كيف تُصرف الـ5 آلاف مليار للتربية؟

من المنتظر أن تنطلق أعمال التسجيل للسنة الدراسية الجديدة في منتصف أيلول المقبل، بعد أن تفتح المدارس الرسمية في الاسبوع الأول منه للبدء بالتحضيرات لاستقبال التلامذة وتأمين التجهيزات. أما الدراسة فتبدأ في العادة خلال النصف الاول من تشرين الأول، علماً أن إنطلاقها تعثر العام الماضي وأرجئ إلى تشرين الثاني بسبب إضرابات الأساتذة خصوصاً في الثانوي وهو ما تسبب في هجرة عدد كبير من التلامذة. لكن فتح المدارس في الرسمي هذه السنة مرتبط إلى حد بعيد بالحوافز وتحسين الرواتب والتقدمات للمعلمين، وكيفية صرف سلفة الـ5 آلاف مليار ليرة التي أقرتها حكومة تصريف الأعمال كدفعة أولى من اصل مبلغ 150 مليون دولار للتربية، وما إذا كانت ستحول سريعاً لتمكين المدارس وأيضاً الجامعة اللبنانية من الاقلاع بالدراسة.

انطلاق السنة الدراسية يبقى مهدداً ما لم تسارع الحكومة خصوصاً رئيسها الى تحديد آلية لتحويل الاموال للتربية وعدم التحجج بضرورة إقرار قانون لها، الامر الذي يعني تهرباً من المسؤولية وإعادة الامور إلى المربع الأول وإدخال التربية في أزمة جديدة ستكون نتائجها كارثية، ليس على السنة الدراسية فحسب إنما على التعليم الرسمي الذي ينزف إلى حد الانهيار. وبالإشارة إلى الخطر الذي يحدق بالتعليم، أقله في المرحلة الحالية، هو أن الاساتذة لن يدخلوا المدارس ما لم تتأمن الحوافز أو بدلات الإنتاجية مع سلة مطالب أخرى تشمل النقل وتحسين الرواتب، حتى أن رابطة الأساسي طالبت براتب للأستاذ لا يقل عن 600 دولار، فيما رابطة الثانوي رفعته إلى 1000، لكن دفع بدلات الإنتاجية التي حددتها التربية ما بين 200 و300 دولار شهرياً وفق الانتاجية والحضور من ضمن ورقة إصلاحية تشمل الدمج يمكن أن تشكل أرضية مناسبة للتفاوض وضمان استقرار التعليم.

يساهم تأمين الاموال في حماية التعليم أقله في انتظام العملية التعليمية. يستدعي ذلك جهوداً من الجميع للضغط من أجل أن تكون التربية من الأولويات، وعلى القوى السياسية مسؤولية كبرى في هذا الشأن، وإن كان بعضها ينظر إلى التعليم الرسمي كمجرد مكان للتوظيف والتنفيعات، ولا تكترث إذا شارف على الانهيار نتيجة الأحداث التي عصفت بالتربية وتراكماتها خلال السنوات الماضية. ولذا لا نجد حتى من بعض الوزراء الممثلين لقوى سياسية في الحكومة أي مواقف تنصر التعليم والجامعة اللبنانية، لا بل أن أحد الوزراء المحسوب على “الثنائي الشيعي” وقف ضد إقرار ملفات الجامعة في الجلسة التي مررّت ملف إدخال المتفرغين إلى الملاك، علماً أنه أُدخل إلى الملاك منفرداً.

في المقابل، يُسجل للحزب التقدمي الاشتراكي في هذا الشأن إصراره على حماية التعليم الرسمي، من خلال التحرك الذي يقوده النائب أكرم شهيب بدءاً من مؤتمر التعليم الرسمي إلى اللقاءات بوزير التربية ورئيس الحكومة والإصرار على صون كرامة الاستاذ وقدرته على التعليم والانتقال الى المدرسة الرسمية. فالاستثمار الحقيقي في التربية هو في المعلم.

الأولوية اليوم هي لاطلاق السنة الدراسية واستقرار التعليم، وحماية الجامعة بإقرار موازنتها وتفريغ اساتذتها وفق الحاجات، وهو ما عكسته ورقة وزير التربية عباس الحلبي التي أقرتها الحكومة. سيكون صرف السلفة الأولى للتربية علامة على تنفيذ قرارات الحكومة وصولاً إلى تحويل مبلغ الـ150 مليون دولار، واي تلكؤ في تحسين أوضاع المعلمين سيؤدي إلى خسارة السنة الدراسية ووضع التربية أمام واقع صعب. نتحدث عن الأولويات المالية ولا يعني أن التعليم بخير، لكن مجرد اقلاع الدراسة يفتح على إمكان معالجة الخلل المتراكم.

 ابراهيم حيدر – النهار

Leave A Reply