“قنبلة موقوتة”.. تحليل يحذر من شكل اقتصادات بعض الدول العربية

حذّر تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي” من أن الأوضاع الاقتصادية ببعض البلدان العربية قد تنذر بانسداد الأفق أمام شعوبها، بينما تزداد الهوة بين المواطنين في تلك البلدان والسلطة الحاكمة.

ولفت التحليل الذي كتبه، ستيفن هيرتوغ، أستاذ مشارك في السياسة المقارنة في كلية لندن للاقتصاد، إلى أن الاضطراب الاقتصادي أصبح سمة معظم أنحاء العالم العربي، ووصف اقتصادات تلك الدول بـ “القنبلة الموقوتة”.

أنظمة ثابتة

وقال بالخصوص إن الوضع في الدول العربية يتمثل في وجود “أنظمة ثابتة تحمي نفسها من خلال مجموعات من المنتفعين بينما يبقى الآخرون في مواجهة المنافسة القاسية، بالتالي يتم تشجيع عدم المساواة وتقويض الديناميكية الاقتصادية والإنتاجية والنمو”.

التحليل خص بالذكر كلا من الجزائر ومصر والأردن والمغرب، التي قال عنها إنها “تشترك في هذا النهج غير المتوازن”.

وفي جميع هذه الحالات، تحمي تلك الدول المقربين من الأنظمة الحاكمة، ليس فقط من خلال المحسوبية في سوق العمل ولكن أيضًا بين الشركات، التي تنقسم إلى شركات لها صلات عميقة بالدولة، وأخرى هامشية.

الكاتب لفت إلى أن ما وصفها بـ”الشركات الهامشية” تتلقى القليل من دعم الدولة، بينما تحاول بشدة العمل في جو من البيروقراطية الثقيلة.

يشير الكاتب كذلك إلى أن قضية التنمية الاقتصادية في العالم العربي ليست قضية انسحاب الدولة من الاقتصاد، أو تحريره من أي حكم مركزي، بل “بالوجود غير المتكافئ للدولة، المتمثل في حماية البعض وإهمال آخرين وتهميشهم”.

وبحسبه، نشأ هذا النظام غير المتكافئ من خلال تفشي المصالح الخاصة التي تشكل الدوائر السياسية الرئيسية “على وجه التحديد، موظفو الدولة وشبكاتهم القائمة على المحسوبية في الأعمال التجارية”.

في هذه الغمرة، تعطي الطبيعة الجامدة للاقتصادات العربية حوافز قليلة للشركات أو العمال سواء كانوا من الداخل أو الخارج (الدوائر الحكومية) لتحسين الإنتاجية أو المهارات، مما أدى إلى ركود اقتصاداتها”.

دعم المساواة

ينصح الكاتب أخيرا بالقول إنه “للوصول إلى عقد اجتماعي أكثر شمولا ونموذج نمو جديد” تحتاج المنطقة إلى دعم المساواة، لتحقيق الأمان الاجتماعي العام بفرض “آليات دعم قد تكون أقل سخاء ولكنها متاحة على نطاق أوسع، مما يحمي الاندماج الاجتماعي”.

لكنه يعود ليقول إنه “في الوقت الحالي، مثل هذا التغيير الأساسي ليس في الأفق”.

يبني الكاتب هذه النتيجة، على كون الانقسامات التي تعرفها دول المنطقة لها جذور تاريخية عميقة في برامج التنمية الاقتصادية التي قادتها تلك الدول في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وخص بالذكر ما وصفه بـ”الجمهوريات الشعبوية” مثل الجزائر ومصر وسوريا” التي تسيطر على القطاع الخاص فضلاً عن تدخل الدولة على نطاق واسع “وهو إرث يصعب تغييره” .

وتسمح معظم الوظائف الداخلية في الحكومة بأسلوب حياة متواضع في أحسن الأحوال، ومع ذلك، تظل الأجور أعلى مما هي عليه في القطاع الخاص، بما في ذلك الموظفون الخاصون بعقود رسمية، وهو أمر غير معتاد مقارنة بمناطق أخرى، مثل دول أميركا اللاتينية.

إحباط عام جراء الظلم الاجتماعي

عدّ الكاتب تفشي العمالة الزائدة بشكل خاص في الشركات المملوكة للدولة مأزقا لتلك الدول.

مثال على ذلك، في عام 2021 ، امتلكت الخطوط التونسية 26 طائرة، منها سبع طائرات فقط تعمل، بينما توظف 7600 شخص أكثر من 1000 لكل طائرة عاملة.

رغم ذلك، قاوم الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي نوه الكاتب بدوره في دعم تحرر تونس من الاستبداد في عهد الرئيس زين العابدين بن علي (ثورة الياسمين 2011) إثر جميع المحاولات لتوحيد كشوف المرتبات، وهي القوة التي يرى الكاتب بأنها ضرورية لصنع نوع من التوازن في الاقتصادات العربية عموما.

وشكل الإحباط العام في تونس الذي أفرزته عدم المساواة في إشعال فتيل ثورة 2011، حيث ضرب الكاتب مثالا بإحراق البوعزيزي نفسه من شدة الألم الناتج عن الإحساس بالظلم الاجتماعي، وهو ما يحذر منه التقرير.

“مع ذلك، أبقت السياسية التونسية بعد الثورة على نفس المنوال: وفق التحليل، “لأن الأنظمة تخشى من لمس الامتيازات الداخلية نظرا لاعتمادها طويل الأمد على الطبقة الوسطى التي توظفها الدولة كقاعدة سياسية أساسية”.

Leave A Reply