لكل سؤال جواب… وغالي الذهب غالي!!

درويش عمار-اللواء:

بلد يكاد يقف على كف عفريت.. عبارة تتردد على مسامعنا من قبل اللبنانيين كل اللبنانيين هذه الأيام بشكل دائم ومستمر، فكيف الأمر اذا كان بلد كلبنان بات يقف على شفير الهاوية وعلى أكف العديد من العفاريت في عالم السياسة والاقتصاد والمال والأعمال والمصارف والتجار والمحتكرين وغيرهم كثر، وقد أودوا بلبنان إلى ما هو عليه اليوم من تأزم وانهيار وبات يقف على «الشوار» يكاد ينزلق نحو الدرك الخطير بسرعة مذهلة وبشكل مخيف ومريع.

أسئلة أقلها على عدد أصابع اليد الخمسة هي، وأكثرها على عدد عجائب الدنيا السبع، وتلك الأسئلة تقضّ مضاجع اللبنانيين وتؤرقهم لا سيما وأنها خمسة، و«خمسة بعيون الشيطان».

بما أنه لكل سؤال جواب فلا بدّ أن يكون هناك أجوبة شافية ووافية على عدد تلك الأسئلة بالتحديد، لكن مهلاً، وقبل أن نورد ما هي تلك الأسئلة والأجوبة عليها لا بدّ من القو أنها باتت تشكّل هاجساً وقلقاً لدى معظم اللبنانيين إن لم نقل لديهم جميعاً، وباتت تلك الأسئلة تتردد في كل بيت وفي كل مكان وعلى كل شفة ولسان، إن كان في مجالس الخاصة أو الصالونات أو في سيّارات الإجرة أو المؤسسات والإدارات العامة والمصارف، وحتى على الطرقات بين عامة النّاس وهي متداولة على مدار الساعة ليل نهار.

أما لماذا التركيز على تلك الأسئلة بالذات، ذلك لأنها على ما يبدو من شأنها أن تحدّد مسار ومصير الأمور في هذا البلد في القريب المنظور على الأقل في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها لبنان ودول المنطقة والعالم بأسره.

السؤال الأول الذي يُطرح بإلحاح: هل ستشكل حكومة جديدة في لبنان قريباً، واستطراداً لماذا التأخير في ذلك حتى الآن، مع إضافة علامة استفهام عمّا إذا كان الرئيس سعد الحريري سيعتذر عن هذه المهمة في حال تعثر الأمور؟

أما الجواب على هذا السؤال، فيكمن في التالي: في ظل كل ما يجري من حولنا، تدل المؤشرات أنه لن تكون هناك حكومة جديدة في لبنان قبل شهر آذار أو نيسان من العام القادم 2021، وذلك لأسباب عديدة أبرزها انشغال العالم بوباء كورونا، وكلٌّ بأوضاع بلاده خاصة لجهة تأمين اللقاح المناسب للجم انتشار هذه الجائحة، أضف إلى ذلك انشغال معظم الدول والشعوب بالانتقال من العام الجاري واستقبال العام الجديد وكلٌّ يحتفل بهذه المناسبة على طريقته وينتظرها من عام إلى عام، رغم كل الظروف المأساوية التي يعيشها الجميع حالياً. ثالثاً، عدم وضوح أي بريق أمل لتلاقي المسؤولين والحكام والسياسيين في لبنان للتوافق على شكل الحكومة العتيدة، إذ يتمسك كلٌّ منهم حتى الآن «بالأنا» و«الله ينجينا من كلمة أنا». ويأتي تزامن ذلك مع تسلُّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن لمهامه وتشكيل إدارة جديدة، ومن ثم رسم خرائط ومعادلات إقليمية ودولية قد يكون لبنان على إحداها، وعندها يُمكن معرفة الخيط الأبيض من الخيط الأسود مع دخول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض.

السؤال الثاني: هل سيشهد لبنان تفلتاً أمنياً وفوضى تعيد إلى الأذهان المشاهد والصور التي تذكّر بالأحداث والحروب التي عاشها هذا البلد على مدى سنوات طويلة إن كان من خلال الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة عليه، أو من خلال مشاكل داخلية بين أبناء البلد الواحد، وبالتالي هل سنعود لنشهد قطعاً للطرقات هنا وهناك وتظاهرات شعبية في مناطق مختلفة من لبنان، ترفع المتاريس في وجه بعضها البعض مما ينشر الخوف والفوضى والفلتان الأمني لا سمح الله، وعندها يغني كلٌّ من المسؤولين والسياسيين والأحزاب والتيارات على ليلاه، إنما ولطمأنة النّاس فإن المؤسسة العسكرية من جيش لبناني وسائر القوى الأمنية الأخرى ساهرة على حفظ الأمن في البلد لتأمين الاستقرار بشكل حاسم، فيما لا يُستبعد أن تقوم إسرائيل بأي عمل عدواني مفاجئ ضد لبنان، إلا أنها ستحسب ألف حساب وحساب قبل القيام بذلك والإقدام على مثل هكذا مغامرة.

السؤال الثالث: تُرى هل سيتم الإفراج عن أموال المودعين المحتجزة في المصارف، وهل سيتم أيضاً إعادة الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج، وهنا بيت القصيد، باعتبار أن هذين الأمرين يشكلان بالنسبة للبنانيين جميعاً أولوية مطلقة، وما كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الأخير، عن وعد قطعه بأن البنك المركزي والمصارف «قد يعملون بدءاً من شهر شباط القادم لإيجاد حل لمشكلة الودائع في المصارف اللبنانية، وما علينا إلا الانتظار، مع الأخذ بعين الاعتبار المثل الشائع «عالوعد يا كمون»، مع الإشارة أيضاً إلى أن شهر شباط ليس له أمان وليس عليه رباط كما يقال، وهو كالسياسيين والمسؤولين في لبنان وكوعودهم التي طالما سمعها اللبنانيون طويلاً». أما بالنسبة للأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج فتبقى رهناً بتحرك الدول التي تمّ ايداعها في مصارفها، وما عليها إلا المساعدة لإعادتها إلى لبنان قريباً من أجل دعم هذا البلد وإخراجه من هذه الأزمات الخطيرة.

السؤال الرابع: ما هو مصير التدقيق الجنائي بعد الجدل العقيم الذي شهدناه على هذا المسار ولم يؤدِّ إلى أي نتيجة حتى الآن، وبالتالي كيف سيتم التعامل مع هذا الموضوع الأهم من قبل جميع المعنيين بهذا الشأن لاحقاً.. وتزامناً مع ذلك نستطرد بالسؤال، أين هي موجودات الذهب الذي طالما سمعنا عنه الكثير، وهل هي موضوعة في لبنان أم في الخرج، علماً أن تلك الموجودات هي من أهم ما يتكل عليه لبنان في الملمّات والأزمات والأوقات الصعبة والمصيرية، وهل من يخبرنا عن كمية وحجم هذا المخزون من الذهب العائد للدولة اللبنانية، وهل فعلاً أن مصرف لبنان لم يطّلع على حجم تلك الموجودات منذ العام 1996 أم أن ذلك قيل لغاية في «نفس يعقوب»، أو المشرفين والقيِّمين على شؤون الذهب، لذلك لا بدّ من إيضاح الأمور للبنانيين على هذا الصعيد بكل التفاصيل، وبالتالي لماذا لا يُصار للاستفادة من موجودات الذهب عن طريق مختلف الوسائل المتاحة في هذا المجال، وما ارتفاع سعر الذهب عالمياً إلا لتأكيد المؤكّد بضرورة الاستفادة منه والبناء على كلمات أغنية السيدة فيروز «غالي الدهب غالي».

السؤال الخامس: ماذا بعد أن تمّ تعليق المفاوضات الجارية على صعيد ترسيم الحدود البحرية جنوباً بين لبنان والعدو الاسرائيلي، وإلى أين ستذهب الأمور على هذا المسار مع التأكيد على أن لبنان قد أعلن تمسُّكه مراراً وتكراراً بحزم وقوة بكل نقطة مياه وكل ذرة تراب وبثرواته النفطية والغازية دون التفريط بأي منها مهما كلف الأمر، وهنا يأتي دور الدول الفاعلة والمؤثرة والمشاركة في هذه المفاوضات كي تلعب دورها كما يجب لإنجاز ترسيم الحدود والمحافظة على سيادة لبنان وأرضه ومياهه الإقليمية وثرواته الطبيعية دون منّة أو جميل من أحد، وإلا ستبقى الأمور عالقة إلى ما شاء الله، وحينها لن يُمكن لأحد بما في ذلك اسرائيل أن تستخرج الغاز والنفط وستواجه صعوبات ومشاكل عديدة في هذا الإطار أيضاً.

أما لمن ينتظر في لبنان تدفق النفط والغاز قريباً من بحره ومياهه فلا بدّ من أن ذلك سيأخذ وقته حتى في حال استؤنفت المفاوضات وأدت ثمارها المرجوة على هذا الصعيد.

بعد أن طرحنا تلك الأسئلة الخمسة والاجابة عليها قدر الإمكان والمستطاع، يبقى سؤال آخر لا يقل أهمية عن سابقاته، ألا وهو هل صحيح أن مصرف لبنان سيُقدم قريباً على رفع الدعم عن مواد أساسية في البلد كالقمح والدواء والمحروقات وغيرها، وفي حال حصل ذلك، كيف سيكون عليه المشهد في لبنان وعلى حياة اللبنانيين وأوضاعهم الإجتماعية، لا سيما وأن البنك الدولي قد بشَّرنا مؤخراً في أحد تقاريره بأن نصف الشعب اللبناني يتجه نحو الفقر خلال العام القادم 2021 في حال عدم تشكيل حكومة جديدة واستمرار الأوضاع في البلد على ما هي عليه اليوم من عدم تطبيق للإصلاحات المنشودة دولياً، علماً أن مصرف لبنان كان قد أكد أن الاحتياط بالعملة الصعبة لديه يكفي لمدة شهرين فقط ويقدر بنحو 900 مليون دولار فقط، وأن رفع الدعم سيتم بعد نفاد هذا المبلغ من المال بالعملة الصعبة.

كل تلك الأخطار المحدقة بلبنان سياسياً وأمنياً واجتماعياً واقتصادياً ومالياً ونقدياً لم تدفع بالسياسيين والمسؤولين والحكام في لبنان لتحريك ساكناًً بل انهم لا يزالون يتبادلون المهاترات والتهم في ما بينهم، تراهم عيون اللبنانيين وتسمعهم آذانهم مع تصريحاتهم وتغريداتهم الجوفاء الخالية من أي مضمون من شأنه أن يساهم في إنقاذ لبنان واللبنانيين.

لذلك لا بدّ من القول حمى الله لبنان واللبنانيين من سياسيِّيه وحكامه ومسؤوليه أولاً، على أمل أن تكون الأجوبة التي أوردناها على مثل تلك الأسئلة المطروحة قد تشفي غليل اللبنانيين. أما لبنان فهو وحده يبقى دائماًً أغلى من كل ذهب الأرض، وكل حبة تراب فيه أغلى من كنوز الدنيا كما أنشدت السيدة فيروز في أغنية بحبك يا لبنان.

Leave A Reply