توسع كبير لاقتصاد الظل:النتيجة الأولى لانهيار الدولة اللبنانية

بلقيس عبد الرضا – المدن

لا يجهد المرء كثيراً في رحلة البحث عمّا يتكبده المواطن في لبنان بسبب زيادة انتشار ظاهرة اقتصاد الظل. من الفواتير المزدوجة، إلى شراء السلع المهربة، وصولاً إلى عمليات النصب بسبب انتشار الشركات الوهمية وغيرها الكثير من تعدد أوجه اقتصاد الظل في لبنان.

يدفع رامي نصولي ما لايقل عن 18 مليون ليرة شهرياً لتسديد ثمن الفواتير المزدوجة لخدمة واحدة، من كهرباء إلى ماء وإنترنت. يقول لـ “المدن”: “هذا وجه آخر من أوجه الاستغلال الذي يتعرض لها المواطن في لبنان بسبب انتشار ظاهرة اقتصاد الظل الذي تدعمه وتحضنه السلطات السياسية في البلاد، بسبب تقاعسها عن مواجهة هذه الظاهرة”.

ماهو اقتصاد الظل؟

تعرف لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا اقتصاد الظل، بأنه مجموعة من الأنشطة التي قد تعتبر منتجة بالمعنى الاقتصادي وقانونية أيضا (بشرط توفر معايير الالتزام بنظم معينة) ولكنها مخفية عن عمد عن السلطات العامة من أجل تفادي دفع الضرائب مثلا أو دفع اشتراكات الضمان الاجتماعي أو الالتفاف حول معايير ومتطلبات معينة.

بحسب التعريف أعلاه، تتعدد أوجه اقتصاد الظل في لبنان، من عمليات التهريب غير القانونية، وبيع السلع من دون شهادة منشأ، وحتى أنه في الأونة الأخيرة، وبسبب تقاعس الدولة عن حل مشكلة الموظفين في القطاع الحكومي والإضراب الذي شمل مؤسسات وقطاعات عديدة، بدأ العديد من المواطنين تأسيس ما يشبه المصانع الصغيرة، لبيع المنتجات خاصة في القرى والمناطق النائية، من دون وجود أي تراخيص، كما ارتفعت نسبة العمالة غير الشرعية، ناهيك عن التهريب.

لايوجد رقم واضح حول تطور اقتصاد الظل في لبنان، إلا أن ورقة بحثية صادرة عن صندوق النقد الدولي بعنوان” اقتصاد الظل حول العالم ماذا تعلمنا خلال 20 عاماً” صادرة في العام 2019، أظهرت أن اقتصاد الظل هيمن على 31.58 في المائة من الناتج المحلّي الإجمالي، أي ما يوازي 8.15 مليار دولار بين الأعوام 1991 و2015 وفقاً للناتج المحلّي الإجمالي لعام 2015.

واشار تقرير “المرصد الاقتصادي للبنان” ربيع 2023 الصادر عن البنك الدولي ، بعنوان “التطبيع مع الأزمة ليس طريقا للاستقرار”، الى ان “الاقتصاد النقدي المدولر المتنامي، المقدر بحوالي 9.9 مليارات دولار في عام 2022، أي نحو نصف حجم الاقتصاد اللبناني، يمثل عائقا كبيرا أمام تحقيق التعافي الاقتصادي”.

والاقتصاد النقدي المدولر هو المرادف غير المباشر لاقتصاد الظل، لأنه اقتصاد خارج عن الرقابة المالية والضريبية للدولة.

تجارة مخفية

على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، تنتشر الكثير من الإعلانات الخاصة ببيع منتجات وسلع غذائية يتم تصنيعها في المنازل أو حتى في مصانع غير مرخصة، ويتم بيعها تحت شعار ” أطعمة عضوية”و/ أو أطعمة طبيعية”، ولا تملك هذه المصانع الصغيرة أي رخص، ولا تخضع حتى للرقابة، وهو ما يجعل من الصعب على الدولة اللبنانية اكتشافها وإلزامها بدفع الضرائب للخزينة.

في الإطار نفسه، تنتشر أيضاً عمليات البيع عبر المتاجر الإلكترونية، سواء من خلال تأسيس صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى تأسيس مواقع على شبكة الإنترنت، ولا تحمل أي رخصة تابعة لوزارة الاقتصاد، وتمارس أعمالها بشكل طبيعي على الأراضي اللبنانية.

حسب مؤسسات بحثية غربية، أظهرت نمو التجارة الإلكترونية في لبنان وعمليات البيع عن طريق الإنترنت. بحسب تقرير صادر عن مؤسسة Statista البريطانية، بلغت إيرادات السوق الإلكتروني في لبنان 1،926.0 مليون دولار في العام 2023، من المتوقع أن تظهر الإيرادات معدل نمو سنوي مركب يبلغ 10 في المائة ، مما ينتج عنه حجم سوق متوقع قدره 2824.1 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2027. مع زيادة متوقعة قدرها 26.7 في المائة في عام 2023، وتتفاوت بحسب التقرير أرباح القطاعات داخل السوق الإلكتروني، وتحتل الملابس والأزياء نسبة 19.3 في المائة، والاثاث والأجهزة بنحو 16.3 في المائة والأعمال اليدوية نسبة 8.4 في المائة.

هذا النشاط الاقتصادي، غير مرخص إلى حد كبير، خصوصاً إن تمت عمليات البيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يحرم الخزينة الرسوم والعائدات.

عمالة غير شرعية

وجه آخر لأوجه الاقتصاد غير الشرعي، يظهر من خلال ظاهرة العمالة غير الشرعية. بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية في العام 2020، فقد وصلت نسبة العمالة غير الرسمية إلى 62.4%، بزيادة قدرها 7.5 نقطة مئوية، عن النسبة البالغة 54.9% في 2018-2019، ومن غير المستبعد أن تكون هذه النسبة قد ارتفعت مع غياب فرص العمل، وانهيار قيمة العملة.

كما تتجلى بعض مظاهر العمالة غير الشرعية من خلال ترك العديد من موظفي القطاع العام مكاتبهم بعد انخفاض قيمة الرواتب، والانخراط في وظائف أو أعمال حرة، لتأمين لقمة العيش، وهو ما يتسبب في استنزاف خزينة الدولة. فمن جهة تتكبد خسائر في تسديد الرواتب من دون تقديم الخدمات المطلوبة، ومن جهة ثانية، لا تحصل على الضرائب أو الرسوم نظير هذه الأعمال غير الشرعية.

التهريب على المعابر

مع بدء الازمة الاقتصادية في لبنان، زاد الحديث عن ظاهرة التهريب بين الحدود اللبنانية والسورية. ووفق الوثائق الأمنية التي سربت لوسائل الإعلام في العام 2019 و2020، تبين بأن هناك ما يقارب من 136 معبراً غير شرعي على طول الحدود البرية، وكلّ معبر يُطلق عليه اسم المهرب وأنواع التهريب ونوع البضائع. تُقدّر خسائر الدولة اللبنانية من الرسوم الجمركية نتيجة التهريب عبر المعابر غير الشرعية بنحو 600 مليون دولار سنوياً، ما يعني خلال 4 سنوات، يمكن القول بأن الخسائر ناهزت مليارين و400 مليون دولار.

الحلقة الأضعف

يُعدّ المواطن الحلقة الأضعف بسبب هيمنة اقتصاد الظل، ويدفع الثمن بشكل مباشر، من خلال تقاعس الحكومة عن القيام بدورها، ومن خلال الإنفاق على شبكات الحماية الاجتماعية والتعليم، وغيرها من الخدمات الأساسية، كما أنها وبطريقة غير مباشرة تشجع المواطنين على الانخراط في هذه الأعمال لجني الأموال.

تبلغ قيمة التهرب الضريبي في لبنان نحو 4.5 مليار دولار سنويا، حسب بيانات حكومية صادرة قبل الأزمة، وهو ما استدعى من الحكومة عام 2019، بضرورة وضع ضوابط للجم نسبة كبيرة من هذا التهرب، لكن انهيار الاقتصاد اللبناني بشكل متسارع حال دون ذلك، وقد تكون الخسائر فاقت 4.5 مليار دولار خلال السنوات الماضية، بسبب الفوضى السياسية وغياب الرقابة والأوضاع المتردية.

Leave A Reply