قضية كبار المودعين تحول دون تسريع توقيع الإتفاق النهائي مع صندوق النقد

رنى سعرتي – نداء الوطن

تكمن إحدى اكبر العقد التي تحول دون تعجيل التوصل الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، في الودائع المصرفية الكبيرة، أي الحسابات التي تفوق المليون دولار وصولاً الى ما فوق الـ 100 مليون والتي تبلغ قيمتها الاجمالية حوالى 35 مليار دولار، علماً ان عدد الحسابات المصرفية التي تفوق المليون دولار يبلغ حوالى 11 ألف حساب.

بعد الموافقة على حفظ حقوق المودعين حتى 100 ألف دولار، قد يعترض صندوق النقد الدولي على النهج الذي يحاول سياسيون ومصرفيون في لبنان التسويق له في ما يتعلق بكيفية استرداد الودائع، ويعتبر ان انشاء صندوق لاسترداد تلك الودائع الضخمة والذي يتم تمويله من عدة مصادر ابرزها من ايرادات الدولة واستثمار أصولها، أمر غير ممكن على حساب المال العام، ولا يحقق الغاية المرجوة من اي اتفاق قد يبرم مع صندوق النقد الدولي لانقاذ البلاد ووضعها على سكة التعافي من خلال اعادة تفعيل الاقتصاد وتحقيق النمو… فاعتبار تلك الودائع كلياً أو جزئياً ديناً تلتزم به الدولة يزيد الدين العام بشكل كبير ويجعل التعافي اصعب، ويعرض لبنان الى امكان التعثر من جديد كما حصل في 2020، وبالتالي يرفض الصندوق هذا الاقتراح في حين تصرّ عليه الطبقة الحاكمة والمصارف وتعتبره جزءاً اساسياً من عملية توزيع الخسائر بين الدولة ومصرف لبنان والبنوك التجارية.

انه خطأ جسيم

إلا ان الخبراء الاقتصاديين ومسؤولين في صندوق النقد يرون ان هذا النهج خطأ جسيم ووسيلة من قبل المعنيين في لبنان لعرقلة اي اتفاق مع صندوق النقد، “ظنّاً منهم كالعادة، ان الوقت كفيل بحلّ الازمات على طريقته والتي هي عملياً طريقة الاكثر نفوذاً في موازين القوى”. واعتبر احد المصادر المعنيّة ان كبار السياسيين والمصرفيين ما زالوا يسعون لحماية مصالحهم على حساب الشعب اللبناني وحساب غالبية المودعين الذي جنوا مدّخراتهم بطريقة شرعية على نقيض بعض اصحاب الثروات الكبرى المشبوهة (بعض الحسابات التي تفوق الـ10 ملايين دولار)، الذين يشكلون اقلّ من 1 في المئة من اجمالي الحسابات المصرفية. هؤلاء هم من تسعى الطبقة الحاكمة لحماية ودائعهم من خلال تسخير أصول الدولة لصالحهم بدلاً من استثمارها حصراً لتحفيز النمو الاقتصادي وانتشال كافة الشعب اللبناني من الانهيار الاقتصادي والمالي المتسارع يومياً.

خرجت المليارات

اللافت ان عدد اصحاب الودائع التي تفوق المليون دولار تقلّص من حوالى 25 ألف حساب في 2019 الى 11 ألف حساب في 2022، وانخفضت قيمتها الاجمالية من حوالى 89 الى 35 مليار دولار بعد ان هُرّب الى الخارج ما هرّب منها نتيجة عدم اقرار قانون الكابيتال كونترول. إلا انه ورغم ذلك، ما زالت الطبقة السياسية تسعى لحماية الـ35 مليار دولار المتبقية قبل استرداد الاموال المشبوهة المحوّلة الى الخارج، ومن دون التدقيق في تلك الودائع لفرزها بين مشروع وغير مشروع. واستغرب المصدر كيف ان مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والسياسيين والمصرفيين يرفضون التدقيق في شرعية الودائع الكبيرة.

ورأى المصدر انه قبل اقتراح انشاء صندوق لاسترداد الودائع الكبرى برأسمال 35 مليار دولار، يجب الافصاح او تحديد من هم أصحاب تلك الحسابات او الثروات، من هم المودعون الكبار؟ وليبرهنوا أوّلاً ان اموالهم مشروعة ويحددوا قيمة الفوائد التي جنوها مقابل الرأسمال المودع في المصارف. وأشار المصدر الى ان اصحاب تلك الودائع كانوا على دراية بوجود مخاطر مترتبة عليهم لدى ايداعهم تلك الثروات وبالتالي هم مستثمرون وليسوا من فئات المودعين العاديين. اذاً، كيف يمكن الحديث او السعي لحماية ثرواتهم قبل تأمين ودائع نقابات المهن الحرة والضمان الاجتماعي او الشركات المصدّرة او المصانع وغيرها من اصحاب الودائع الكبرى، التي تساهم في نمو الناتج المحلي الاجمالي وفي تفعيل الاقتصاد وفي رفع مستوى معيشة عدد كبير من اللبنانيين العاملين في تلك المؤسسات.

هناك من هو أحق

أضاف المصدر المطلع: تلك الشركات والجهات والصناديق الضامنة أجدى بالحصول على ودائعها الشرعية قبل التفكير باسترداد ودائع المغامرين طمعاً بالفوائد، او حتّى المتورطين بعمليات مشبوهة كتبييض الاموال وعمليات فساد وتهرب ضريبي او غيرها من الجرائم المالية التي لطالما تغطت بلحاف السرية المصرفية طيلة عقود، وهؤلاء في حال استردّوا اموالهم سيحوّلونها فوراً الى خارج البلاد.

وتابع المصدر: ما هي الفائدة الاقتصادية من استرداد تلك الودائع؟ وكم من الوقت نحتاج الى استردادها، مع العلم ان لا امكانية لاستردادها حتّى مع انشاء صندوق سيادي لادارة اصول الدولة حيث ان التقديرات تشير الى اكثر من 50 سنة لذلك، اي نصف قرن من تسخير موارد عامة لفئة قليلة على حساب كل الآخرين.

وشدد على اهمية وضع مبادئ معيّنة يتم على اساسها توزيع الخسائر، تقوم تلك المبادئ على التأكد أوّلا من شرعية تلك الودائع وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية، لان بعض اصحاب تلك الثروات هم من دفعوا السياسيين الى تعطيل الحلّ خلال 3 سنوات، وبالتالي حمّلوا الخسائر الى مجمل الشعب اللبناني.

الأولوية للنمو الإقتصادي

وفي الختام، رأى المصدر انه فيما تستمرّ الطبقة الحاكمة في التركيز فقط على موضوع استرداد الودائع وتحاول البدء بحلّ الازمة من هذه النقطة، فان سياستها خاطئة كما ونهجها، لان لا شيء يمكن ان يؤدي الى استرداد الودائع سوى النمو الاقتصادي. مؤكداً ان الصندوق السيادي وحده ليس حلّاً ولا يمكن ان يفعّل النمو الاقتصادي ولن يحقق الايرادات المرجوّة من اصول الدولة، ما لم تقابله اصلاحات هيكلية مالية واقتصادية ونقدية ومصرفية، ليس من الواضح ان احداً يريدها حتى الآن من المنظومة السياسية المصرفية المتشابكة المصالح. كما لفت الى ان الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل له مع صندوق النقد الدولي لم يعد قابلاً للتطبيق، لان المؤشرات الاقتصادية والمالية مثل سعر الصرف وغيره لم تعد كما كانت عليه، وبالتالي يجب قبل وضع ودائع أصحاب الثروات المشبوهة أولوية لدى المفاوضين، ان يعيدوا صياغة خطة جديدة تستند الى المؤشرات الحالية المتدهورة وان يسارعوا الى تنفيذ الشروط الاولية التي وضعها صندوق النقد الدولي، من دون التحايل في مضمونها كما يحصل في قانون الكابيتال كونترول واعادة هيكلة المصارف التي صمّمها مصرف لبنان بتعميم منه وليس بقانون من مجلس النواب.

Leave A Reply