم منها أميركا نفسها التي تدعم المحتلّ في إجرامه تجاه أهالي القطاع. وغزة أقدم مدن العالم التي أسّسها الكنعانيون، وتحوي مدناً أخرى لا تقل في تاريخها عن قِدم مدينة غزة مثل خان يونس، والنصيرات، وبيت لاهيا، وبيت حانون وجباليا. على مدار الشهر الذي مضى، كانت آثارها وأماكنها التاريخية عرضةً للاستهداف الجوي والمدفعي من قبل عدو لا يعرف للأشياء أصلاً. كيف سيعرف وهو مزروع في أرض ليست أرضه ولا أرض من زرعوه فيها، لكنه بالطبع تحدوه رغبة كبيرة في محو آثار غزة وشوارعها القديمة بهدف محو تاريخها، فالعدو هو عدو التاريخ.

في المدينة القديمة، يقع «مسجد السيد هاشم» الذي يحوي ضريح هاشم بن عبد مناف جدّ النبي محمد

تشتمل غزة أو قطاع غزة كما يُطلق عليها اليوم منذ أن كانت تحت السيادة المصرية وقت الهدنة العربية عام 1949، على أماكن أثرية مهمة جداً تحوي الآثار الإسلامية والمسيحية والرومانية واليونانية. يأتي على رأسها المسجد العمري الكبير وسط غزة، وهو نفسه الكنيسة القديمة التي أسّسها أسقف غزة برفيريوس قبل أن يأتي عمر بن الخطاب إلى فلسطين عندما فتح القدس، فتحولت الكنيسة إلى جامع. وكان الجامع يحوي مكتبةً تعود إلى عصر الظاهر بيبرس البندقداري، ومخطوطات يعود تاريخ أقدمها إلى عام 920 هجرية. وفي المدينة القديمة في غزة، يقع أيضاً «مسجد السيد هاشم» الذي يحوي ضريح هاشم بن عبد مناف جدّ النبي محمد، وقد أنشأ المماليك المسجد حول الضريح. في ذلك الزمن، أُطلق على غزة تسمية «غزة هاشم» نسبة إلى جدّ النبي. بالقرب منه، يقع «مسجد المغربي» الذي يُعرف أيضاً بـ «مسجد السواد» الذي يعود تاريخه إلى عام 864 هجرية وقت وفاة الشيخ محمد المغربي الذي عرف المسجد باسمه. وفي حي الشجاعية، يقع «جامع المحكمة البردبكية» الذي يعود تأسيسه إلى الأمير بردبك الدودار عام 859 هجرية، وكان في بدايته مدرسة. في الحي نفسه، هناك مساجد أثرية أخرى مثل «جامع ابن عثمان»، و«جامع الظفر دمري» و«تلّ المنطار». وفي حيّ الدرج، يوجد «سبيل السلطان عبد الحميد الثاني» الذي يعود إلى القرن الـ16 الميلادي، وكذلك «الزاوية الأحمدية»، و«جامع الشيخ زكريا». أما حي الزيتون، فيقع فيه «حمام السمرة» العثماني الذي يعتبر الوحيد الباقي في غزة من الحمامات العثمانية القديمة. ومن الأماكن التاريخية في غزة مناطق تجارية مثل سوق القيسارية، وخان يونس الذي أنشأه الأمير يونس النوروزي على شكل قلعة كبيرة، إلى جانب قلاع أخرى مثل دير البلح وبرقوق.

قُصفت «كنيسة القديس برفيريوس»، ما أدى إلى انهيار قاعتين منها وتصدّع المبنى

أثناء العدوان الحالي على القطاع، قُصفت «كنيسة القديس برفيريوس» الأثرية، ما أدى إلى انهيار قاعتين منها، وتصدّع حوائط المبنى. كما قُصف «مسجد عماد عقل» في مخيم جباليا ودُمّر بالكامل. وإمعاناً في مخالفة القانون الدولي الذي يعتبر تدمير هذه الأماكن التاريخية مخالفة لاتفاقية لاهاي 1954 التي تضمن حماية الممتلكات الثقافية وقت النزاعات المسلحة، دمر الاحتلال الصهيوني أيضاً تل رفح، وهو موقع أثري يعود إلى العصرين اليوناني والروماني، وهو قريب من البحر. منذ زمن، يحاول الاحتلال تدمير هذا الموقع، إذ استخدمه كموقع عسكري عام 2000 وقام بجرفه. كذلك، طال القصف الكنيسة البيزنطية في جباليا التي تعود إلى عام 444 ميلادية، و«كنيسة العائلة المقدسة» هي الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في مدينة غزة، إضافة طبعاً إلى «المستشفى الأهلي المعمداني» الذي يضم الكنيسة المعمدانية. واستشهد مئات ممن لجأوا إلى هذه الأماكن أو الكنائس للاحتماء بها، وكذلك من يعملون فيها. كما دُمّر بالكامل «مسجد الشيخ سليم أبو مسلم» الذي شُيِّد قبل 600 عام في بيت لاهيا، وطال التدمير «قصر الباشا» الذي يعود إلى العصر المملوكي، ودائرة المخطوطات في وزارة الأوقاف، في تعمّد واضح من قوات الاحتلال للمباني التاريخية والأماكن التي تحوي وثائق قديمة.

وغزة كمنطقة أثرية لم تفصح عن كل ما فيها حتى الآن. وفق وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، كانت هناك عمليات حفائر تحدث في القطاع قبل العدوان، وعثرت الوزارة في أيلول (سبتمبر) الماضي على أربعة قبور جديدة في المقبرة الرومانية، ليصل عدد القبور التاريخية المكتشفة في المنطقة إلى 134. وقالت الوزارة إنها استقبلت قرابة 3 آلاف زائر للمواقع الأثرية في غزة في شهر آب (أغسطس) الماضي منها زيارات رسمية لأجانب من دول أوروبية لا تُحرج الآن عند الوقوف إلى جانب إسرائيل وتعتبر عدوانها واحتلالها «دفاعاً عن النفس».

ولدى فلسطين أربع مناطق تاريخية وضعت على قائمة التراث العالمي لليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) آخرها إدراج أريحا القديمة «تل السلطان» في القائمة في الاجتماع الأخير لليونسكو في الرياض. وقبل ذلك، أُدرجت «كنيسة المهد» وتلال بلدة بتير في بيت لحم، والبلدة القديمة في مدينة الخليل على قائمة اليونسكو. وقد طالب «الاتحاد العام للآثاريين العرب» الشعب الفلسطيني بالوقوف في وجه العدو الصهيوني وحماية كل الأماكن التاريخية في فلسطين. ورداً على التدمير المتعمّد والمستمر من قبل قوات الاحتلال للأماكن التاريخية في قطاع غزة، اعتبر رئيس «الاتحاد العام للآثاريين العرب» محمد الكحلاوي أنّ ما تقوم به إسرائيل «حرب لطمس الهوية العربية في فلسطين على مرأى ومسمع من اليونسكو والأمم المتحدة». وقد طالب علماء آثار كثيرون منظمات اليونسكو والألكسو (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) والإيسيسكو (منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة) كمنظمات معنية بالثقافة بالتدخل لحماية التراث الإنساني في غزة قبل أن تدمّره هجمات الاحتلال تماماً.

أحمد فوزي – الاخبار

Leave A Reply