ترشيح فرنجيه مستمر رغم “الهبّات الباردة والساخنة”!

 سركيس نعوم – النهار

عن سبب تخلّي رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عن رفضه منذ أشهر طلب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وضع لائحة بمرشّحين يرى فيهم القدرة على ممارسة مهمات رئاسة الجمهورية في المرحلة الراهنة من بينهم مرشّح “الثنائي الشيعي” سليمان فرنجيه، تحدّث المتابع نفسه ومن قرب “حزب الله” وحركته في الداخل والخارج، قال: “يعرف باسيل أن ما جمعه منذ أشهر قليلة مع غريمه المسيحي “حزب القوات اللبنانية”، مع حزب الكتائب وجهات سياسية أخرى كان اقتناعه بأمرين، الأول أن حليفه “حزب الله” تجمعه من زمان وقبل “تفاهم مار مخايل” الذي جمعهما عام 2006 علاقة تحالف وودّ مُزمنين بسليمان فرنجيه. فالاثنان حليفان لسوريا الأسدين الأب والابن. وسوريا هذه حليفة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أسّست أو أسهمت في تأسيس “حزب الله” في لبنان منذ عام 1982، وحليفة عائلة فرنجيه منذ عقود وتحديداً منذ حوادث عام 1957. كانت عائلة الأسد التي شاركت في حكم سوريا منذ ستينيات القرن الماضي ثم استأثرت بحكمها منذ 1970 من بين هؤلاء. واستمرت هذه العلاقة حتى بعد اندلاع الحرب الأهلية وغير الأهلية في لبنان عام 1975 وقيام “الجبهة اللبنانية” المسيحية التي كان سليمان فرنجيه “الرئيس” أحد أبرز زعمائها قبل أن يختلف معها لاحقاً، ثم قبل أن ينفصل عنها وينكفئ الى معقله الشمالي بعد قتل نجله وعائلته ومواطنين زغرتاويين آخرين. أما الاقتناع الثاني فكان باستحالة تحوّل علاقة التقاطع التي نشأت بين “التيار” ورئيسه باسيل وجهات مسيحية مهمة معادية لهما أي “الحزب” وفرنجيه كما لمؤسس الأول ووليّ نعمة الثاني “الجنرال” ميشال عون، بإستحالة تحوّلها تحالفاً متماسكاً قابلاً للاستمرار. فما فرّقهما من دمٍ وقتال ومصالح وخلافات واختلاف في النظرة الى القضايا الأساسية التي تهم المسيحيين كان كبيراً لدرجة وكانت آثاره عميقة جداً الأمر الذي قصّر عمر “تفاهم معراب” الذي قام بين “التيار والقوات” الذي أوصل عون الى رئاسة الجمهورية وأعاد الاقتتال السياسي العنيف بينهما لا التنافس فقط. لم يُلغِ “التقاطع” الأخير بينهما على جهاد أزعور مرشّحاً للرئاسة التاريخ الأسود والدامي بينهما، بل أبعده عن الواجهة. ويرجّح أن يعود إليها في مرحلة غير بعيدة وخصوصاً إذا نجحت الاتصالات الجديدة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” والمقتصرة حالياً على وفيق صفا وجبران باسيل في إيصالهما الى موقف مشترك وثابت أو بالأحرى الى اتفاق على مرشّح جدّي لرئاسة الجمهورية، هو حتى الآن على الأقل في نظر “حزب الله” سليمان فرنجيه.

ما الأسباب التي دفعت باسيل الى تقديم أول تنازل بوضع فرنجيه على لائحة تضم مرشحين يفضّلهم لرئاسة الدولة؟ والى الاقتناعين المشار إليهما أعلاه بشيء من التفصيل هناك أمرٌ آخر مهم بدوره هو أن رئيس “التيار الوطني الحر” يرفض بقوة ترشيح شخصيتين مارونيتين للرئاسة هما سليمان وقائد الجيش العماد جوزف عون. وهو أيضاً أن “حزب الله” يشارك حليفه باسيل في عدم تحبيذ وصول “عون الجديد” إذا جاز التعبير على هذا النحو الى رئاسة الدولة لأسباب معروفة وإن يكن لا يجهر بذلك رسمياً حرصاً على استمرار نجاح العلاقة العملانية بينهما أو بالأحرى بين “جيش” كلٍ منهما. لكنهما أي باسيل و”الحزب” يختلفان بقوة على ترشيح فرنجيه ولا يستطيع باسيل إن كان حريصاً على استمرار علاقة وإن مثخنة بالجراح مع “حزب الله” عرفاناً بجميله عليه وعلى “تياره” منذ 17 سنة أن يُفضّل عون القائد على فرنجيه خصوصاً أن من تقاطع معهم من المسيحيين لا يرفضونه أيضاً وإن كان لبعضهم ملاحظات عليه، إذ سيكون خطراً عليه إذا ما ترأّس البلاد لأن الانطلاقة الشعبية لـ”التيار” أمّنها الجيش اللبناني عام 1988 واستمر عموداً فقرياً لها. أما فرنجيه فإن “حزب الله” يستطيع إقامة تفاهم بينه وبين باسيل ورعاية تنفيذه وحمايته، علماً بأن مراقبين كثيرين يشكّون في قدرة الأخير على الالتزام طويلاً ذلك أن الطبع يغلب دائماً التطبّع.

في أي حال، لا يبدو أحدٌ من الجهات السياسية النافذة في لبنان مستعجلاً على تسوية رئاسية لأنها لا تزال كلها غير جاهزة لتقديم تنازلات. ولا يبدو أن أحداً من ناخبي الخارجيْن الإقليمي والدولي للرئاسة حاضراً بدوره للانخراط جدياً في العمل لإنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني. فالولايات المتحدة تنتظر تطورات عدة في المنطقة والعالم. وفرنسا تعثّرت مبادراتها اللبنانية على تنوّعها منذ انفجار مرفأ بيروت عام 2020 حتى الآن، وهي تبدو عاجزةً عن الاستمرار الفاعل فيها. واهتمام المملكة العربية السعودية متركزٌ حالياً على قضايا أخرى تهمّها مباشرةً، وما عاد اهتمامها بلبنان أولوية خلافاً لاقتناعات اللبنانيين. أما إيران الإسلامية وبعد انضمامها الى مجموعة ناخبي رئيس لبنان من خارجه فإنها تحقّق تقدّماً إقليمياً ودولياً مطّرداً يُحتمل كثيراً أن يقوّي موقف “درّة تاجها” اللبنانية أي “حزب الله”، وفي الانتظار يتساءل اللبنانيون: هل “يزهق” المرشّح سليمان فرنجيه أو ييأس فيُعلن انسحابه من “نادي” المرشحين للرئاسة؟ يجيب المتابع اللبناني نفسه من قرب حركة “حزب الله” في الداخل والخارج: “هذا أمرٌ غير وارد عنده أبداً، كما عند “الثنائي الشيعي” وصديقه الرئيس بشار الأسد. فهو قد تخفّ عزيمته حيناً، وقد ترتفع معنوياته حيناً آخر، وقد يسمع نصائح تدعوه الى الانسحاب أو الى الانتظار ولكن غير الفاعل. لكنه قطعاً لن ينسحب أمام هجمةٍ يطعن أصحابها في مسيحيته ومارونيته وزعامته المسيحية وإن مناطقيةً رغم “الطلعات والنزلات” التي يمر بها”.

Leave A Reply