المودعون يطالبون بتحرير أموالهم: الحرب تخدم المصارف؟

مرَّت مسيرة استعادة المودعين لأموالهم من المصارف بمحطّات ضاقت خلالها سبل تحصيل الحقوق إلى الحدّ الأدنى. ومع تتالي النكبات السياسية والاقتصادية، تتقلّص فرص تعويض قيمة الدولارات المفقودة في المصارف. أما الظروف الأمنية التي أطلَّت من الجنوب بالتوازي مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، فأعادت فتح النقاش من باب الحاجة المستجدّة للكثير من المودعين لتغطية نفقات النزوح من القرى الحدودية إلى مناطق أكثر أمناً، واستعداد الجزء الآخر منهم لاحتمالات التصعيد العسكري وصولاً إلى الحرب على لبنان، مع ما تحمله من حاجة إضافية للإنفاق، سواء لتخزين المواد الغذائية أو المحروقات أو تغطية تكاليف صحية واستشفائية إذا لزم الأمر. فكيف يواجه المودعون هذا التحدّي؟.

أين هم المودعون اليوم؟

من الواضح أن زخم تحرّكات المودعين تراجعَ قياساً مع ما شهدته السنوات الأربعة السابقة. والتراجع مفهوم نظراً للمصاعب التي واجهها المودعون على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فضلاً عن ضآلة الدعم القضائي والسياسي، ما خلا بعض القرارات القضائية التي ألزمت المصارف بإعادة بعض الودائع لأصحابها. كما أن البطالة المقنّعة للكثير من المودعين، وتحليق سعر صرف الدولار أجبَرَهم على سحب ودائعهم تباعاً، وتوظيفها في عملية الاستهلاك اليومية.

مَن استطاع، واصَلَ اقتحام فروع المصارف للحصول على الأموال بالقوة. بعض المودعين نجح وآخرون أخفقوا. ولا يبدو من وتيرة الاقتحامات، أن تغييراً جذرياً سيحصل في هذه القضية، ولا تعدو المسألة متنفّساً فردياً ومغامرة غير معروفة النتائج، تنطلق من أن لا شيء لدى المودع ليخسره، فإما أن يحصِّلَ أمواله أو يبقى على ما هو عليه.

يتساءَل المودعون حول مصير أموالهم في ظلّ التصعيد العسكري جنوباً. وماذا لو اندلعت حرب واسعة تطال كلّ الجنوب والبقاع الغربي وتهزّ ما تبقّى من اقتصاد متهالك؟. لا يملك المودعون جواباً سوى إعلان المزيد من الغضب في وجه المنظومة السياسية والمصرفية، والتأكيد على تحيُّن الفرص لتنفيذ المزيد من الاقتحامات ضد المصارف، وهو ما يشير إليه اسماعيل صليبي الذي نفَّذ اقتحاماً لفرع بنك فينيسيا في مدينة صور، يوم الإثنين 30 تشرين الأول الماضي.

في محاولته تلك، فشل اسماعيل في تحرير نحو 30 ألف دولار يحتجزها البنك. فاقتادته القوى الأمنية إلى مخفر فصيلة بلدة العباسية، وأفرجت عنه بعد قرار البنك عدم رفع دعوى قضائية. لكن الفشل لا يعني العدول عن المحاولة ثانية. إذ يؤكّد صليبي في حديث لـ”المدن” أن ما حصل معه هو “محاولة أولى، وسنترك المحاولات الأخرى للأيام اللاحقة”.

يتزايد الإصرار على تكرار المحاولات مع استمرار الخطر الأمني الذي يراه صليبي “حجّة يمكن للمصارف استغلالها للتضييق على المودعين، فالحرب يمكن أن تخدم المصارف فتقلِّص نسبة ما تدفعه من أموال، في حين أن المودعين يحتاجون المال في ظل هذه الأوضاع”. وما تقدّمه المصارف لمودعيها، هو أسعار صرفٍ باهتة لا تقترب من نصف قيمة الدولار في السوق. فالمصرف عَرَضَ على صليبي تسليمه وديعته “على دولار بـ15 ألف ليرة… ورفضت ذلك”.

المودعون لا ينسون حقوقهم

تراجُع وتيرة الاقتحامات لا تعني أن المودعين تخلّوا عن أموالهم. لكن لا مغالاة في القول أن لا حيلة لديهم أكثر ممّا يفعلونه اليوم، فالمصارف هي الطرف الأقوى، وتشتد قوّتها مع ضعف قدرات المودعين على التحرّك والضغط. ولا يسعف الظرف الاستثنائي الراهن المودعين في استمالة المصارف للإفراج عن جزء من الأموال يخوِّل أصحابها مواجهة احتمالات التصعيد أو استمرار الاعتداءات جنوباً لفترة زمنية أطول. فالكثير من أبناء الجنوب نزحوا ويدفعون إيجارات منازل وأكلاف استهلاك ستمتدّ لزمن غير محدَّد.

وتعليقاً على ما يحصل، يقول رئيس جمعية المودعين حسن مغنية، أن “لا بنك أخذ مبادرةً إيجابية تخفِّف الضغط على المودعين لتسيير أمورهم في هذا الوضع”. ويضيف في حديث لـ”المدن”، أن “ما يحصل يأخذ حيّزاً كاملاً من تفكير المودعين، ومع ذلك جُمِّدَت نشاطات الجمعية لأن اهتمامات الناس تنصبّ على متابعة الوضع جنوباً. فكيف يمكن الدعوة مثلاً، لتظاهرة ضد المصارف في هذا الظرف؟”. وتفضلّ الجمعية التريُّث “لكن المودعين لم ينسوا حقوقهم. وستتواصل التحرّكات لاحقاً”.

بين تمّوز 2006 وتشرين الأول 2023، فرق كبير في قدرة المودعين على مواجهة التحدّيات. فقبل 16 عاماً كانت الظروف المالية أسهل، ولدى المودعين رفاهية اختيار مكان النزوح وفرع المصرف لسحب ما يريدونه من أموال، فيما اليوم ينصبُّ تفكيرهم على تفادي النزوح وتقليص الاستهلاك.

خضر حسان – المدن

Leave A Reply