ثروة.. ورثة.. ثورة.. وشو ناطرين؟!

درويش عمار- اللواء :

على دقات ساعة بيت الوسط، التي تشبه بدقتها ودقاتها ساعة بيغ بن المشهورة عالمياً، استقل الشيخ سعد أمس الأول سيارته،أدار محركها وقادها بنفسه نحو ما سمي يوماً بقصر الشعب في بعبدا، كما فعل بالأمس أيضاً، فيما قلوب وعيون كل الشعب كانت تخفق وتشخص إلى هناك بانتظار نتائج اللقاء الذي طال انتظاره بين الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة وبين سيّد القصر ورئيس البلاد، علّ وعسى أن تنفرج أسارير اللبنانيين بخبر مفرح أو على الأقل بوعد بقرب الفرج على صعيد «تشكيلة التشكيلات»، وهذا ما ألمح إليه الرئيس الحريري بعد لقاء أمس الأربعاء.

دخل الشيخ سعد أمس الأول الإثنين إلى قصر الرئاسة الأولى من بابه العريض، حاملاً في قلبه ألغازاً وأسراراً لا يُمكن البوح بها لأي كان وكيفما كان، وبعد نصف ساعة من اللقاء بالتمام والكمال بين الرجلين، خرج الرئيس الحريري من الاجتماع وكعادته «لم يبق البحصة» مكتفياً بالاعلان على الملأ: سأعاود المجيء للقاء فخامة الرئيس يوم الأربعاء بنفس التوقيت، لمتابعة البحث بالموضوع الحكومي واستكماله وهذا ما حصل فعلاً.

أما لماذا الأربعاء، وكأني بالشيخ سعد قد استبدل مقولة «إذا مش التنين، الخميس» وحولها إلى أخرى «اذا مش التنين.. الأربعاء» وعلى كل حال يوم بالزايد أو يوم بالناقص «مش بين اللبنانيين والشيخ سعد والرئيس عون».

أما كيف يُمكن لنا أن نخال النصف ساعة من ذاك اللقاء الهام جداً بين الرئيسين مساء الاثنين الماضي، بالإمكان الافتراض، بما أننا بتنا نعيش في عالم إفتراضي، أن العشر دقائق الأولى منه كانت مخصصة للسؤال عن الصحة والعائلة والأبناء والبنات والأحفاد والأصهرة والأقارب والجيران، مروراً بالاطمئنان عمّا إذا كان هناك زحمة سير في الطريق ما بين بيت الوسط وقصر بعبدا، لكن يبدو أنها كانت مسهّلة على هذا الصعيد.

وبالنسبة للعشر دقائق الثانية من ذاك اللقاء، نفترض أنها قد تناولت أخبار الكورونا للاطمئنان عمّا إذا كان هذا الوباء الخطير قد أصاب أحداً من المعارف والأصدقاء والمستشارين والمحبين، مروراًً بأهمية اكتشاف لقاح تمّ البدء بتوزيعه في دول عديدة أخرى متحضرة، غير لبنان بالطبع، كبريطانيا العظمى وأميركا وروسيا وفرنسا وألمانيا وغيرها، وبالتالي عمّا إذا كان هذا اللقاح سيفعل فعله طبياً وصحياً على الصعيد العالمي ككل.

وماذا بالنسبة للعشر دقائق الأخيرة لذلك الاجتماع، وهنا نفترض أيضاً، أنها قد قسمت إلى جزئأن، القسم الأول منها تناول تبادل الآراء والأفكار عمّا يُمكن أن يحمله معه الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض بعد تسلمه مقاليد الرئاسة في بلاد العم سام، وهل يا ترى سيكون للبنان نصيب من اهتماماته وإدارته الجديدة وسياساتها المرتقبة تجاه المنطقة والعالم، في حين بقيت الخمس دقائق الاخيرة التي قسمت إلى جزأين بدورها، ثلاث دقائق منها كما يتراءى لنا كانت مخصصة للتمنيات بأعياد مجيدة مباركة على الجميع، وأن يأخذ الكل حذره على صحته وصحة العائلة والمقربين، وأن لا يخالطوا أياً ممن يشكلون خطراًً لنقل عدوى الكورونا بأي شكل من الأشكال، حفاظاً على سلامتهم الشخصية والسلامة العامة وسلامة البلاد والعباد.

تبقى دقيقتان.. ففي الدقيقة ما قبل الأخيرة من انتهاء الاجتماع تناولت ربما أسماء الوزراء المرشحين لتولي المناصب الوزارية في حكومة «المهمة»، وبالطبع جلّهم إن لم نقل جميعهم من الاخصائيين المشهود لهم بالنزاهة والعلم والثقافة والابداع «وإن شكرتم لأزيدنكم». أماالدقيقة الأخيرة، افتراضياً، كانت هي الأهم، حيث أكد الجانبان على ضرورة اللقاء ثانية بعد ظهر الأربعاء، أي يوم أمس، لاستكمال غربلة الأسماء المرشحة للحكومة الجديدة وامتدادات ذلك.

وفي الموعد المقرّر، دخل الرئيس الحريري مجدداً إلى القصر الجمهوري من بابه الواسع هذه المرة، حاملاً بيده مغلفاً أبيض اللون، مما يوحي بالسلام والاطمئنان وقرب زوال الأجواء الملبدة بالنسبة للتشكيلة الحكومية، على عكس المغلف الأسود الذي كان قد حمله معه يوماً إلى بعبدا السفير مصطفى أديب، يوم كان مكلفاً بتشكيل الحكومة.

استغرق لقاء الأربعاء مع الرئيس عون حوالى 55 دقيقة، اتسمت على ما يبدو بجدية البحث والإيجابية للخروج من النفق المظلم ومن العقد المرتبطة بالتشكيلة المنتظرة على ان يكون للبحث صلة، بعد ان أودع الرئيس الحريري المغلف الأبيض في عهده الرئيس عون، ويبدو انه بدوره قد تسلم مغلفاً آخر من الرئيس عون يرتبط بهذه التشكيلة الوزارية.

وبما أن هناك حكمة تقول «الصبر صبران، صبرٌ على من تحب وصبرٌ على من تكره»، وبما أننا والحمدلله لا نعرف الكره والبغض والحقد لأي كان، ومع محبتنا وتقديرنا لكلٍّ من فخامة الرئيس ودولة الرئيس من دون تحفظ، ومع إصرار وتأكيد، لا بدّ انطلاقاً من تلك المحبة والاحترام والتقدير أن نشير بوضوح للتذكير والتعبير عمّا يجول في خاطر اللبنانيين،كل اللبنانيين من خوف وقلق لا بل وهلع على المسار والمصير، نعم على مصيرهم ومصير أسرهم وأبنائهم وعلى المستقبل بأسره في بلد كلبنان يعاني ما يعانيه حالياً.

لن نخفي سراً إن قلنا أن معظم اللبنانيين قد باتوا تحت حافة الفقر والعوز والجوع والمرض، كما لن نخفي سراً إن أشرنا أيضاً إلى أن اللبنانيين قد كفروا بالزعامات والزعماء والمسؤولين والسياسيين على خلافهم واختلافهم وما عادوا يطيقون تحمل الأعباء المادية والمعنوية والنفسية والمعيشية والاجتماعية التي يعانون منها بمرارة ما بعدها مرارة. كما لا بدّ من مصارحة المسؤولين والسياسيين من الفاسدين في هذا البلد أن النّاس وإن تحملوا ما تحملوه حتى الآن من ضيم وظلم وجور وغبن وقهر نتيجة الفساد المستشري على كل الصعد، وما قامت وتقوم به المنظومة السياسية في لبنان دون أن تستحي أو ترتدع حتى الآن عن فسادها، من هدر للأموال وسرقة المال العام وتحويل الأموال المنهوبة إلى الخارج والسطو على أموال المودعين في المصارف اللبنانية ووضع خط أحمر على المحازبين والمحسوبين عليهم من الفاسدين منعاً لمحاكمتهم ومحاسبتهم على ما اقترفوه من صفقات وسمسرات وسرقات أمام القضاء والمحاكم،ربما ليس محبة بهم، إنما خوفاً من أن يبوحوا بكل ما لديهم من فضائح وأسرار ومعلومات بشأن المخالفات وتلك الموبقات ومَنْ وراءها ومَنْ يغطيها إما بالسياسة أو النفوذ أو التسلط ومن خلال إخفاء الملفات والمستندات المطلوبة من قبل الدول والمؤسسات الدولية، وأبرزها من التدقيق الجنائي لكشف المستور وتسمية الأمور بأسمائها وتبيان الحقائق بالاثباتات والوقائع ومن دون رسم علامات استفهامم. وبالتالي منع تطبيق الإصلاحات المنشودة دولياً كشرط أساسي لدعم ومساعدة لبنان لإخراجه من محنته هذه.

يتلهون حالياًً بالبحث عن أمور تكاد تبدو أشبه بالقشور، وهم يعلمون جيداً مدى خطورة ما يحاولون اتخاذه من قرارات تمس لقمة عيش المواطن والمواد الأساسية والمحروقات والدواء وغيرها من خلال طرح أفكار ترتبط برفع الدعم عن تلك الضروريات في حياة النّاس واللبنانيين جميعاً، فيما هم ينعمون ويتنعمون مع أسرهم وزوجاتهم وأبنائهم وأحفادهم بخيرات وأموال وجنى عمر النّاس، في قصورهم وفيلاتهم وبيوتهم، وفي يقينهم أن أحداً من الطيبين لن يتحرك لمحاسبتهم وأن الأمور «لن تفلت من عقالها».

ثروة، ورثة، ثورة.. كلمات ثلاث جمعت في معانيها أحرفاً أربعة شبيهة ببعضها ببعض، إلا أنه لكل كلمة منها معناها وفحواها بالشكل والمضمون.

رحم الله من علمني أن كلمة ثروة وهي الغنى بالطبع. والثروة كما يقال ما جُمعت «إلا من شحّ أو حرام»، أما كلمة ورثة فتعني الإرث والتوريث للأبناء والأحفاد وينطبق عليها أمران، أولهما «السارق والوارث ما عنده للشيء قيمة»، هكذا كانت تعلمنا ست الكل الوالدة – رحمها الله – والأمر الثاني أن هناك أناساً كثراً يحافظون على إرث آبائهم وأجدادهم حتى الرمق الأخير، وأولئك هم من خيرة النّاس طبعاً.

أما كلمة ثورة فلها ما لها وعليها ما عليها من حسنات وأخطار، فمن ثورة الطبيعة إلى ثورة البراكين وثورة تسونامي، تأتي ثورة الشعوب الحية المقهورة التي تكاد تضيق ذرعاً بأفعال وممارسات المسؤولين والحكام والسياسيين في بلادها من ظلمهم وجورهم وفسادهم، فيهرعون إلى الشوارع والساحات تصدح حناجرهم مطالبة بالعيش الكريم وإسقاط الفاسدين والظالمين والناهبين وما ثورة أولئك إلا كما قال الرحابنة يوماً في مسرحية «ناطورة المفاتيح»، «ما حدا بيقدر يحبس المي، إلا ما تلاقي منفذ تنفجر منو»! والناس عندها ممكن أن تجرف كل شيء بطريقها.

وبما أنه «إذا مش التنين بيكون الأربعاء»، فلا بدّ من تعليق ولو بصيص من الأمل على اللقاء الذي انعقد أمس الأربعاء بين فخامة الرئيس ودولته في قصر الشعب أي قصر بعبدا، فهل سيفعلها الرئيس المكلف يا ترى لكي يواجه اليوم الأسود بالملف الأبيض وما يحتويه من أسماء للحكومة العتيدة، وكما هي الحال بالمثل الشائع «خللي قرشك الأبيض ليومك الأسود» ولكن للأسف، لم ينطبق هذا المثل على أموال المودعين اللبنانيين في المصارف، والتي سطا عليها المتسلطون والفاسدون.

فيا دولة الرئيس، لقد طال الانتظار،انتظار الحكومة الجديدة كما تصاعد الدخان الأبيض من قصر بعبدا، وما صمتك المطبق على مدى أسابيع مضت إلا دليل على أن هناك شيئاً ما في الخبايا والثنايا لا يُمكن البوح به للناس وللبنانيين،لكن ما عليك «بق البحصة» وكل البحصات دون تردّد. وإن لم يكن بمقدورك تشكيل الحكومة الجديدة ما عليك إلا الاعتذار عن تلك المهمة، وعندها تتعقد الأمور من جديد بشكل كبير جداً، وعندها أيضاً يُمكن أن نرى النّاس «مثل المي، إلا ما تلاقي منفذ تنفجر منو»!

Leave A Reply