كتبت صحيفة “الاخبار” تقول:
كرّست وقائِع الأسبوعين الأخيرين استمرار التوازن السلبي مخيّماً على لبنان مع بداية العام الجديد في انتظار جلاء النوايا الخارجية تجاهه، فإما مزيد من الانهيار والفوضى أو حصول تحوّل كبير يسمَح بتحقيق اختراق في الملف الرئاسي. كل المؤشرات تدلّ إلى أن الكباش السياسي الذي تجدّد حيال تفعيل حكومة تصريف الأعمال في ظل الفراغ الرئاسي سيأخذ مداه بعد الأعياد، خصوصاً أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومن يدعمه، يسعى إلى استخدام «البنود الملحّة» كعامل ضغط للدعوة إلى جلسة وزارية، ما يضع البلاد أمام أسابيع حافلة بالانقسام السياسي والمالي والدستوري، قد يأخذ منحى تصادمياً غير مسبوق.
حصيلة الساعات الأخيرة أكدت أن القرار السياسي بشأن الدعوة إلى جلسة للحكومة قد اتخذ، بينما تبقى التفاصيل اللوجستية، إذ لا يُمكن عقد الجلسة في الأسبوع الأول من السنة الجديدة بسبب «وجود معظم الوزراء خارج البلاد لقضاء العطلة، وأكثرهم لن يعود قبلَ نهاية الأسبوع المقبل» وفقَ مصادر وزارية. أما بالنسبة لجدول الأعمال، فتشير المصادر إلى أنه «لم ينجز بعد، لكن على الأرجح سيكون البند المتعلق بسلفة الخزينة للكهرباء الموضوع الرئيسي، بعدَ أن وقّع وزير الدفاع المرسوم المتعلق بالترقيات، وستضاف إلى ذلك بنود أخرى تعني المواطنين ومنها ملف النفايات، إلا أن الأمور غير محسومة بعد».
وفي هذا الإطار، قالت المصادر إن «الجلسة ستنتظر أيضاً نتائج الاتصالات السياسية التي ستستأنف بعد الأعياد، بخاصة في ظل رفض التيار الوطني الحر والقوى المسيحية مبدأ الدعوة، فضلاً عن تحديد وزير الطاقة وليد فياض موقفه من المشاركة، إذ إنه الوزير المعني بملف الكهرباء»، معتبرة أن «ما سيترتب عن انعقاد الجلسة هذه المرة سيكون كبيراً وأكثر خطراً من الجلسة الماضية لأن القوى المسيحية سترى فيها استفزازاً ومحاولة لتخطّي طائفة برمتها». ومن ناحية أخرى، لفتت المصادر إلى أن «دعوة ميقاتي ستضع القوى السياسية المشاركة في الحكومة أمام موقف محرج في ضوء الطبيعة الملحة لبعض البنود»، والأكثر حرجاً هذه المرة «سيكون حزب الله الذي لم يحدد موقفه بعد في ظل الخلاف العميق الذي ضرب علاقته بالتيار الوطني الحر إثر مشاركته في الجلسة الماضية».
القرار السياسي بشأن الدعوة إلى جلسة للحكومة اتخذ في انتظار التفاصيل اللوجستية
وعلى الصعيد الرئاسي، أحصى مصدر مواكب للاتصالات التي أجريت الأسبوعين الماضيين مجموعة من النتائج الأولية يختصرها بالآتي:
أولاً: تؤمن الولايات المتحدة دعماً مباشراً لفرنسا وقطر في معركة توفير الأصوات لقائد الجيش العماد جوزيف عون، مع تمايز فرنسي يقضي بعدم إقفال الباب أمام تسوية قد تقود رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية إلى القصر الجمهوري.
ثانياً: إبلاغ المملكة العربية السعودية الجانبين الفرنسي والقطري أنها قررت الاستمرار في سياستها القائمة منذ عام 2016 بعدم تحمل مسؤولية عن أي قرار أو خطوة لها تبعاتها، خصوصاً أن ولي العهد محمد بن سلمان لا يزال عند رأيه بصعوبة تأمين إجماع لبناني على إدارة ترضي العرب والغرب ولا تكون خاضعة لحزب الله. ولذلك فإن الرياض لا تريد التورط في أي برنامج أو خطة دعم اقتصادي خاص، وهي تلتزم فقط بالسقف المتعلق بالصندوق المشترك مع فرنسا.
ثالثاً: يشكل الانقسام المسيحي عائقاً أساسياً أمام السير بمرشح جدي للرئاسة من قبل الأطراف الإسلامية. وطالما لم يعلن حزب الله وحلفاؤه عن اسم مرشح، فإن الأبواب تبقى مفتوحة مع الآخرين، ولا سيما مع بكركي التي تكثفت الاتصالات بينها وبين حارة حريك أخيراً، وقد تترجم هذه الاتصالات بخطوة قريباً، ومع «التيار الوطني الحر»، وإن كان الأخير قد أبلغ جميع من التقى بهم في الأسبوعين الماضيين داخلياً وخارجياً رفضه ترشيح فرنجية أو قائد الجيش.
رابعاً: يبدو أن الجميع في الداخل والخارج يراقب تحركات حزب الله، والأخير ما زال متمسكاً باستراتيجية عدم إعلان موقف حاسم الآن، وعدم وضع فيتو على أي مرشح للرئاسة، وإبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع الجميع.