في يوم المرأة العالمي.. ما أبرز التحديات التي تواجه النساء في الشرق الأوسط؟

حسين طليس – الحرة

على الرغم من كونه يوماً احتفاليا للمرأة، يشكل الثامن من مارس بالنسبة لكثير من النساء والناشطات والجمعيات الحقوقية، يوم جردة حساب سنوية مع مسار القضايا النسوية والتحديات التي تواجه المرأة وتعيق تقدمها نحو المساواة الجندرية، لاسيما في الدول التي تعاني فيها النساء من التمييز والاضطهاد والعنف، حيث يتحول هذا اليوم من يوم للاحتفال إلى يوم للاحتجاج.

وتعتبر دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من بين أكثر المناطق تهميشاً للنساء حول العالم، وتمييزاً ضدهم، وفق التقارير الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة، وذلك بحكم مسار تاريخي تدعمه عادات وتقاليد اجتماعية ومفاهيم دينية فاقمت من معاناة النساء وأفقدتهن حقوقاً إنسانية بديهية، ما وضع المرأة بين الفئات الأكثر هشاشة وضعفاً في المجتمع، آثار وتداعيات الأزمات والحروب والكوارث التي تشهدها هذه المنطقة.

الأزمات المعيشية: أبرز التحديات

وتمثل التحديات الاقتصادية أبرز هواجس النساء لاسيما في الدول التي تشهد أزمات معيشية وحروب، حيث تدفع النساء الثمن الأكبر لهذه الأزمات، بحكم تحملهن لعبء الرعاية والإعالة داخل المنزل، وهو ما يزداد صعوبة خلال الأزمات، وفق ما تؤكد المديرة التنفيذية لجمعية “Fe-Male”، حياة مرشاد، في حديثها لموقع “الحرة”.

وفي ظل هذا النوع من الأزمات تتراجع قضايا النساء على سلم الأولويات، وفق مرشاد، لتحل مكانها أولويات أخرى مرتبطة بالأزمات نفسها، كما جرى في لبنان حيث توقفت عجلة الإصلاحات القانونية المتعلقة بقضايا النساء بعد الأزمة الاقتصادية، التي بستغلها مناهضو تلك الإصلاحات للقول إن الأولوية اليوم ليست لقضايا المرأة.

وشهد لبنان تأثيرات مختلفة للواقع الاقتصادي على النساء، وصلت إلى حد بروز ظاهرة “فقر الدورة الشهرية”، حيث تعجز نساء عن تأمين احتياجاتهن من فوط صحية، إضافة إلى تعرضهن لمشاكل تتعلق بالصحة الإنجابية والجنسية، وهي تجليات بارزة على المدى الذي تؤثر فيه الأزمات الاقتصادية على النساء بصورة خاصة.

تزداد الأمور تعقيداً حين تترافق الأزمة الاقتصادية مع حرب مدمرة كالتي تشهدها اليمن، حيث دفعت الحرب، وفق ما تؤكد الناشطة الحقوقية اليمنية، عبير محسن، إلى تبادل أدوار مع الرجال، الذين إما يخوضون الحروب أو راحوا ضحيتها، فباتت المرأة مضطرة للعمل حين بكونها المعيلة الوحيدة، في حين أنها لم تكن عاملة وغير مؤهلة ومحضرة للتعامل مع الاختلاط الاجتماعي، ولا جاهزة أكاديمياً وعلمياً، ما جعلها فجأة أمام تحديات جديدة كلياً عليها في سوق العمل.

تحديات سوق العمل

وتلعب النظرة الاجتماعية دوراً بارزاً في مفاقمة معاناة النساء الاقتصادية وعرقلة انخراطها في سوق العمل، الذي لا يزال أقل بكثير من الرجال في منطقة الشرق الأوسط، وبحسب الناشطة النسوية المصرية، لمياء لطفي، فإن الخطاب الذي يحمل المرأة منفردة مسؤولية المهام المنزلية ورعاية الأسرة إلى جانب عملها، يشكل عبئاً كبيراً يدفع المرأة أكثر نحو البقاء في المنزل وترك سوق العمل لعدم قدرتها على التحمل والتوفيق بين المسؤوليات الملقاة عليها.

وتشهد دول منطقة الشرق الأوسط أدنى نسبة تمثيل للنساء في سوق العمل الرسمي في العالم كله، وفق ما تشير منسقة قضايا النوع الاجتماعي في مؤسسة أوكسفام (Oxfam) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هديل قزاز.

فعلى الرغم من ارتفاع نسبة النساء المتعلمات في الجامعات، بحسب قزاز، عادة ما يدرسن في تخصصات غير مناسبة لسوق العمل ويحكم خيارهن النظرة الاجتماعية التي تفرض مهن وأعمال تلقى قبولا اجتماعياً ومحددة جندرياً لهن، ما يؤدي إلى انخفاض مشاركتهن في نسبة كبيرة من القطاعات.

وتلفت قزاز في حديثها لموقع “الحرة” إلى أن عمل المرأة في منطقة الشرق الأوسط يتركز في القطاعات غير المسجلة والمهن الحرة، أو في أعمال غير مدفوعة الأجر، كالرعاية الأسرية، بحيث لا تندرج في سجلات العمل ولا تدفع الضرائب وبالتالي لا تستفيد من الخدمات في المقابل كالضمان الاجتماعي والتقاعد، “فيما تتعامى كل التقديمات الاجتماعية والسياسات المالية والموازنات الحكومية عن حاجات النساء وقضاياهن وكأنهن غير موجودات، وهذا يؤدي لغيابهن عن صنع القرار الاقتصادي كما هو حال القرار السياسي، ويقلل من قدرتهن على مواجهة التحديات أو احداث أي تغيير”.

الأمن والسلامة: واقعياً وافتراضياً

وإلى جانب التحديات الاقتصادية، تعيش النساء في منطقة الشرق الأوسط هاجس الأمن والحماية، وفق ما تؤكد مرشاد، بناء على ما تعاينه من خلال المجالات التي تطلب النساء التمكين فيها، “بفعل الأزمات والحروب ازدادت المخاطر العامة، وعلى النساء بشكل خاص حيث بتنا نسمع عن خوف أكبر على امنهن الشخصي من الاعتداءات والتحرش والعنف”.

وبحسب قزاز “التحديات التي تتعلق بسلامتة النساء لا تتعلق فقط بمناطق الحروب والنزاعات والأزمات، فحتى الدول التي لا تشهد حروباً في منطقة الشرق الأوسط لا تزال هشة لناحية أمن النساء وسلامتهن، حيث يزداد العنف في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية بسبب تراكمات مختلفة، من الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلى الحروب وجائحة كوفيد، ما رفع من نسب العنف المنزلي بشكل كبير جدا خلال الآونة الأخيرة”.

كذلك ساهمت فترة الحجر الصحي إبان جائحة كوفيد-19، في تسليط الأضواء على قضية الأمن والسلامة الرقمية للنساء، وجعلتها أولوية بعدما باتت النساء تعيش تهديدات عبر الإنترنت “عابرة لحدود المنزل أو المجتمع أو الدولة”، وفق قزاز، “في وقت يمثل الفضاء الرقمي مساحة شبه وحيدة لتواصل النساء وتعبيرهن عن أنفسهن، في ظل صعوبات التنقل والسفر، “ولكن حتى هذه المساحة غير آمنة فهي مرآة الكترونية للواقع الاجتماعي غير الآمن على النساء في دول المنطقة”.

وبحسب مرشاد، فقد أظهرت دراسات في لبنان أن معظم التبليغات عن العنف الرقمي ضحاياه من النساء، تتراوح اعمارهن بين 12 و21 سنة، “وهذا انعكاس للعنف الأبوي الذي كان يمارس “أوفلاين” بات اليوم “أونلاين”، يزداد حدة كلما ضعفت الثقة بين النساء ومحيطهن العائلي ونظم الحماية الموفرة لهن”.

الخطاب الديني والثقافة الاجتماعية

وتتفق الناشطات على أن أبرز القضايا التي يجب العمل عليها في الفترة المقبلة هي تغيير النظرة الاجتماعية للمرأة، ومعها التوافق والتصالح الاجتماعي مع حالات العنف في الشارع أو أماكن العمل او في المنزل، وهذا يحتاج بحسب لطفي “إلى تغيير في معتقدات الناس الاجتماعية ووعيهم الجمعي عبر التوعية التعليمية والتربوية والإعلامية والدينية.”

وتتشارك الدول العربية، بحسب مرشاد، تحديات عامة ومشتركة تتعلق بالبيئة الأبوية المسيطرة، التي تنعكس في الثقافة والقوانين وسطوة رجال الدين والنصوص الدينية، “ولكن في الوقت نفسه هناك خصوصية لكل دولة وتفاوت في صعوبة التحديات بين دول وأخرى بحسب ما تعيشه من ظروف”.

فالحرب في اليمن على سبيل المثال، ضاعفت من معاناة النساء مع النظرة الاجتماعية وتصاعد الخطاب الديني المعادي للنساء، وفق ما تؤكد محسن، حيث باتت تواجه النساء “قرارات مستجدة تخالف القوانين المرعية أصلاً، لكنها تفرض على النساء كأمر واقع، فتحد وتتدخل في الحريات الشخصية للنساء، من الشكل والملبس وحتى لون الثياب، وصولاً إلى منع وسائل تحديد النسل، ومنع التنقل والسفر بدوم محرم”.

ويصل استهداف النساء في اليمن إلى حد السجن التعسفي بمسوغات دينية أو اجتماعية خارجة عن القانون، بحسب تأكيد محسن، “وفي الوقت نفسه تظهر بدعة عدم الافراج عن النساء من السجون إلا بحضور محرم، ما يجعل عدداً كبيراً من النساء محتجزات بعد فترة السجن، فيما يشكل دخول السجن وصمة عار على النساء في اليمن ويدفع كثير من العائلات للتبرؤ من بناتهم وعدم تسلمهن بعد امضاء المحكومية، وتركهن عرضة للانتهاكات في السجون التي تصل إلى حد الاغتصاب والاعتداءات الجنسية”.

تهميش سياسي وتمييز قانوني

وتدفع النساء الثمن الأكبر للسياسات الحكومية والأنظمة غير الديمقراطية التي تسيطر على دول منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، بحسب مديرة المعهد العربي للمرأة، ميريام صفير، حيث يلحظ فيها تراجعا في حصول النساء على حقوقهن، واجحاف وتمييز في القوانين والأحوال الشخصية.

وتلفت صفير إلى عدم المساواة البارز في تمثيل النساء في دول الشرق الأوسط، “فالمرأة حتى اليوم غير مشاركة في صنع القرارات لاسيما المصيرية كالحرب والسلم والسياسات المالية كلها قرارات تتخذ على طاولات الرجال”.

وكان تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين للعام 2022 قد دعا قادة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى ضرورة منح المرأة مزيدًا من الأدوار القيادية، ودورًا أكبر في صنع القرار السياسي لمساعدة المنطقة على سد ثاني أكبر فجوة بين الجنسين في العالم، موضحا أن العمل من أجل تحقيق المساواة، تأخر بمقدار جيل كامل بسبب جائحة كوفيد-19.

وتشهد دول عدة في الشرق الأوسط تمييزا جائراً ضد النساء في التمثيل السياسي والقوانين الرسمية المتعلقة بمنح الجنسية للأولاد وحق الحضانة والأحوال الشخصية والارث فضلاً عن تقييد الحريات، على خلفيات جندرية أو لأسباب دينية واجتماعية.

وفي هذا الإطار، تلفت لطفي إلى ضرورة العمل على تغيير النظرة القضائية والقانونية للمرأة، “تبدأ من لحظة لجوء المرأة إلى الشرطة لتقد يم البلاغ، حيث لا ينظر إلى قضايا النساء أولوية في كثير من الأحيان، وصولاً إلى المحاكم التي دائما ما تشهد تخفيضاً للعقوبات المتعلقة بالارتكابات بحق النساء ولاسيما المتعلقة بالعنف الأسري وجرائم الشرف التي تستخدم في كثير من الأحيان لإفلات الجاني من العقاب”.

وتشير الناشطة المصرية إلى ضرورة تحقيق المساواة في قوانين الأحوال الشخصية، “التي تمثل بوضعها الحالي معاناة لآلاف الأسر وملايين الأطفال والنساء نتيجة التمييز في تلك القوانين المبنية على مبادئ كقوامة الرجال على النساء وفرض الطاعة والولاية للرجل، ما يجعل المرأة دائما ملحقة بالرجال ومحرومة من القدرة والحق في اتخاذ القرار”.

كما تسلط لطفي الضوء على مطاردة النساء والفتيات على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الأجهزة الأمنية والرقابية تحت مسميات وذرائع فضفاضة كـ “مخالفة قيم الأسرة”، وهو ما يحتاج إلى تغيير قانوني وثقافي لحالة استعداء النساء، والتي تخلق رأياً عاما مناهضا للنساء حتى داخل الأجهزة القضائية، “ففي نهاية الأمر القاضي هو فرد في هذا المجتمع يتأثر بأفكاره”.

التغير المناخي

تلفت من جهتها، صفير، إلى تحديات مستجدة للنساء تتعلق بالمشاكل المناخية، التي لا تحظى بالاهتمام الكافي اليوم في دول الشرق الأوسط، “ولكنها في الوقت نفسه تنعكس بصورة مباشرة على النساء وتفرض عليهن تحديات جديدة، وحديثاً جاء دور الكوارث الطبيعية والزلازل التي يتأثر بها كافة السكان وتكون الفئات المهمشة والضعيفة الأكثر تأثراً بين الضحايا”.

وبحسب قزاز يفقد التغيير المناخي النساء الكثير من حاجاتهن الرئيسية، كالوصول إلى مصادر المياه، وتضرر الأعمال الزراعية التي تمثل مشغلا رئيسياً لعدد كبير من نساء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فضلاً عن دفعهن للنزوح والهجرة، التي ما عادت أسبابها تتعلق حصراً بالنزاعات والحروب، بل أيضاً بالجفاف وقلة الموارد”.

كل ذلك، بحسب قزاز، يعرض النساء خلال رحلة النزوح والهجرة لمخاطر أخرى ناتجة عنها، يصبح معها حتى التحكم بأجسادهن منوطاً بهذه التحديات.

وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن 80 بالمئة من المشرّدين بسبب تغير المناخ هم من النساء، اللواتي يصبحن أكثر عرضة للعنف والاعتداءات الجنسية في حالات التشرد، فضلاً عن التسرب المدرسي والتعرض للاستغلال.

وعلى الرغم من عدم الاهتمام الكافي من ناحية الحكومات ومراكز صناعة القرار في الشرق الأوسط بهذه التأثيرات المناخية، ترى صفير أنه “لا يمكن النظر إلى التحديات التي تواجه النساء بعين التفرقة أو الفصل أو المفاضلة بين القضايا، فكلها ترتبط ببعضها البعض، ولا يمكن تحديد أولويات من بينها، طالما أنها تؤثر بصورة سلبية على حياة النساء”.

ورغم صعوبة التحديات، تختم قزاز معربة عن أملها الكبير بالحركة النسوية الشابة التي تتصاعد في المنطقة، وتفرض حضورها وتتحدى الظروف والواقع الذي تعيشه النساء مع القوانين المجحفة والسلطة الأبوية الرجعية، “هذه الحركة تزداد عددياً وتجد طرق جديدة ومبتكرة للتواصل، وتدخل مجالات جديدة، وهذا مهم جداً لتغيير الواقع”.

Follow Us: 

Leave A Reply